محتويات
القرآن الكريم
جعل الله عزّ وجلّ القرآن الكريم هاديًا لهذه الأمة، ومخرجًا لها من الظلمات إلى النور، وعالج فيه جميع الجوانب التي يحتاجها العبد؛ الدينية منها والدنيوية في كلّ زمانٍ ومكانٍ، وجعله باقيًا إلى قيام الساعة دون تحريفٍ أو ضياع بخلاف الكتب السماوية السابقة التي عبثت أيدي البشر بها، وقد أُنزل هذا الكتاب العظيم في أعظم ليلةٍ في العام وهي ليلة القدر ليكون ذا قدرٍ عالٍ وليحظى بالتعظيم والتقدير من المسلمين، وقد جعل الله عزّ وجلّ كلّ آية من آياته عالمًا واسعًا لا تنتهي أسراره مهما تبحّر العالم فيها، وفي هذا المقال نتحدّث عن سورة المائدة، وعن سبب تسميتها بهذا الاسم.[١]
سبب تسمية سورة المائدة
أرسل الله عزّ وجلّ إلى بني إسرائيل العديد من الأنبياء والرسل، فكذّبوا بهم ولم يؤمن سوى قليل منهم، وقد كان سيدنا عيسى -عليه السلام- آخر هؤلاء الأنبياء، وعلى عادة بني إسرائيل، فلم تؤمن منهم سوى فئة قليلة سُمّيت بالحواريين، وقد أيّدت هذه الفئة سيدنا عيسى -عليه السلام- في دعوته ونصرته، ومع ما اتّصفت به هذه الفئة من صفاء النفوس، وإخلاص النيّة لله تعالى، فقد طلبت منه -عليه السلام- أن يطلب من الله تعالى أن ينزل عليهم مائدة من السماء، وقد كان ذكر قصة المائدة هو السبب في تسمية هذه السورة بهذا الاسم، كما أنّها تُسمى بسورة الأخيار؛ لأن فيها أهم صفة من صفاتهم وهي الوفاء بالعهد، وقد تحدثّت السورة عن هذا الخُلق الكريم، كما سُميت بالسورة المنقذة؛ لأنها تُنقذ صاحبها من ملائكة العذاب، وسورة العقود؛ لأنّ العقود ذكرت في أول السورة، وهي السورة الخامسة في ترتيب المصحف الشّريف، وتقع في الجزء السادس والسّابع، وهي من السور الطوال، وعدد آياتها مئة وعشرون آيةً، وقد نزلت في المدينة المنورة بعد سورة الفتح، وقد كانت من آواخر سور القرآن الكريم نزولًا، وروي عن أهل العلم أنّه لا يوجد فيها نسخ إلّا آيتان، وقال بعضهم إنّ فيها تسع آيات منسوخات، وقد نزلت متفرقة ولم تنزل مرّة واحدة، كما أن القرطبي ذكر في تفسيره أن سورة المائدة تحتوي على ثمانية عشر حكمًا ليست موجودة في سور أخرى.[٢]
قصة مائدة سيدنا عيسى
ذكر الله تعالى قصة المائدة في كتابه العزيز، وهي أنّ الحواريين وهم الذين آمنوا بعيسى -عليه السلام- واتّبعوا ملّته، كان قد كتب الله عليهم صيام ثلاثين يومًا، فلمّا أتموها، طلبوا من عيسى -عليه السلام- أن يدعو ربّه لينزل عليهم مائدة من السّماء فتكون عيدًا لهم، وتطمئنّ قلوبهم بأنّ الله قبل صيامهم، فحذّرهم عيسى -عليه السلام- من عدم شكر النّعمة، فألحّوا عليه إلّا أن يدعو الله لهم، فسأل عيسى -عليه السلام- ربّه أن ينزّل عليهم مائدة من السماء، قال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 114-115]، فاستجاب الله تعالى له، وأنزل مائدة من السماء بين غمامتين، والناس ينظرون، فكان عيسى -عليه السلام- يسأل ربّه أن تكون مائدة نعمة، وأن لا تكون نقمة، فلمّا وصلت الأرض كانت مُغطّاة، فرفع عيسى -عليه السلام- الغطاء وهو يقول: بسم الله خير الرّازقين، وقيل إنّه كان عليها سبعة حيتان وسبعة أرغفة، وكانوا ألفًا وثلاثمئة شخص، ثم أمرهم عيسى -عليه السلام- أن يأكل منها الفقراء والأغنياء والمرضى، فبرأ من كان مريضًا، وغني من كان فقيرًا، ثمّ صعدت المائدة إلى السماء، ولمّا رأى بنو إسرائيل ذلك ندموا لأنّهم لم يأكلوا منها، وقيل إنّ المائدة كانت تنزل كلّ يوم فيأكل منها كل يوم سبعة آلاف شخص، ثم أوحى الله لعيسى عليه السلام أن يطعم منها الفقراء فقط، فتكلم المنافقون في ذلك، فرفع الله المائدة ومسخ المنافقين لخنازير.[٣]
موضوعات تناولتها سورة المائدة
تناولت هذه السورة العديد من الأحكام التي ينبغي على المسلم أن يعرفها مثل أحكام القصاص، والعقود، والصيد، ونكاح الكتابيات، وطعام أهل الكتاب، وأحكام البيعة، والإجارة، وحد السرقة، وقد روى أهل العلم أنّها تحتوي على ثمانية عشر حكمًا لا توجد في غيرها من السور القرآنية، ومن الموضوعات التي تناولتها سورة المائدة:
- الوفاء بالعقود: ابتدأت السورة بنداء الله تعالى للمؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1] وقال القرطبي في تفسيره إن كل نداء في القرآن ابتدأ بيا أيها الذين آمنوا، فهو عقد ملزم للعبد مثل: البيع والشراء والنكاح والإجارة وغيرها، فالواجب على المسلم أن يفي بها ويبتعد عن خيانة العهد.[٤]
- بيان المحرمات من بهيمة الأنعام: وهي الميتة التي ماتت دون تذكية شرعية، والمنخنقة التي تموت خنقًا، والمتردية التي تموت عند سقوطها من مكانٍ عالٍ، والموقوذة هي التي تضرب بشيء كحجر أو عصًا حتى تموت، والنطيحة هي التي تضربها بهيمة أخرى فتموت من أثر الضربة، ولحم الخنزير، والتي أكلها السبع هي التي افترسها ذو ناب وأظفار، مثل الأسد والذئب والنمر والثعلب والضبع والسبع، واستثني من ذلك البهيمة التي تذكى قبل موتها، فتذبح بالطريقة الشرعية، وحرم الله تعالى ما ذُبح وأريد به غير وجه الله، كالقربان التي تذبح للأصنام قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3].[٥]
- بيان الطيبات المباحة للمسلم: كل حلال أحله الله فهو طيّب، أما الحرام فلا يوصف بالطيب، كما أن الله تعالى أحل للمسلم الزواج من الكتابيات يعني من اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وأحل الله تعالى للمسلم أن ياكل من طعام أهل الكتاب إذا كان مما يجوز أكله، أما إن كان محرمًا فلا يجوز للمسلم أن يطعمه، قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5].[٦]
المراجع
- ↑ "ختم النبوة في القرآن الكريم"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 28-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "إضاءات حول سورة المائدة"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "قصة مائدة عيسى عليه السلام"، kalemtayeb، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "قوله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 27-11-2019. بتصرّف.