طول وعرض الكعبة

طول وعرض الكعبة

الكعبة المشرفة ومكانتها

ذلك المكان القديم والبيت العتيق الذي رفع الله قدره على سائر البنيان، وحماه الله من مؤامرات الهدم فلم يتغير مكانها ولم يُمحى تاريخها ولم يختلف المسلمين عليها ولم يتخذوا بناءً غيرها، ولم يكلوا من التوجه إليها؛ فهي ضاربة عمق التاريخ من زمن سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- حتى يومنا هذا؛ فكانت ولا تزال قبلة المسلمين الذين يتوجهون إليها في جميع صلواتهم سواء كانت فرضًا أو سنةً، وهي أول بناء في الأرض بُني لعبادة الله عز وجل؛ فتعاقبت عليها الأمم عبر القرون وطاف حولها عباد لا يُحصي عددهم إلا الله، وأقيمت مساجد المسلمين في جميع أنحاء العالم على اتجاه واحد وهو اتجاه الكعبة المشرفة كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزرع حبها وتعظيمها والحفاظ عليها وتقديس حرمتها في قلوب الصحابة، وفضل الله موقعها على سائر بقاع الأرض؛ فقد جعله مباركًا، كما شرع الله الطواف حولها وتقبيل الحجر الأسود، وكما ورد في الأحاديث فإن الكعبة تبقى شامخةً حتى نهاية الزمان ويبقى الله يحفظها من عدوان الجبناء الخاسرين كما ورد في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَغْزُو جيشٌ الكعبةَ، فإذا كانوا ببَيْدَاءَ من الأرضِ، خُسِفَ بأَوَّلِهِم، ثم يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِم) [صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١].


طول وعرض الكعبة

تتخذ الكعبة شكل المربع وتقع في وسط الحرم، ويبلغ ارتفاعها سبعة وعشرين ذراعًا، وعرض جدار وجهها يبلغ أربعة وعشرين ذراعًا ويوجد فيه بابان، وعرض مؤخرتها كما هو وجهها، وعرض جدارها الذي يلي اليمين، ويتوسط الركن اليماني والركن العراقي، كما يبلغ فيه الحجر الأسود عشرين ذراعًا، وفي وسط هذا الجدار كان يصلي أشرف الخلق سيدنا محمد قبل هجرته إلى المدينة المنورة، أما عرض جدارها الذي يلي الشام، وهو ما بين الركن الشامي والركن الغربي واحد وعشرون ذراعًا، أما ميزاب -وهو مصب الماء من سطح الكعبة إذا نزل عليها المطر أو غسلت- فإنه يسكب ماءه في الحجر الأسود، ويبلغ طول الجدار من بدايته إلى نهايته ستة عشر ذراعًا، ويبلغ عرض باب الحجر المغربي ستة أذرع تنقص بمقدار بسيط، وعرض باب الحجر الشامي خمسة أذرع تنقص بمقدار بسيط، أما جدار الحجر فهو يتخذ الشكل الدائري من بابه الشامي إلى بابه الغربي وعرضه ذراع واحد، ويبلغ ارتفاعه من الأرض أربعة أشبار، أما ارتفاع الحجر الأسود في الركن العراقي المقابل لماء زمزم يبلغ ارتفاعه سبعة أشبار من الأرض وحتى نهايته، أما باب الكعبة على أربعة أذرع من الأرض، وعلوه ستة أذرع وعرضه أربعة أذرع، والمسافة بين الباب والحجر الأسود تبلغ أربعة أذرع، ويُسمى ذلك الموضع الملتزم؛ ويرجع سبب تسميته بذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين انتهى من طوافه التزمه وتوجه إلى ربه بالدعاء[٢][٣].


تاريخ بناء الكعبة

جعل الله الكعبة رمزًا للعبادة ومنارة للتوحيد، وهي أول بيت بنيَ لعبادة الله عز وجل قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [المائدة:96]، وقد تعاقب على بناء الكعبة العديد من الأشخاص والقبائل، فبدأ تاريخ بنائها في زمن سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام-؛ إذ أمر الله سيدنا إبراهيم بأن يسكن في مكة المكرمة هو وأهله، وكانت مكة في وقتها صحراء قاحلة وبعد الاستقرار فيها أمر الله سيدنا إبراهيم بتشييد الكعبة قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، وتعاون إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- في البناء؛ إذ كانت مهمة إسماعيل -عليه السلام- جمع الحجارة وإبراهيم -عليه السلام- يبني، وبدأت الكعبة ترتفع شيئًا فشيئًا حتى أصبحت مرتفعة لا تستطيع الأيدي الوصول إليها، فأحضر إسماعيل عليه السلام حجرًا ليصعد عليه سيدنا إبراهيم لإتمام عملية البناء.

بعدها سكنت بعض القبائل العربية مكة المكرمة مثل قبيلة "جرهم" وقبيلة "العماليق"، وتصدع بناء الكعبة عدة مرات بسبب الأمطار وتشكل السيول وكان أهل تلك القبيلتين يقومون بعمليات الإصلاح والترميم في كل مرة، وبقي الحال على ذلك حتى بنت قريش الكعبة وذلك قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخمس سنوات، وكان ذلك البناء عبارة عن حجارة مرصوصة فوق بعضها من غير طين؛ مما جعلها سهلة التصدع والانهيار أمام السيول، فاجتمعت قريش على إعادة بناء الكعبة بناءً متينًا يصمد أمام السيول، ولما اتفقوا على ذلك وقف أمامهم أبو وهب بن عمرو فقال: "يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبًا، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس"، لكن قريش خافت من هدم الكعبة خشية أن ينزل الله عليهم سخطه وغضبه، فقال لهم الوليد بن المغيرة: "أنا أبدؤكم هدمها، وبدأ بالهدم وقو يردد اللهم لم نزغ، ولا نريد إلا الخير"، فهدم من ناحية الركنين، فنام الناس في ليلتها وهم ينتظرون ماذا سيحصل للوليد بن المغيرة جراء فعلته ذلك، فلما طلعت الشَمس ولم يُصِبه مكروه أكملوا هدم الكعبة، ولم يبق منها سوى مقام إبراهيم عليه السلام، بعد ذلك تعاونت القبائل على بناء الكعبة وقسموا المهام فيما بينهم، ولما وصل البناء عند الحجر الأسود تنازعت القبائل واختلفت بمن له الحق في رفع الحجر إلى مكانه وأوشكوا على أن يقتتلوا، حتى اقترح عليهم أبو أمية بن المغيرة المخزومي أن يحكم بأمرهم أول شخص يدخل من باب المسجد الحرام؛ فلقيَ اقتراحه القبول والترحيب، وأخذت القبائل تنتظر دخول أول شخص من المسجد فكان ذلك الشخص هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وما أن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فقال: (هلمَ إلي ثوبا) فوضع الحجر الأسود في منتصفه ثم قال: (لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعًا) ففعلوا ذلك، ولكن نقصت الأموال التي جمعوها لبناء الكعبة؛ لذلك لم يستكملوا بناءها، فأخرجوا الخِجر (الحطيم) من البناء.

ولما جاء عهد ابن الزبير -رضي الله عنه- قرر إعادة بناء الكعبة كما أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته؛ فهدمها وأعاد بناءها وأضاف إليها ما لم تستكمله قريش؛ فكانت في غاية الروعة والجمال وكانت كما أرادها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي عهد عبد الملك بن مروان هدم الحجاج بن يوسف الثقفي بإذن من عبد الملك بن مروان الكعبة وأعادها كما بنتها قريش، وعندما علم عبد الملم بحديث الرسول لعائشة أراد هدمها وإعادتها لما كانت عليه؛ فنهاه الإمام مالك خوفًا من ذهاب هيبة الكعبة ويأتي كل خليفة ليهدم ما بناه الخليفة الذي سبقه، أما آخر بناء للكعبة فكان في العهد العثماني سنة 1040 للهجرة عندما اجتاحت سيول جارفة مكة المكرمة وأغرقت المسجد الحرام وتسببت في ضعف بناء الكعبة في وقتها أمر محمد علي باشا والي مصر مهندسين مهرة وعمال بهدم الكعبة وإعادة بنائها، واستمرت عملية البناء ما يقارب ستة شهور، وكلفت أموالًا طائلةً، ولا تزال الكعبة شامخةً وراسخةً حتى يومنا هذا[٤].


المراجع

  1. أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (27ـ8ـ2016)، "الكعبة (خطبة)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30ـ12ـ2019. بتصرّف.
  2. "مسميات أجزاء الكعبة وسبب تسميتها بذلك "، islamweb، 19ـ4ـ2006، اطّلع عليه بتاريخ 30ـ12ـ2019. بتصرّف.
  3. "وصف الكعبة"، islamstory، 19ـ11ـ2009، اطّلع عليه بتاريخ 30ـ12ـ2019. بتصرّف.
  4. "تاريخ الكعبة وأطوار بنائها "، islamweb، 2ـ9ـ2004، اطّلع عليه بتاريخ 30ـ12ـ2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :