محتويات
سورة النّور
هي سورة مدنية نزلت بعد الهجرة في المدينة المنورة في عهد البعثة النبوية، وهي واحدة من أعظم السور في القرآن الكريم، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه السورة نزلت في الوقت التي أصبحت تعاني فيه الأمة الإسلامية في جميع أقطارها، لا سيما أنّ موضوعات السورة خصّت المرأة، فهذه السورة تشدّ من أزر المرأة المسلمة التي أصبحت مستهدفة من أعداء الإسلام، وتجدر الإشارة إلى أنّ سورة النّور وقفت في وجه المنافقين محذرةً من مكايدهم ودسائسهم التي تسعى إلى النيل من الأخلاق والقيم الدينية، وهذا ما تخبرنا به الآية القرآنية في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19]، ومن الأمور التي اهتمت بها هذه السورة هي أمر المرأة المسلمة، وذلك عن طريق الآيات التي تتحدث عن توجيهات مفصلة تضبط العلاقات داخل المجتمع المسلم بين المرأة والرجل، وجاء فيها الأمر بغض البصر لكلا الجنسين، ويلحظ أنّ بعض النساء يطلقن أبصارهنّ، فيحسبن أنّ غض البصر للرجال فقط، ومما لا شك فيه أنّه يوجد فرق كبير بين غض البصر والتغميض، وأنّ الغض أبلغ، لذا ذكره الله تعالى في سورة النّور بقوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم} [النور:30]، وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31]، ومن الأمور التي ذكرتها سورة النّور: فضحها للمنافقين وكشف عوراتهم في آياتها؛ فكثيرًا ما نجد فئة من الناس تعيش في المجتمع الإسلامي، إلا أنها رافضة للقيم والأخلاق النابعة منه.[١]
خواص سورة النّور
يبلغ عدد آيات سورة النّور 64 آية، وهي من السور المثاني، ويعد ترتبيها الرابعة والعشرون في القرآن الكريم، ونزلت هذه السورة بعد سورة الحشر، كما تناولت آياتها حادثة الأفك، وقد أُمرنا بقراءة سورة النّور لما لها فضل كبير، وقد حثّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعلّم سورة الأحزاب، وسورة النور، وسورة النساء، وتتناول سورة النّور عدة محاور وأهمها الأحكام التشريعية، كما تعتني بأمور الأحكام والتوجيه والأخلاق.[٢]
مقاصد سورة النّور
تتعدّد مقاصد سورة النور، ومن أبرزها ما يلي:[٣]
- تحدد للإنسان بعض الفرائض وتلزمه بها، وذلك في قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:1].
- تحرّم الزور وقذف المحصنات، وتحكم على من قام بهذ الفعل بالفسق واللعن، وعدم قبول شهادته، وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:4].
- تبرئة السيدة عائشة مما رُميت به في حادثة الأفك، وأنّها طاهرة وعفيفة، ولا يشك في هذا إلا كل أفاك أثيم.
- التحذير من انتشار الفاحشة في المجتمع، إذ يعد انتشارها سببًا رئيسيًا لهدم المجتمع وتفككه.
- التحذير من اتباع خطوات الشياطين، وتبين مخاطر هذا الاتباع من عواقب وخيمة، وذلك لأنّ الشيطان لا يترك الإنسان دون أنّ يوسوس له، ويسعى إلى جره إلى المعاصي.
- ذكر آداب الاستئذان عند الدخول إلى البيت أو إلى أحد حجراته، وبينت أنّ النساء الكبيرات في السن لا حرج عليهن.
- ذكرت السورة في آياتها أنّ صلاح المجتمع يبتدئ بصلاح بيوت العبادة، فأنّ إقامة الصلاة هي طهارة للقلوب، فذكر الله تعالى المساجد ومكانتها، ومنزلة المعلقة قلوبهم بها.
- تحدثت السورة عن آداب الضيافة داخل محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء.
- وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين المطبقين لشرعه الاستخلاف في الأرض، والنصر على الكافرين.
- ختم الله تعالى سورة النوّر بملكية الله لما في السموات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم، والله بكل شيء عليم.
سبب تسمية السورة
النّور هو الشيء المحبب إلى كل نفس، وسميت بهذا الاسم لما فيها من أحكامٍ اجتماعيةٍ عظيمة، إذ تنير حياة الناس، وتميز لهم بين الخير والشر، والحق والباطل، والنفع والضر، ومشار هذا الأمر في قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[النور:35]، فكان توقيت نزول هذه السورة بعد الهجرة، وحدد العلماء زمن نزولها في السنة الخامسة للهجرة، وذكر أنّها سورة فاضلة جدًا، وثبت ذلك بالقرآن الكريم.
خص الله تعالى هذا السورة من بين مئة وأربع عشرة سورة، إذ أنزلها وفرض فيها أحكامًا وآيات بيّنات من آيات العقيدة لعل الناس يتذكرون، ومن الجدير بالذكر أنّ موضوعات سورة النّور كانت قائمة على صيانة العرض ووسائل حفظه بما ذكر في السورة؛ إذ إنّه من صفات المؤمنين المحافظين على فروجهم، وقد جرم الله تعالى قاذف الأعراض سواء بالفعل أو بالقول، وقد ذكر في الآيات أيضًا آداب الاستئذان، ويمكن أنّ يستهين بعض الأشخاص في هذا الأمر، إلا أنه أمر عظيم يجب العمل به خارج المنزل أو داخله، وذكر في الآيات الكريمة أنّ الله تعالى نور السموات والأرض، وهو مصدر كل نور في هذه الحياة، ولم تختص نعمة الله عز وجل في نور الشمس والقمر للمؤمنين فقط، إنما جعله للناس كافة، وقد خص الله تعالى المؤمنين بنور آخر، هو نور الدين، والشريعة، ونور الإيمان.[٤]
حادثة الأفك
نشأت السيدة عائشة في بيت النبوة، فقد تربت على يديّ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد تشبعت عقليتها بالمفاهيم الإسلامية، وأصبح سلوكها تطبيقًا عمليًا لهذه العقيدة، فقد تعرضت أُمُنا عائشة الطاهرة إلى أعظم ما يمكن أنّ يبتلى به الشخص، وهو القذف بالزنا، فلم تقتصر هذه التهمة على أفراد أُسرتها فقط، بل انتشرت في المجتمع كله، وتعرف هذه الحادثة بإسم حادثة الأفك، وهي نشر الشائعات والقذف من قبل المنافقين والكفار وبعض المسلمين على أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها-، وذلك عندما تخلفت عن الجيش في إحدى الغزوات، ثم قام بإحضارها الصحابي صفوان بن المعطل السلمي -رضي الله عنه- على ظهر جمله، فقد ظنت أنّ الجيش قام بإرسال صفوان ليأخذها بعد أنّ تركوها، ولم تفكر حتى أنّ تسأله أنّه مبعوث من قبلهم، ثم انطلقت الشائعات عليها من كل صوب، وتقسم هذه الحادثة إلى قسمين؛ الأول عندما وجدت نفسها وحيدة وقد تركها الجيش، والثانية عند انتشار الشائعات عليها، فقد حافظت على تماسكها تجاه هذه الحادثة العظيمة، وتبرأت منها من فوق سبع سموات، ونزل فيها قرآن يتلى.[٥]
المراجع
- ↑ " سورة النّور وأسوار الفضيلة"، almoslim، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "سورة النُّور 24/114"، e-quran، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.
- ↑ " مقاصد سورة النور "، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "نور البيان في مقاصد سور القرآن "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.
- ↑ " كيف واجهت أم المؤمنين عائشة حادثة الإفك؟"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.