وقفات مع سورة الحجرات

وقفات مع سورة الحجرات

آداب من سورة الحجرات للتعامل مع الله ورسوله

بيّنت الآيات الأولى من سورة الحجرات آداب التعامل مع الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك تأديبًا وتأصيلًا للمؤمنين، وفيما يلي نُبين تفصيل هذه الآداب والضوابط[١][٢]:

  • تحريم التعدي على الله سبحانه ورسوله عليه السلام، وذلك في مطلع السورة في قولى تبارك وتعالى :{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[٣]، وينبّه الله سبحانه في الآيات المسلمين على أن لا يتعدوا على الرسول عليه السلام، ولا يقضوا في شرعٍ ما ويتسرعوا في بيانها حتى يقضي الله بها على لسان رسوله، لأنّ في ذلك جرأة على الله سبحانه، ومخالفة لكتابه وسنة نبيه، كما تُبين ضرورة احترام وتوقير النبي عليه السلام في حضرته وعدم تقديم وإبداء رأي على رأيه.
  • تحريم رفع الصوت والجهر بالقول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته وغض الصوت في حضرته، وذلك في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[٤]، فقد نهى الله سبحانه المؤمنين رفع صوتهم فوق صوت النبي عليه السلام وأمرهم أن يغضوا من أصواتهم، وأن يخاطبوه بلطف ولين ووعدم الجهر بالقول، تعظيمًا وتكريمًا لمكانة النبي عليه السلام وبيان حقه على الأمة، وقد جعل الله سبحانه هذا الأمر امتحانًا لتقوى القلوب وقبول أعمال العباد ومن خالف أمره حبط عمله.
  • النهي عن إزعاجه صلى االله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[٥]، فقد نهى الله سبحانه المؤمنون أن ينادوا النبي عليه السلام باسمه مجردًا ورفع صوتهم ومناداتها من وراء الحجرات، وقد وصفهم الله سبحانه بأنّهم لا يعقلون، فكان عليهم أن يصبروا حتى يخرج عليهم وأن يضبطوا تحاورهم معه وفقًا للأحكام والآداب وهذا خيرٌ لهم.


آداب وأخلاق التعامل مع المسلمين

في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[٦]، بين الله سبحانه بما يُمكن أن يقع به الناس من قبائح التصرفات والصفات، وبين الآداب والأخلاق التي يجب أن يتعامل بها المسلمين مع بعضهم البعض، تعرّفي عليها[١][٢]:

  • النهي عن السخرية والاستهزاء، إذ نهت الآيات الكريمة عن تحقير الأخ المسلم أو السخرية منه، وأنّ هذا الخلق الذميم لا يصدر إلّا من هو متصف بمساوئ الصفات، وأنّ هذا الخلق الذميم يُعكر صفو المجتمع ومبادئه وينشر الحقد والغل في النفوس، وقد اشتملت الآية على أنّ من يتم الاستهزاء به على أمر دنيوي قد يكون خيرٌ في الأمور الشرعية والأخروية، وقد لفتت الآيات إلى الرابطة الإيمانية بين المسلمين والمساواة في الحقوق والأفضلية.
  • النهي عن اللمز وعن التنابز بالألقاب، إذ حرّمت الآيات أن يعب المسلم أخاه المسلم، وأن يلمزه بالقول والفعل ويعيره بالألقاب المذمومة، وقد نفّرت الآيات من هاتين الصفتين المذمومتين وأن من يتصف بهما وصف بالفسوق، ومن تفضل الله عليه ووصفه بالإيمان يجب أن يعدل ويبعد عن الفسوق.
  • النهي عن الظن السيء بالمؤمنين، إذ أمرت الآيات الكريمة المؤمنين بحسن الظن ببعضهم البعض، وعد اتهام بعضهم ومعرفة بأنّ كثرة الظنون والتهم تصل دائمًا إلى نتائج لا تحمد عقباها، فيجب على المؤمن اجتناب الظن واحترام حرمة المسلم.
  • النهي عن التجسس، وقد قـال الحـافظ ابن كثير في ذلك: "التجسس غالباً يطلق على الشر، ومنه الجاسوس، وأما التحسس فيكون غالباً في الخير، وقد يستعمل كل منهما في الشر"، وأن المسلم لا يتجسس على أخيه إلّا عندما يسوء الظن به وتيهمه، لذلك جاء ترتيب الآيات بالحديث عن سوء الظن أولًا ثم عن التجسس.
  • النهي عن الغيبة، إذ نهت الآيات الكريمة عن الغيبة وقد بينت أنّها رذيلة وصفة قبيحة وفيها هتك لحرمة المسلم، وقد نفرت الآيات من هذه الرذيلة وشبهت المسلم الذي يغتاب أخيه كأنّها يأكل لحم أخيه الميت، وذلك لشدة قبحها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْغِيبَةُ؟ قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ)[٧].


وقفات في التعامل مع الفسقة

وقد اشتملت آيات سورة الحجرات بضوابط وأخلاق يجب أن تتحلى بها القيادة الإسلامية، وهي[٨][٢]:

  1. التثبت والتبين من صحة الخبر قبل تصديقه ونشره، وخاصةً إذا كانت هذه الأخبار ممّا يترتب عليها قرارات مهمة ونتائج خطيرة، ولتجنب إصابة قوم بجهالة والندم على ذلك.
  2. الإصلاح بين المؤمنين، وتجنب الشحناء والخصومات حفاظًا على الرابطة الإيمانية، فإصلاح ذات البين من أهم أساسات المجتمع الإسلامي.
  3. قتال الفئة التي تبغي وتصر على الباطل، وذلك لحماية أمن وسلامة المجتمع من الفتنة والانهيار.


منهج السورة في بيان ضوابط المجتمع الإسلامي

وفيما يلي نوضح منهج السورة في بيان ضوابط المجتمع الإسلامي من مبادئ وتوجيهات تربوية وأخلاقية[٢]:

  1. الترغيب والترهيب، اتبعت الآيات أسلوب الترغيب والترهيب لدفع الشر عن النفس البشرية وجلب الخير والنفع لها توافقًا مع الفطرة التي جبلت عليها.
  2. التذكير بنعم الله سبحانه وفضله على العالمين، وأنّ من تمام النعمة الهداية ومن كمال الإيمان الإلتزام بالهدي واتباع منهج الله سبحانه.
  3. التحذير من عدم الالتزام بالآداب في الآيات، واتباع منهج الله سبحانه، وبيان عاقبة الأمر.
  4. تنمية ودعم الوازع النفسي لاتباع منهج الله سبحانه، وذلك من خلال الاستشعار برقابة الله سبحانه.
  5. المساواة بين البشر، وعدم التفاضل بينهم، وأساس التفاضل عند الله سبحانه التقوى.
  1. ^ أ ب محمد بن عبدالله العبدلي (17/8/2014)، "آداب إسلامية من سورة الحجرات"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 18/3/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث د وسيم الفتح، آداب وضوابط المجتمع الإسلامي من خلال سورة الحجرات، صفحة 4-22. بتصرّف.
  3. سورة سورة الحجرات، آية:1
  4. سورة الحجرات، آية:2-3
  5. سورة الحجرات، آية:4-5
  6. سورة الحجرات، آية:11-12
  7. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4874 ، صحيح.
  8. "سورة الحجرات - تفسير السعدي"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18/3/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :