محتويات
حديث قصير عن الحِلم
خُلُق الحِلم بكسر الحاء يقصد به كتمان الغيظ، وهي صفة يتَّصف بها من يملك نفسه عند الغضب، وورد الحثُّ على التحلّي بخُلُق الحِلم في السنة النبوية في أحاديث عديدة منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس: (... إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأَنَاة...) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التَّأنِّي مِن الله، والعجلة مِن الشَّيطان، وما أحدٌ أكثر معاذير مِن الله، وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى الله مِن الحمد) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: حسن][١].
مفهوم صفة الحِلم
إنَّ الحلم صفة من صفات الله جل وعلا، كما إنّ الحليم اسم من أسمائه الحسنى، وقد سمّى الله به نفسه دلالةً على عِظم هذا الاسم وجلالة قدره عند الله تعالى، وما ذُكر الحلم في القرآن إلا مقرونًا بالمغفرة والعلم والغنى والشكر تأكيدًا على أهمية اجتماع الحِلم مع كلّ هذه الصفات، وقد ورد اسمه الحليم في إحدى عشرة آيةً في القرآن الكريم، نذكر منها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة البقرة: 235]، والآية {وَاللّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ} [سورة البقرة: 263].
أمّا صفة الحِلم للمخلوق تستخدم في سياقين: ذو الحلم أي ذو العقل، والحليم هو الشخص كاظم الغيظ وبطيء الغضب الذي يصفح عن الأذية ويصبر عليها، كما يقصد بها الشخص الذي لا يعاقب أحدًا إلا في الله ولا ينتصر منه إلا لله أيضًا، وهو الذي لا يدفعه الغضب لفعل شيء لا يفعله في حالة رضاه، والحليم يتحمل مسببات الغضب فيصبر ويتأنى ولا يثور، فالحلم صفة تقتضي رجاحة العقل وثباتة وابتعاده عن القسوة، وهذا الاسم يجمع بين مكارم الأخلاق واللين والرحمة بالمخلوقات، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، إذ كان من أحلم الناس وكان يعلّم أصحابه العفو والصفح، كما عُرف باتساع صدره، إذ لا يضيق ذرعًا بأخطاء أصحابه[٢].
مواقف من حِلم النبي وعفوه عن الناس
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133- 134]، ذكرت الآية الكريمة فضل كظم الغيظ وهو أول درجات الحِلم، وقد وردت في السنة النبوية مواقف من حِلم النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه عن الناس منها[٣][٤]:
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قالَ أنَسٌ: فَنَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ) [صحيح بخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فمجرد تخيل وتصور هذا الموقف يظهر عظم حلمه -عليه السلام-.
- قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (لَمَّا مَاتَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ، دُعِيَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيُصَلِّيَ عليه، فَلَمَّا قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وثَبْتُ إلَيْهِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أتُصَلِّي علَى ابْنِ أُبَيٍّ وقدْ قَالَ يَومَ كَذَا وكَذَا: كَذَا وكَذَا؟ أُعَدِّدُ عليه قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَالَ: أخِّرْ عَنِّي يا عُمَرُ فَلَمَّا أكْثَرْتُ عليه، قَالَ: إنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لو أعْلَمُ أنِّي إنْ زِدْتُ علَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ له لَزِدْتُ عَلَيْهَا قَالَ: فَصَلَّى عليه رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إلَّا يَسِيرًا، حتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِن بَرَاءَةٌ: {وَلَا تُصَلِّ علَى أحَدٍ منهمْ مَاتَ أبَدًا} [التوبة: 84] إلى قَوْلِهِ {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِن جُرْأَتي علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَئذٍ، واللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ)[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي ذلك ما يدلُّ على حجم عفو الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحلمه العظيم حتى مع عبدالله بن أبي الذي لم يأل جهدًا في إثارة المشاكل والتعاون مع المشركين واليهود لإيذاء النبي، ومع ذلك كان -عليه السلام- شديد الحريص على إنقاذه من النار، لأن الله تعالى بعثه رحمة للعالمين.
- ظهر خلق الحِلم جليًا عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الموقف الآتي (أنَّ امرأةً يَهوديَّةً أتت رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ بشاةٍ مسمومةٍ فأَكلَ منْها فجيءَ بِها إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فسألَها عن ذلِكَ ؟ فقالت : أردتُ لأقتلَكَ قالَ : ما كانَ اللَّهُ ليسلِّطَكِ على ذلكَ أو قالَ عليَّ فقالوا ألا نقتلُها قالَ لا قالَ أنس فما زلتُ أعرِفُها في لَهواتِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ) [المحلى| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وبهذا صفح عنها النبي ليغرس في نفوس المسلمين معاني الحِلم والعفو.
طرق لتعزيز الحِلم وتسكين الغضب
يرتكز خُلُق الحِلم في القدرة على ضبط النفس عند الغضب، ويجدر بالمسلم التحلي بهذا الخُلُق لما ورد في فضله في السنة النبوية والقرآن الكريم، ويمكن تسكين الغضب وتعزيز الحِلم بالاستعانة بهذه الأمور، ومنها[٥]:
- ذكر الله تعالى واتباع أوامره والاستغفار، قال الله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} [سورة الكهف: 24].
- تغيير حالة الجلسة التي إلى حالة أخرى كأن يجلس الشخص إن كان قائمًا أو العكس، كما فعل معاوية -رضي الله عنه - عندما غضب وهو يخطب فنزل وتوضأ ثمَّ عاد.
- تذكُّر عواقب الغضب التي تسبب الندم.
- تذكُّر ثواب العفو وكظم الغيظ رغبةً في الأجر وحذراً من استحقاق العقاب، والتأمل في حبّ الناس للشخص الحليم وثنائهم عليه طمعًا في الوصول إلى ما وصل.
المراجع
- ↑ "ثانيًا: التَّرغيب في الحِلْم في السُّنَّة النَّبويَّة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-12. بتصرّف.
- ↑ زلفى الخراط (2016-11-26)، "الحِلْم صفة الرب وخُلُق العبد"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-12. بتصرّف.
- ↑ "نماذج مِن حلم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم"، طريق الاسلام، 2014-01-31، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-08. بتصرّف.
- ↑ صالح الشامي (2018-08-02)، "من أخلاق الرسول: الحلم والعفو"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-12. بتصرّف.
- ↑ عثمان مكانسي، "الحلم والغضب"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-08. بتصرّف.