محتويات
سورة يس
سورة يس سورة مكية عظيمة، وعدد آياتها ثلاث وثمانون آيةً، وهي السورة السادسة والثلاثون ترتيبًا في المصحف العثماني، والحادية والأربعون من حيث ترتيب نزولها، ومحاورها الرئيسية كمحاور السور المكية عمومًا، إذ تحدثت عن التوحيد الإلهي، وذكرت عاقبة من كذب به، واشتد تركيز السورة على قضية البعث والنشور، كما سميت سورة يس بهذا الاسم تبعًا لأول حرفين بدأت بهما السورة في الرسم القرآني، إذ انفردت السورة بهما؛ وميزاها عن غيرها من السور، فأصبح منطوقهما علمًا عليها، كما تمتلك آياتها القصيرة وقعًا قويًا وأثرًا في نفوس أهل الإيمان[١][٢].
خصائص ومقاصد سورة يس
تضمنت سورة يس إقرار أصول الدين الثلاثة: الرسالة، والوحدانية، والحشر بأدلة قوية، فافتُتحت ببيان الرسالة، قال تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 3] وختمت ببيان وحدانية الله وذكر الحشر، فقال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83]، وفيما يلي ذكر لمقاصد سورة يس جملةً[١]:
- تحدي المكذبين بإعجاز القرآن بالأحرف المقطعة؛ إذ أقسم الله بالقرآن، ووصفه بالحكيم، وبلغ أعلى درجة في الإحكام.
- بناء أساس العقيدة؛ فذكرت السورة طبيعة الوحي، وصدق رسالته، وقضية الألوهية وتوحيد الله، واستنكار الشرك به.
- تحقق رسالة النبوة وتفضيل دين الإسلام، وإبلاغ الأمة بغايتها المنشودة، وهي الاستقامة في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
- بيان حال المشركين البشع حين أعرضوا عن قبول دين الإسلام؛ فحرموا أنفسهم من الانتفاع بهديه، ووصف جزائهم في الدنيا بضرب المثل بمن سبقهم من المكذبين؛ فكانت عاقبتهم الهلاك والتدليل على ذلك بقصة أصحاب القرية.
- ذكر قصة نوح -عليه السلام- وعاقبة من آمن به ومن كذبه.
- ذكر بعض آيات الله الكونية، ومنته على عباده بالنعم التي تتضمنها آياته.
- بيان دلالة آيات الله ونعمه على تفرده بالخلق والوحدانية؛ لإيقاظ العباد من الغفلة، وإرشادهم للتفكر والاعتبار.
- توجيه نداء الحسرة إلى مكذبي الرسل والمستهزئين بهم، إذ فاتهم الاعتبار بمصرع مكذبيهم من أسلافهم، ولم يتّعظوا بآيات الله في كونه.
- ذكر أدلة التوحيد والامتنان على العباد؛ لتذكيرهم بواجب شكر ربهم على نعمه بالإحسان والتقوى، والبعد عن الإشراك به والاستهزاء بنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ونبذ عبادة غيره من أوثان وأصنام ومخلوقات.
- بيان نفع الإنذار لمن اتبع القرآن وخشي الرحمن؛ إذ تهيأ قلبه لاستقبال أدلة الهدى ووحي الإيمان.
- الاستدلال على عداء الشيطان لبني الإنس، وإرشادهم إلى اتباع من يدعوهم إلى الخير.
- نفي مجيء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشِعر.
- نعي من اتخذ من المشركين آلهة دون الله يبتغي النصر منها، بيد أنه يحمي إلاهًا مزعومًا.
- تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لتخفيف حزنه من أقوال المشركين.
- إثبات البعث والنشور؛ بتذكير العباد بنشأتهم الأولى من النطفة؛ فإحياء العظام وهي رميم لا يقل غرابة عن تلك النشأة.
أحاديث لا تصح في فضل سورة يس
وردت أحاديث عديدة في فضل سورة يس، أكثرها ضعيف أو موضوع؛ إلا أنه لم يرد حديث صحيح خاصًا بفضل سورة يس، ويتوجب التنبيه ببطلان نسبة هذه الأحاديث إلى السنة النبوية، أو إلى أهل العلم من صحابة وتابعين وأئمة؛ إذ لم يقررها أحد منهم، وفيما يلي ذكر لأكثر تلك الأحاديث الضعيفة شيوعًا بين الناس[٢]:
- (إنَّ لكلِّ شَيءٍ قلبًا، وقلبُ القرآنِ يس، ومَن قرأَ يس؛ كَتبَ اللهُ لهُ بِقراءتِها قِراءةَ القُرآنِ عشرَ مرَّاتٍ دونَ يس) [ضعيف الترغيب| خلاصة حكم المحدث: موضوع].
- (من قرأ سورة يس في ليلة أصبح مغفورًا له) [ضعيف الترغيب| خلاصة حكم المحدث: ضعيف].
- (مَن داوَم على قِراءةِ يس كلَّ ليلةٍ ثمَّ مات؛ مات شهيدًا) [الدر المنثور| خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف].
- (من دخل المقابر فقرأ سورة يس، خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات) [السلسلة الضعيفة| خلاصة حكم المحدث: موضوع].
- (يس لما قرأت له) [مختصر المقاصد| خلاصة حكم المحدث: لا أصل له]، ويقصد به أن قراءة سورة يس تُحدث قضاءً للحوائج وتسهيلًا للأمور التي تُنوى عند قراءتها .
- لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى؛ وهذا اجتهاد نقله الإمام ابن كثير في كتاب "تفسير القرآن العظيم"، إذ عدّه اجتهادًا من بعض أهل العلم، ولا دليل عليه من الكتاب والسنة وأقوال السلف، فلا تصح نسبته إلى الله أو الرسول، ويُنسب إلى قائله؛ إن كان صوابًا فله، وإن كان خطًأ فعليه.
- يحذّر من نسبة هذه الأحاديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتحدث بها في المجالس العامة، رغم زعم البعض أن التجربة أثبتت لهم صحة بعضها؛ إلا أن التجربة أيضًا أثبتت عدم قضاء الحاجة بمجرد قراءة السورة، مع التنبيه إلى أن قضاء الحاجات عند الدعاء أو قراءة السور يتحقق لما قام به القلب من فقر إلى الله، وصدق اللجوء إليه.
الدروس والعبر المستفادة من سورة يس
اشتملت سورة يس على كثير من العبر التي تفيد المرء في دينه ودنياه، نذكر منها[٣][٤]:
- سيطرة الضلال على قلوب وعقول أهل الكفر فلا ينتفعون بالإنذار.
- حكمة القرآن الكريم إذ يخاطب كل إنسان بما يفهمه، ويصلح له، وهو محكم لا يُغير منه شيء أو يُبدل.
- قدرة الله على إحياء قلوب الكفار وهدايتهم إلى الحق؛ كقدرته على إحياء الموتى.
- حرص المؤمن على هداية قومه وتوجيه النصح إليهم، فهو مفتاح للخير، ومغلاق للشر.
- صبر الأنبياء والمؤمنين على إيذاء الكفار وتكذيبهم، وتضحيتهم في سبيل العقيدة.
- العبرة والعظة بما حدث للأمم السابقة.
- شهادة جميع ما في الكون على وجود الله وقدرته ووحدانيته.
- شكر الله سبحانه على نعمة جميع وسائل التنقل التي سخرها لتحقيق منافع البشر.
- من صفات أهل الكفر البخل والجدال بالباطل والأنانية.
- إعمار القلب بالإيمان، وموته بالكفر.
- قوة بلاغة القرآن الكريم، ووقع تأثيره على القلوب، وإقناعه بالبراهين الواضحة؛ فهو مصدر الشريعة والهدى.
الفوائد الدعوية من قصة مؤمن آل ياسين
قصةُ مؤمن آل ياسين قصة قرآنية ذكرت في سورة يس فيها من الدروس والعِبَر الكثير، ونستذكر الفوائد الدعوية للقصة فيما يلي[٥]:
- عدم التعرُّض لما لا فائدة منه، وترك الانشغال بما سكت القرآن عنه من اسم مكان أو شخص؛ إذ لم يُذكر اسم القرية، إنما ذكرت الأحداث التي وقعت بها، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13].
- الجِد والاجتهاد في الدعوة إلى الله، وقد لوحظ هذا في قدوم الرجل من مكان شديد البعد للقيام بواجب دعوة قومه إلى الحق، وإبعادهم عن الضلال، قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20]
- الزهد في طلب الأجر الدنيوي، إذ إنه من أقوى أسباب قَبول دعوة الدعاة؛ لذا قال المؤمن لقومه: {اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} [يس: 21]، فقُدِّمَ عدم سؤال الأجر على الاهتداء؛ إذ كان القوم في شكٍّ من صِدْق المرسلين، فكان من دواعي تكذيبهم رميهم بتحصيل النفع الماديّ لأنفسهم.
- تحفيز استخدام الأسلوب المقنع مع المدعووين؛ فكان مِن وقع نصيحة الرجل لقومه حين خاطبهم: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22]؛ فأخرج عليهم الحجة في صورة المخاطبة لنفسه تأليفًا لقلوبهم.
- تمنِّي الخير للمدعووين وعدم الشماتة بهم؛ إذ قال تعالى: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ*بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26، 27]، وفسرها ابن عباس قائلًا: "نصح قومه حيًّا وميتًا"، فلم يُشغله دخول الجنة عن حال قومه، فتمنَّى أن يعلموا بلقياه من ربه؛ ليعلموا فضل الإيمان ويؤمنوا، ولم يتمنَّ هلاكهم ولا شَمِت بهم، فاتَّسم بكَظْم الغيظ، والحلم على الجهلة؛ لأن العالم بالحق لا يتوجَّه بنفسه إلا إلى صلاح محضٍ، إذ لا قيمة لسفاسف الأمور عنده.
المراجع
- ^ أ ب "مقاصد سورة (يس)"، islamweb، 6-2-2016، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "فضل سورة ( يس )"، islamqa، 8-1-2007، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عبدالحليم عويس (31-8-2016)، "تفسير سورة يس للناشئين (الآيات 1 - 40 "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2016. بتصرّف.
- ↑ عبدالحليم عويس (7-9-2016)، "تفسير سورة يس للناشئين (الآيات 41- 83)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.
- ↑ فاطمة أحمد مكي، "فوائد للدعاة من قصة مؤمن آل ياسين"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 15-12-2019. بتصرّف.