العادة السرية
تُعرّف العادة السرية بأنّها العبث بالأعضاء التناسليّة بطريقة مستمرّة بقصد الاستثارة الجنسية المفضية للاستمناء، وهي في أساسها قائمة على التخيّل لأمور غير واقعية يصنعها العقل للاستثارة وحصول المراد من الشهوة الجنسيّة، كما يعتقد علماء الدين أنّ لهذه العادة الكثير من الأضرار الجسدية، والنفسية، والإيمانية، ورغم ذلك فإن العديد من الشباب ذكورًا أو إناثًا يمارسونها ظنًا منهم أنها عادةٌ عابرة وخفيفة؛ إلا أنّها قد تؤدي بهم إلى إدمانهم عليها حتى بعد الزواج، وربما كان لذلك تأثير على علاقتهم الزوجية الطبيعية، وقد يتساءل الكثير ممن يمارسونها عن حكمها الشرعي، وهذا محور حديثنا في هذا المقال[١].
ما حكم ممارسة العادة
عند الحديث عن الحكم الشرعيّ للعادة السّرية فالواجب أن يُنظر إليها من جهتين، أولهما الناحية الشرعية، والثانية الناحية الصحية، وعن أضرارها الصحية فهذا متروك لأولي الاختصاص من الأطباء المعروفين بأمانتهم العلمية، أمّا عن الحكم الشرعي فالواجب أن نشير أولًا إلى أن الأحاديث المنتشرة عن تحريمها وأن اللعنة تلحق بصاحبها فهي أحاديث ضعيفة وموضوعة بمجملها لا يجب الاستدلال بها؛ إذ إنّ الواجب في الحكم الشرعي أن يستند على الأدلة الثابتة، والحاصل أن النّص الوحيد الذي له صلة في هذا الموضوع هو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴿٥﴾ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٦﴾ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5-7]، وفي هذه الآية يرى الفقهاء أنّ العادة السرية تدخل وراء ذلك؛ إذ تكون على هذا من اجتياز الحدود الشرعية في طلب المتعة، وهذا ما يميل إليه الشافعية، بينما يرى قسمٌ آخر من علماء الفقه أن المعني في هذه الآية الزنا وما يتعلق به من أمور ذُكرت صريحةً في الآيات الكريمة أو الأحاديث الصحيحة، وفي هذه الحالة فالعادة السرية لا تشملها هذه الآية، بل يجب توافر أدلة ثابتة بلفظٍ صريح، وهذا أقرب إلى علماء المذهب الحنفي، وقد قالوا في حكمها إنها من المحظورات في أصلها، ولكن إذا ما كان الشخص غير متزوج، ويخشى على نفسه من الزنا فتباح له في هذه الحالة إذا قصد منها كسر شدة الشبق الجنسي لا أن يفعلها لطلب اللذة والمتعة.
والحاصل من هذا كلّه فإن العادة السرية من الأمور المحظورة والمكروهة، ولكنها لا تدخل في حدود الحرام القطعي كالزنا؛ إذ إنها ليست السبيل الطبيعي لقضاء الشهوة الجنسية، ومن الواجب أن نبين أن للشرع الإسلامي قواعد تحكمه، بما في ذلك قاعدة الاضطرار، فهي من قواعد العقيدة الإسلامية، فإذا كان يُخشى من الوقوع في الزنا، أو الاضطرابات النفسية وغيرها من الأضرار فإنها تُباح في هذه الحدود، والمعنى من ذلك أن الإفراط في كل الأحوال لا يجوز شرعًا، وذلك لأن لا ضرورة لهذا الإفراط، ولأن بعض المشاكل الصحية قد تترتب عليه مما يجعله محرمًا دون أدنى شك، وفي الختام فإن المذهب الشافعي والمالكي أفتى بتحريمها، بينما عند الأحناف فهي محرّمةً إذا كانت لاستجلاب الشهوة الجنسية، أما عند الحنابلة فأجازوها عند الحاجة[٢].
التخلّص من العادة السرية
الشهوة من الأمور التي أودعها الله تعالى في عباده، وهو أعلم بأن المسلم قد يضعف أمامها في الكثير من الأحيان؛ لذا فقد بين الإسلام العديد من الوسائل التي يمكن بها الابتعاد عن المحرمات والوقوع بها، كما أن من واسع فضل الله تعالى على عباده أنه غافر للذنوب ومتجاوز عن الخطايا، وقابل للتوبة؛ إذ يروي أبو هريرة -رضي الله عنه-: (عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِيما يَحْكِي عن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ، فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قالَ عبدُ الأعْلَى: لا أَدْرِي أَقالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: اعْمَلْ ما شِئْتَ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وهذا من العطاء الإلهي الذي لا ينضب، وهو شامل لكل الذنوب والخطايا، أما عن الوقوع في إدمان العادة السرية ومحاولة التوبة والإقلاع عنها فيمكن أن يتبع المسلم والمسلمة الخطوات الآتية في هذا الغرض[٣]:
- الزواج: الزواج أفضل ما قد يلجأ إليه المسلم أو المسلمة للابتعاد عن العادة السرية، فهي السبيل الشرعي لقضاء الشهوة الجنسية، فضلًا عن الكثير من الفوائد الأخرى التي يمكن للمسلم والمسلمة أن يحصلوا عليها من الزواج، فإذا تيسر الزواج لا يجب أن توضع العراقيل اللامنطقية في طريقه، فهو أفضل ما يُحصن المسلم عن الوقوع بالمحرمات التي يمكن أن تدفع إليها الشهوة الجنسية، وفي ذلك ما يرويه عبد الله بن مسعود قال: (كُنْتُ مع عبدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بمِنًى، فَقالَ: يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَوَا، فَقالَ عُثْمَانُ: هلْ لكَ يا أبَا عبدِ الرَّحْمَنِ في أنْ نُزَوِّجَكَ بكْرًا، تُذَكِّرُكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عبدُ اللَّهِ أنْ ليسَ له حَاجَةٌ إلى هذا أشَارَ إلَيَّ، فَقالَ: يا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إلَيْهِ وهو يقولُ: أما لَئِنْ قُلْتَ ذلكَ، لقَدْ قالَ لَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ فإنَّه له وِجَاءٌ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الابتعاد عن الأفلام والمسلسلات: من الطرق التي يمكن أن يلجأ إليها المسلم والمسلمة في التخلص من العادة السرية، أن يبتعدا عن المحفّزات الجنسية مثل الأفلام والمسلسلات الرومانسية التي تُثير العاطفة من خلال المشاهد والحوارات، وغيرها من الأمور.
- الهوايات: يُمكن أن يلجأ المسلم إلى ممارسة الهوايات النافعة في أوقات الفراغ، والتي تُشغل صاحبها عن التفكير في الشهوة، ولعل قراءة القرآن من أعظم ما يمكن أن يُستعان به على ذلك.
- الطهارة والمراقبة: من الأفضل أن يحافظ المسلم على الطهارة الدائمة والوضوء، ويحرص على أداء الصلوات في مواعيدها، وأن يراعي مراقبة الله له في كافة أحواله.
- اللجوء إلى الله: أفضل ما يمكن للمسلم أن يتبعه في كافة شؤون حياته صدق اللجوء إلى الله تعالى، وطلب المعيّة الإلهية والعون على النفس والشيطان، فهو القادر على كل شيء.
المراجع
- ↑ "العادة السرية"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "العادة السرية : حكمها وأضرارها وكيفية علاجها"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تعاني من العادة السرية ، وتعود إليها كلما تابت !!"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 25-12-2019. بتصرّف.