ما اثر حلم النبي في استجابة الناس لدعوة

ما اثر حلم النبي في استجابة الناس لدعوة

ما أثر حلم النبي في استجابة الناس لدعوة؟

بعث الله تعالى النبيّ صلّى الله عليه وسلم لهداية الناس وإرشادهم إلى سبيل النجاة وتحذيرهم من الوقوع في المعاصي، ومن أهم الجوانب التي ركّز عليها ديننا الحنيف الجانب الأخلاقي وكان صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب خير قدوة للناس كافة؛ حيث وصفه الله تعالى في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[١]، واعتبر الاسلام الأخلاق مُحصّلة الالتزام بالتعاليم الإسلامية وهذا يدلّ على أنّ وجود الأخلاق من دون تدين لا ينفع صاحبها عند الله في شيء، ومن أهم الأخلاق التي حثّ عليها الاسلام خُلُق الحِلم بكسر الحاء وهو مُصطلح يدلّ على (الأناة والعقل) كما ذُكر في قاموس المُحيط، ويدلّ المعنى الاصطلاحي له على (ضبط النفس عند الغضب، وإجبار النفس على الالتزام بتعاليم الإسلام حتى وقت الغضب، وعدم مُقابلة الإساءة بمثلها).


ولقد أمر الدين الاسلاميّ بحسن التّعامل مع الناس ويتّضح ذلك في قوله تعالى (الذين ينفِقُونَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس واللّه يُحبُّ المحسنين)[٢]، وهنا دعوة صريحة لتوسيع الصدر عند التعامل مع الناس والصبر على أذاهم، وجعل الاسلام المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل عند الله تعالى من المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وهنا يظهر أثر حلم النبي صلّى الله عليه وسلم في استجابة الناس لدعوته؛ فهو خير قُدوة لنا في الحلم فهو الذي خالط الناس أثناء الدعوة وصبر على أذاهم وكان مِثالا يُقتدى به في حِلمه وضبطِهِ لأفعاله فلم يكنْ غليظًا قاسي القلب، فكانت هذه الصفة فيه من أهم الصفات التي جذبت الناس للإسلام، فقد قال تعالى (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[٣][٤].


كان صلى الله عليه وسلم يتعامل بحكمة ولا تغير طريقة تعامله عندما يتعرض للإساءات أو الشدائد فهو مُلتزم بتعاليم ديننا الحنيف في كل الأوقات، ولم يعرف عنّه زلة أو غلطة، وما كان الإيذاء الذي يتعرّض له إلا أن يزيده اصرارًا على أخلاقه الحميدة ومبادئهِ الثّابتة، وكان صلى الله عليه وسلم مُشفقًا على أمّته أحرص منهم على مصلحتهم ومن أمثلة ذلك الحادثة التي كُسرت فيها رباعيته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، فصعب ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم وقالوا لو دعوت عليهم فقال صلى الله عليه وسلم (إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً)[٥][٦].


مواقف في حلم النبي على الناس

توجد العديد من الأمثلة والمواقف الدالة على حلمه صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يأتي[٧][٨]:

  • ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ)[٩].
  • ورد عن أبي هريرة قصّة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقصُد مُقاضاته وكان غليظا في الحديث معه لدرجة أنْ الصحابة رضوان الله عليهم غضبوا من أسلوبه وهموا به، ولكنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم كان له راي آخر إذّ أمر بتركه ورأى أنّه صاحب حق فيما قال، ثم قال صلى الله عليه وسلم (أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، إلَّا أَمْثَلَ مِن سِنِّهِ، فَقالَ: أَعْطُوهُ، فإنَّ مِن خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاًء)[١٠].
  • ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت (استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت وعليكم، وفي رواية : قد قلت عليكم ولم يذكروا الواو)[١١].
  • تعرضّه صلى الله عليه وسلم للأذى عندما خرج إلى قبيلة ثقيف من أجل دعوتهم إلى الإسلام، وطلبه منهم حمايته من الأذى الذي يتعرّض له من قومه، وكان حاله صعبًا وماشيًّا على قدميه بمعاناة، ولكن رغم هذه المشّقة والتعب، إلّا أنّهم قابلوه بكلّ سفاهة وإيذاء أيضًا، فأرسل الله عزّ وجلّ إليه ملك الجبال ليأمره بما يشاء، وقال له ملك الجبال بأنّه لو شاء أنْ يُطبق عليهم الجبلين لحدث ذلك، لكن ظهر حِلمه صلى الله عليه وسلم بأنّه قال (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا)[١٢].
  • تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل قريش بالعفو والحلم وكان صابرًا على أذاهم في أيام الشدّة، وحين حكّمه الله تعالى بهم عفا عنهم فكان مِثالًا للحلم والعفو، وكانوا أهل قريش يعرفونه بحلمه، فقالوا عنه: ابن أخ وابن عم حليم رحيم.
  • تعامله مع قومه حين ضربوه وأدموه، فمسح الدم عن وجهه صلى الله عليه وسلم، وقال: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)[١٣].


أسئلة تُجيب عنها حياتكِ

ما ثمرات الحلم على المسلم؟ 

يجني المسلم العديد من الثمرات عند تحليه بخُلق الحلم، ومنها ما يأتي[١٤]:

  1. الفوز برضا الله تعالى، ونيل ثوابه وجنته عزّ وجل.
  2. التحلّي بالحلم يدلّ على أنّ صاحبه يتّصف بقوّة الإرادة وقدرته على التحكّم بانفعالاته.
  3. كسب الخصوم من خلال التغلّب على شياطينهم، وبالتالي تحويل هذه العلاقات لصداقات جيّدة.
  4. نيل احترام الناس ومحبتهم، لأنّ الحِلم خلق عظيم.


ما الوسائل التي تُعين المسلم على الاتصاف بالحلم؟

تُوجد العديد من الوسائل التي يُمكن اتّباعها لتُساعد المسلم على التحلّي بالحِلم، ومنها ما يأتي[١٤]:

  1. التكرار والتعويد والتربيّة.
  2. مُصادقة الأشخاص الذين يتّصفون بالحِلم لأخذ طباعهم.
  3. تذكّر ثمرات الحِلم وثوابه، ومقارنتها بسلبيات الغضب وعواقبه وعقوبته.
  4. قهر النفس وتكلّفها على الحِلم.
  5. الترفّع عن الشتم؛ فهذا من علو الهمّة وشرف النفس.
  1. سورة القلم، آية:4
  2. سورة آل عمران، آية:134
  3. سورة آل عمران، آية:159
  4. ماجد بن محمد الجهني، "الحلم يا معشر الدعاة"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 25/12/2020. بتصرّف.
  5. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2599، صحيح.
  6. "حلم النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، 15/9/2010، اطّلع عليه بتاريخ 25/12/2020. بتصرّف.
  7. "حلم النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، 15/9/2011، اطّلع عليه بتاريخ 25/12/2020. بتصرّف.
  8. الشيخ ندا أبو أحمد (15/2/2016)، "أحاديث وقصص عن الحلم والعفو عند الغضب"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25/12/2020. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5809، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2306 ، صحيح البخاري.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2165 ، صحيح.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1795، صحيح.
  13. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:3477 ، صحيح.
  14. ^ أ ب محمد بن عبدالله النونان، "سلسلة أخلاقنا"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 25/12/2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :