كيف تكون حليما

كيف تكون حليما

الحلم

يُعدّ الحِلم أحد الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، ومعناه الأناة والعقل، ويعرّف بأنه ضبطٌ للنفس والطبع عن الهيجان والغضب، ومن أسماء الله تعالى الحليم، وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم إحدى عشرة مرةً، قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]، ومعنى اسم الله الحليم أنه من لا يعجل بالعقوبة على خلقه بسبب معاصيهم، ولا يحبس فضله عنهم بذنوبهم، كما دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس للاتصاف بهذا الخلق، فقال صلى الله عليه وسلّم لأشجّ عبد القيس: (إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ والأناةُ) [ صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي هذا المقال ذكر بعض الأمور التي تُعين على الاتصاف بهذا الخلق الرفيع[١].


كيف يكون الشخص حليمًا

يُعدّ الحلم من الأخلاق المكتسبة التي يمكن للمسلم أن يتصف بها، ويدرب نفسه على التحكم بغضبه وردات فعله تجاه المسيء، ومن الوسائل المعينة على اكتساب خلق الحلم ما يأتي[٢]:

  • أول ما يمكن أن يفعله المسلم حتى يصبح حليمًا، هو تذكر فضل الله تعالى عليه وحلمه عنه، وتذكر جزاء العافي والمصلح عند الله وكم له من فضل ومكانة عظيمة، قال الله تعالى في سورة آل عمران: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وقال تعالى في سورة الشورى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
  • ضبط النفس عند الغضب، وهو أمر يعين على اكتساب خلق الحلم، ويكون ذلك بأن يبتعد المسلم عما يُسبب له الغضب ويتوضأ، كما أرشد لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • يُمكن للمسلم أن يكون حليمًا بأن يرحم الجاهلين ويتجاوز عن أخطائهم.
  • يُمكن للمسلم اكتساب خلق الحلم عن طريق الترفع عن مجاراته للخطأ، وعدم رده للسيئة بمثلها.
  • يجب على المسلم ألا يشعر بالكبر والفخر على من يعفو عنهم، فالحلم كرم أخلاق ونهي عن سفاسف الأمور، وليس زهوًا وإعجابًا في النفس.
  • من كمال حلم المرء وكمال مروءته عدم مجاراته للسفيه، والاستحياء من جزاء الثواب، فقد قيل إن احتمال أذى السفيه خير من التحلي بأخلاقه والرد عليه بكلام كالذي قاله.
  • من كمال حلم المرء أن يتفضل المسلم على من يسيء له بعد عفوه عنه.
  • من الأسباب المعينة على اكتساب الحلم أيضًا، الترفع والابتعاد عن أسباب النزاع والخصام.


أهمية الحلم عند الغضب

لكل خلق من الأخلاق التي دعا الإسلام لاتباعها والاتصاف بها فوائد تعود على الفرد والمجتمع، فهي تقوِّم سلوك المسلم وتضبط علاقته مع الخالق ومع نفسه ومع غيره من الناس، ومن الفوائد العظيمة للاتصاف بخلق الحلم ما يأتي[٣]:

  • أن الشخص الحليم شأنه عظيم ومكانه رفيع، وأمره محمود وفعله مرضيّ.
  • يجعل الاتصاف بخلق الحلم الشخص واسع الصدر وكامل العقل وقادرًا على ضبط نفسه عند الانفعال
  • يُقوي الاتصاف بخلق الحلم العلاقة بين الناس ويزيد المحبة فيما بينهم، ويبعد البغضاء والشحناء من بينهم.
  • يُعد الحلم عن المسيء انتصارًا للحليم وليس هزيمةً ولا هوانًا.
  • من يتصف بالحلم يتصف بالقوة، فهو يستطيع التحكم بانفعالاته.


مواقف وأقوال عن الحلم

الحلم من أرفع الفضائل وأحسن الأخلاق، ويعني أنّ المسلم يكون قادرًا على ردّ السيئة بمثلها، لكنه يؤثر المثوبة من الله تعالى عن إحسانه وحلمه، فلا يرُدُّ السيئة بالسيئة بل يجازي السيئة بالحسنة، وليس خوفًا من الرد على صاحبها، وقد رويت عدة مواقف عن الحلم حكاها السلف للخلف، كما قد قيلت فيه عدة أقوال منها ما يأتي:

  • من أشهر مواقف الحلم والعفو عن المسيء، موقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم العقبة، عندما سألته عائشة - رضي الله عنها - هل مرّ عليه يوم أشد من أحد؟ فقال: (لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ وَكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ علَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إلَّا بقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بسَحَابَةٍ قدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَما رُدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، قالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بأَمْرِكَ، فَما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٤].
  • رُوِي أن رجلًا يُدعى الحر بن قيس أنه دخل على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال له: أنه لا يحكم بالعدل ولا يُجزِل العطاء، فغضب منه عمر بن الخطاب حتى احمرّ وجهه، فتلى الرجل قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، فهدأ أمير المؤمنين وكان وقّافًا عند آيات الله تعالى[٤].
  • رُوِي أن رجلًا أسمع أبا الدرداء - رضي الله عنه - كلامًا، فقال له: يا هذا، لا تغرقنَّ في سبِّنا، ودع للصُّلح موضعًا؛ فإنَّا لا نكافئ مَن عصى اللهَ فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
  • رُوِي أن عمر بن عبد العزيز عندما كان أميرًا للمؤمنين، دخل للمسجد ليلًا فتعثر برجل نائم، فغضب الرجل وقال لعمر بن عبد العزيز، هل أنت مجنون، وهو لا يعلم أنه يكلم أمير المؤمنين، فرد عمر: لا. فأراد حراس عمر بن عبد العزيز أن ينهروه، فنهاهم عمر عن ذلك، وقال لهم: سألني إن كنت مجنونًا؟ فقلت له: لا[٤].
  • عندما سُئِل الحسن - رضي الله عنه - عن الحلم، قال: المؤمن حليم لا يجهل، وإن جهل الناس عليه، وتلا قول الله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63][٥].
  • عندما سئل علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- عن الحلم، قال: من لانتْ كلمتُه، وجبتْ محبَّتُه، وحِلْمك على السفيه، يكثر أنصارك عليه.[٥].
  • عندما سُئِل قيس بن عاصم عن الحلم، أجاب: هوأن تصِل مَن قطعك، وتعطي مَن حرَمك، وتعفو عمَّن ظلمك[٥].
  • رُوِي أن رجلًا شتم الشعبي فدعا الشعبي لنفسه وللرجل الذي شتمه، فقال له: إن كنت صادقًا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك[٥].


المراجع

  1. "شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (12) الحليم"، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  2. "الحلم والغضب"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  3. "فوائد الحلم"، ar.islamway، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "أحاديث وقصص عن الحلم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث "من خلق الأتقياء الحلم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :