أثرُ الحِلم على صاحبه

أثرُ الحِلم على صاحبه

الحِلْم

يُعد الحلم من الصفات العظيمة؛ إذ إنّه من صفات المولى تبارك وتعالى، أما معنى الحلم فهو كظم الغيظ والابتعاد عن الغضب، وسعة الصدر، ومقابلة السيئة بالحسنة، كما يعني أيضًا التغافل عن أخطاء وزلات الآخرين، وتلمّس الأعذار لهم، ويكفي للحلم عظمةً أن يكون من صفات الواحد القهار؛ إذ يقول تعالى متحدثًا عن نفسه: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235]، فضلًا عن ذلك فإن الحلم من الصفات الكريمة التي اتّصف بها أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام-، يقول المولى في حق سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: {وَما كانَ استِغفارُ إِبراهيمَ لِأَبيهِ إِلّا عَن مَوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّـهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبراهيمَ لَأَوّاهٌ حَليمٌ} [التوبة: 114]، ولذلك فإن واجب المسلم أن يتخلّق بالحلم؛ إذ إن له الكثير من الآثار العظيمة في حياته، وسنذكرها في هذا المقال[١].


أثرُ الحِلم على صاحبه

للحلم الكثير من الآثار والثمرات التي ينالها المسلم إذا ما تخلّق بهذا الخلق العظيم؛ إذ إنه من الأخلاق التي يُحبها الله تعالى، ومصداق ذلك قول عبد الله بن عباس فيما يرويه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لأشَجِّ عبدِ القيسِ: إنَّ فيك خَصلتيْنِ يُحبُّهُما اللهُ: الحِلمُ والأَناةُ، قال يا رسولَ اللهِ: أنا أتخلَّقُ بهما أمِ اللهُ جَبَلَني عليهما؟ قال: بلِ اللهُ جَبَلَك عليهما، قال: الحمدُ للهِ الذي جَبَلَني على خَلَّتيْنِ يُحبُّهُما اللهُ ورسولُهُ [تخريج رياض الصالحين| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، وفيما يأتي بعض الآثار والثمرات المترتّبة على خلق الحلم[٢]:

  • الحِلم من أعظم الوسائل التي ينال بها المسلم رضى رب العالمين، ويفوز بجنّته، وفي ذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كظمَ غيظًا وَهوَ قادرٌ على أن يُنْفِذَهُ، دعاهُ اللَّهُ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ، حتَّى يخيِّرَهُ في أيِّ الحورِ شاءَ) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث: حسن].
  • الحلم من دلائل قوّة الإرادة وتنمية قدرت الشخص على التحكم بانفعلاته، وفي هذا قال عليه الصلاة والسلام: (ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • الحلم من الأمور التي تجعل المسلم محبوبًا عند الجميع، بل ويكسب الخصوم إلى صفه ويتغلب على عداواتهم، يقول تعالى في ذلك: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].


ما يُعين المسلم على الحلم

نظرًا لما للحلم من الفضل العظيم في حياة المسلم، فلا بد له من السعي لاكتساب هذا الخُلق العظيم؛ إذ توجد الكثير من الأسباب التي تُعين على ذلك، وفيما يأتي بعضها[٣]:

  • أن يتذكر المسلم حلم الله تعالى على عباده رغم قدرته المطلقة على عقابهم؛ إلا أنه تبارك في علاه يُمهل العاصي والمذنب لعل قلبه يلين ويعود إلى ربه، وفي ذلك يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235]، وقد ذكر العديد من العلماء تفسيرات خاصة بهذا الشأن، إذ يقول أبو حاتم: (الواجب على العاقل، إذا غضب واحتدَّ، أن يذكر كثرة حلم الله عنه، مع تواتر انتهاكه محارمه، وتعدِّيه حرماته، ثمَّ يَحْلُم، ولا يخرجه غيظه إلى الدُّخول في أسباب المعاصي) [من كتاب روضة العقلاء لابن حبَّان البستي: ص 212].
  • أن يتذكر المؤمن ما أعد الله تعالى للمتصفين بهذه الصفة العظيمة من فضل، يقول تعالى في محكم التنزيل: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133- 134].
  • أن يتحلّى المسلم بالرحمة على الجاهل، وفي ذلك ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك -رضي الله عنه- فيقول: (بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؛ إذْ جاءَ أعْرابِيٌّ فَقامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فقالَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَهْ مَهْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حتَّى بالَ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دَعاهُ فقالَ له: إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ، أوْ كما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: فأمَرَ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ فَجاءَ بدَلْوٍ مِن ماءٍ فَشَنَّهُ عليه) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • أن يترفّع المسلم بنفسه عن مقابلة السيئة بالسيئة؛ إذ إن هذا من الشرف الرفيع للنفس البشرية، وعلوّ همتها، وفي ذلك ما يرويه جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (غَزَوْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أدْرَكَتْهُ القَائِلَةُ، وهو في وادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ واسْتَظَلَّ بهَا وعَلَّقَ سَيْفَهُ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ في الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وبيْنَا نَحْنُ كَذلكَ إذْ دَعَانَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَجِئْنَا، فَإِذَا أعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقالَ: إنَّ هذا أتَانِي وأَنَا نَائِمٌ، فَاخْتَرَطَ سَيْفِي، فَاسْتَيْقَظْتُ وهو قَائِمٌ علَى رَأْسِي، مُخْتَرِطٌ صَلْتًا، قالَ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلتُ: اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهو هذا قالَ: ولَمْ يُعَاقِبْهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • أن يتفضل المسلم بحلمه على المسيئ، وفي ذلك يروي أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


المراجع

  1. "الحلم: صفة الرب وخلق العبد"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  2. "سلسلة أخلاقنا"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.
  3. "فوائد الحلم"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 24-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :

610 مشاهدة