محتويات
تعريف أهل الكتاب في الإسلام
أجمع العلماء أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وهم من نزل عليهم الكتاب من قبل المسلمين، بدليل قوله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}[١]، وعليه فهم أهل كتاب وإن وقعوا في تحريف ما نزل عليهم؛ إذ كانوا في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- وعدهم من أهل الكتاب، ولكن بعض المذاهب وسعت من تعريف أهل الكتاب، كالأحناف الذين عدوا أن أهل الكتاب كل من أوتي كتابًا؛ أي أن له كتابًا منزّلًا كصحف إبراهيم وزبور داوود، والبعض الآخر عد الصابئين من أهل الكتاب كونهم طوائف من اليهود أو النصارى، حتى أن البعض عد المجوس من أهل الكتاب، أما ما رجحه العلماء للصواب في المسألة؛ هو أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وقد قال ابن قدامة في المسألة ما نصه: فأهل الكتاب: اليهود والنّصارى ومن دان بدينهم كالسّامرة يدينون بالتّوراة، ويعملون بشريعة موسى عليه السّلام، وإنّما خالفوهم في فروع دينهم، وفِرق النّصارى من اليعقوبيّة والنّسطوريّة والملكيّة والفِرنجة والرّوم والأرمن وغيرهم ممّن دان بالإنجيل. ومن عدا هؤلاء من الكفّار فليس من أهل الكتاب بدليل قول الله تعالى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 156][٢].
كفر أهل الكتاب
قول الحق في هذه المسألة أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار بما دلت عليه الكثير من المواضع في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالإيمان برسول الله محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- ورسالته هو أمر لازم وواجب على الإنس والجن دون استثناء مصداقًا لقول رب العزة:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،[٣] كما أن أهل الكتاب كفروا قبل البعثة، وانحرفوا عن دين أنبيائهم، وحرفوا الكتاب الذي أُنزل عليهم باتباعهم أهواء البشر، وعليه فكفرهم بعد بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان لتبديلهم دين رسولهم وتحريفه، وابتداعهم لمعتقدات وثنية ادعوا أنها من عند الله، بالاضافة لعدم إيمانهم بالنبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، وأخيرًا فوصفهم بأهل الكتاب لا يعني أنهم ليسوا كفارًا، ولكن هذا الوصف يتعلق بالعديد من الأحكام الشرعية في تعامل المسلمين معهم فيما يتعلق بأكل ذبائحهم ونكاح بناتهم، وهو ما سنأتي على تفصيله في الفقرات اللاحقة[٤].
حكم زواج المسلم من أهل الكتاب
الحكم عند جمهور العلماء بالإباحة بدليل قوله تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}،[٥] والمحصنة الوارد ذكرها في الآية الكريمة هي المرأة الحرة العفيفة عن الزنا مصداقًا لقوله تعالى:{مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}[٦]، وفي مذهب الإمام الشافعي فسر أهل الكتاب بالإسرائيليات، وهم الذميات دونًا عن الحربيات، وقد استدل بقوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}،[٧] وقد كان بعض الصحابة لا يرون الزواج من النصرانيات حلالًا، لاستدلالهم بالآية الكريمة: {وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}،[٨] وعليه فقد امتنع الناس عن الزواج بهن حتى نزول الآية:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}،[٥] إذ قال العلماء أن هذه الآية نسخت الآية التي نزلت في سورة البقرة، وأخيرًا جاء في الأثر أن ثمة صحابة تزوجوا من يهوديات ونصرانيات منهم طلحة بن عبيد الله، وحذيفة بن اليمان، وعثمان بن عفان[٩][١٠].
حكم زواج المسلمة بغير المسلم
جاء تحريم زواج المسلمة من غير المسلم في القرآن بشكل واضح لا يحتاج لتفسير أو تأويل، إذ قال تعالى:{وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}،[١١]، إذ قال الإمام القرطبي في تفسيره للآية الكريمة ما نصه: "أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام"، وقال الإمام الرازي ما نصه: "فلا خلاف ها هنا أن المراد به الكل-أي جميع غير المسلمين- وأن المؤمنة لا يحل تزوجها من الكافر البتة على اختلاف أنواع الكفرة"، وأخيرًا قال الإمام الشافعي في المسألة ما نصه: "وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المسلمين على المشركين من مشركي أهل الأوثان يعني قوله عز وجل: {وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا}؛ فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن بكل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وما لم يختلف الناس فيما علمته"[١٠].
أحكام التعامل مع أهل الكتاب
ورد في الكاتب العزيز والسنة النبوية الشريفة ما يحث ويدعو إلى حسن معاملة الناس عمومًا، وقد جاء أيضًا ما يخص أهل الكتاب من اليهود والنصارى في هذا الأمر، فالنصارى أو اليهود ممن كانوا مسالمين ولا يبدون العداء أو الحرب للمسلمين بينت الشريعة أن معاملتهم يجب أن تكون بالعدل والإحسان إليهم، إذ قال الله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}،[١٢] كما قال الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام-:{ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ، أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ، أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ، فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ}[١٣].
ويبين تاريخ التعامل بين المسلمين وأهل الكتاب أن ثمة صورًا طيبة في تعاملهم مع بعضهم البعض، فلا حرج بتبادل المسلمين الزيارات معهم، ومشاركتهم الأتراح والأفراح، والأكل من طعامهم مصداقًا لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}،[١٤] وكذلك لا حرج في معاملتهم تجاريًا في البيع والشراء، وقد دل ما جاء في السيرة النبوية الشريفة أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد أحسن لليهود ممن عاشوا في المدينة، إذ قبل دعوة امرأة يهودية لتناول الطعام، وعاد المرضى منهم، وسار على نهجه الصحابة من بعده كما فعل عمر بن الخطاب عندما فتح بيت المقدس، وما أبرمه من وثيقة للنصارى فيها، وسُميت بالمعاهدة العمرية، وفيها أمن النصارى على أموالهم وأنفسهم وبيوتهم وكنائسهم[١٥].
المراجع
- ↑ سورة الأنعام، آية: 156.
- ↑ عبد الحليم توميات (14-2-2011)، "75- من هم أهل الكتاب ؟"، nebrasselhaq، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019.
- ↑ سورة آل عمران ، آية: 85.
- ↑ إيهاب كمال أحمد (3-5-2012)، "فصل الخطاب في كفر أهل الكتاب"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019.
- ^ أ ب سورة المائدة ، آية: 5.
- ↑ سورة النساء ، آية: 25.
- ↑ سورة التوبة ، آية: 29.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 221.
- ↑ "حكم نكاح نساء أهل الكتاب"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019.
- ^ أ ب " حكم زواج المسلم من الكتابية"، fatawah، 21-9-2013، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 221.
- ↑ سورة الممتحنة ، آية: 8.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن عدة من أبناء أصحاب النبي، الصفحة أو الرقم: 3052 ، صحيح .
- ↑ سورة المائدة ، آية: 5.
- ↑ "معاملة أهل الكتاب في الإسلام"، aliftaa، 24-3-2014، اطّلع عليه بتاريخ 11-12-2019.