التعريف بسورة النور
تحمل سورة النور هذا الاسم لما فيها من دلالة على العفاف والنور في الدنيا، وقد كان توقيت نزولها في غضون السنة الخامسة من الهجرة، وهي سورةٌ مدنية اشتملت على أحكامٍ وعلى حدودٍ وعلى آدابٍ وتشريعات، وقد نزلت هذه السورة بمنهج أخلاقيّ تربويّ متكامل، فيقول الله عز وجل: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 1]، وجاء في هذه الآية تخصيص من الله سبحانه وتعالى لسورة النّور بوصف نزولها وفرضها وما فيها من آيات بيّنات، مع أن كل سورة في القرآن الكريم ينطبق عليها هذا الوصف، لكنّ تخصيص سورة النور بهذا الوصف كان لأهمية ما فيها من تشريعات وآداب، لذلك سميّت سورة العفّة والطّهارة، لما تناولته من أسس تربية الأسرة المسلمة، ووقاية المجتمع الإسلامي من الفساد، وهي نور الحياة الذي إن اتبعه المسلم سيعيش في النّور والصلاح، ومن أعرض عنه لن يجد إلا الظلام، ولذلك حثَّ الخليفة عمر بن الخطاب على تعلّم هذه السورة من قبل النساء.[١][٢]
تفسير آية الله نور السموات والأرض
وردت في تفسير هذه الآية الكريمة تفاسير عديدة، ومنها ما يلي:[٣][٤][٥]
- جاء تفسير ابن القيم رحمه الله لقول اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]، إذ يُقصد فيها أنّ الله تعالى يُنير لأهل السماواتِ وَالأَرض ويهديهم، فبنورهِ يهتدي من فيهما، ومنهُ اشتُقّ اسمُ النورُ الَّذِي هو أحدُ أسماء الله الحسنى، والنور هنا نوعان حسّي مخلوق وهو نور صادر عن الكواكب ونحوها، وهذا النور مستمد من نور الله؛ لأنه هو الذي ينوّر الكون، ونور معنويّ وهو نور الإيمان بالله ونور شرعه وكتابه.
- عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: (إنَّ اللَّهَ لا ينامُ ولا ينبغي لهُ أن ينامَ يخفِضُ القسطَ ويرفعُهُ يُرفَعُ إليهِ عملُ اللَّيلِ قبلَ عَملِ النَّهارِ وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ حجابُهُ النُّورُ لو كشفَهُ لأحرقت سُبُحاتُ وجهِهِ ما انتهى إليهِ بصرُهُ من خَلقِهِ) [صحيح ابن ماجه | خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: ( نُورٌ أنَّى أراهُ)[صحيح مسلم | خلاصة حكم المحدث: صحيح]
- يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية: (وقولهُ تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور: 35] فهذا مثل لنور الله في قلب العبد المؤمن، وأعظمُ العباد نَصِيب من هذا النور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا النور يُضافُ إلى اللَّه تعالى، إِذ هو المُعطي والواهب، إذ بيّن هذا التشبيه العظيم الذي تضمّنته الآية الكريمة الأسرارِ وَالمعاني، وإِظهار تمام نعمته على عبده المؤمن، بما ناله من نُور، فالمشكاة كوّة يُوضع فيها مصباح، ويُشبه وجود المصباح داخل الزجاجة الكوكب الدري فِي صفائه وحسْنه، ومادته من أصفى الأدهانُ، وأتمّها وقودًا من زيتِ شجرة، إذ لا شرقيّة ولا غربيّة، فتصيبها الشَّمس في أحد أطراف النهار أَعْدلَ إِصابةٍ، فمن شدَّة إِضَاءَة الزيت وصفائه يكادُ يُضيءُ دون أن تمسّه نار، فهذا مثل نور الله تعالى الذي بثّه في قلب العبد المؤمن وميّزه به).
مقاصد سورة النور
جاءت في سورة النور مقاصد هامّة عديدة، ومنها ما يلي:[٢][٦]
- صيانة العِرض ووسائل حفظه، فالعرض أمر حسّاس وعظيم وخطير، وصيانته والمحافظة عليه واجب، والسورة تركز على هذا الموضوع بعدة جوانب، فجعل الله سبحانه وتعالى الاعتداء على الأعراض جريمة، مهما كان نوعه، سواء أكان بالفعل وهو الزنا أم بالقول وهو القذف بالكلمة، وجعل هذا الأمر من الكبائر، وجعل له عقوبة مفصّلة.
- ذكر حادثة الإفك، وهي الحادثة التي اتُهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها، إذ تكلّم المنافقون في عرضها بتقدير الله سبحانه وتعالى، ثم برأها الله تعالى مما قالوا في عشر آياتٍ من هذه السورة ابتدأت من الآية أحد عشر، وفي هذه القصة درس للمسلمين في ضرورة التنبّه للاتهامات الكاذبة التي تقذف بها المحصنات.
- تشريع آداب الاستئذان، إذ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] وفي السورة تفاصيل آداب الاستئذان في الدخول على البيوت من خارجها، وداخل البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة، في أوقات النوم، ودخولهم على بعضهم، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
- تنظيم أوقات اليقظة والنوم، إذ إنّ في السير على منهج الله عز وجلّ تنظيم حكيم، بأن ينام الإنسان بعد صلاة العشاء، ثم يقوم في منتصف الليل لقيام صلاة الليل، ثم ينام من قبل صلاة الفجر، ثم ينام عند الظهيرة ساعة القيلولة، ويتجلّى الإعجاز العلميُّ في القرآن الكريم في فهم راحة الجسم وصحة البدن.
- الأمر بغض البصر، إذ يقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور: 30] ثم يقول:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[النور: 31]، وجاء الأمر بغض البصر متبوعًا بالأمر بحفظ الفروج، وذلك لأن الأول بداية للثاني، لأن غض البصر يقي من الوقوع في الزنا، ولأن الله هو العالِم بضعف الإنسان فقد أمر النساء في الآية نفسها بالستر، وتيسير متطلبات الزواج: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].
- وعد الله بالتمكين لمن تمسّك بشرعه وحكمه، إذ تبيِّن السورة أن التمسك بالآداب والأحكام الشرعية طريقٌ للتمكين، إذ قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].
- الله عز وجلّ نور السّموات والأرض، وهو مصدر كل نورٍ في هذه الحياة سواءً الماديّ والمعنويّ ، فالشمس والقمر والنجوم، كلها نور من عند الله، وكذلك نور الإيمان الذي يضيء في القلب، ليستقيم حال الإنسان والمجتمع، وهذا النور لا ينتفع به إلا من طلبه وأحبّه وسعى إليه.
- بيان أحوال الناس مع نور الله، إذ ينقسم الناس ثلاث فئات؛ أولهم المؤمنون الذين انتفعوا بنور الله، وقال الله تعالى فيهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } [النور: 36]، ومنهم الكفارالذين اختاروا الظلمة كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} [النور: 39]، ومنهم المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47].
المراجع
- ↑ أ. د. فؤاد محمد موسى (21-3-2019)، "سورة النور علاج وعفاف"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب أحمد الجوهري عبد الجواد (7-3-2018)، "مقاصد سورة النور"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ فريق إسلا ويب (22-2-2016)"تفسير قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد بن صالح الشاوي (21-12-2013)، "نفحات قرآنية .. في سورة النور"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الوهاب عمارة"نور الطاعة ...وسعادة الدارين"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ الإمام بن باز رحمه الله ، "تفسير قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.