محتويات
مفهوم الهوية الإسلامية
الهوية الإسلامية الأساسية في المجتمع الإسلامي هي الدين، وهو محور حياة الفرد والمجتمع، ومن خلاله يتفاعل الأفراد معًا، وعندما يضعف التمسك بالدين في نفوس الأفراد تضعف صورة الهوية، وقد تصبح مفقودة، والهوية الإسلامية تعني الانتماء بكل ما يعنيه، سواءً كان مادّيًّا أم معنويًّا أم اجتماعيًّا أم ثقافيًّا أم اقتصاديًّا، ولا تعني الهوية الإسلامية الانتماء للقبيلة أو المنطقة الجغرافية، بل إنّها شاملة لقوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}[١]، وبحسب تفسير القرطبي: يسمّى الدين صبغة استعارة؛ لأنّهُ يظهر على أعمال وشكل المتدين، كما يظهر أثر الصبغ على الثوب[٢].
أركان الهوية الإسلامية
تحتاج أيُّ هوية إلى أركان أو مكونات لتتمكّن من البقاء والاستمرارية والمنافسة، وأركان العقيدة الإسلامية هي[٣]:
- العقيدة: هي الدين فكرًا وعقيدة وسلوكًا وشريعة، وتترجم العقيدة في مظاهر تدلّ على الولاء لها، والالتزام بتعاليمها؛ فالعقيدة أهم الثوابت في الهوية الإسلامية وشخصية المسلم، وهي أشرف هوية يمكن أن يتّصف بها المسلم؛ لأنّها انتماء للدين.
- التاريخ: التاريخ الإسلامي مليء بالشواهد النيّرة، ويبدأ مع بداية خلق آدم وحواء، وبيّن القرآن الكريم العديد من الأحداث التاريخية التي يجب أن يعتزّ بها المسلم، وذكرها القرآن الكريم؛ لأنّها تثبّت أفئدة المسلمين عند معرفة قصص الأنبياء السابقين.
- الثقافة: الثقافة في الهوية الإسلامية تهتم بعلوم المجتمع وآدابه وقيمه واللغة التي يتحدّث بها المسلم؛ أي أنّه ليس شرطًا أن ترتبط الثقافة باللغة العربية، لكن لا بدّ من أن تُسيّر الثقافة الإسلامية وفقًا للشريعة الإسلامية وضوابطها.
خصائص الهوية الإسلامية
الهوية الإسلامية هي الانتماء إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام والعقيدة، ومن خصائصها ما يأتي[٤]:
- تضمّ كل المسلمين مهما كان مكانهم أو شكلهم أو لغتهم؛ لأنّ الهوية الإسلامية تجمع الجميع تحت عقيدة واحدة؛ لقوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[٥].
- الهوية الإسلامية ملزمة لكلّ مُسلم، ولا يجوز للمسلم الخروج عنها؛ لأنّها فرض لازم لكلّ من عرفها، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[٦].
- الهوية الإسلامية متميزة عن غيرها، وهذا التميز هو الذي يعطيها استمراريتها، ويحفظ ثقافتها، فلا تندمج بغيرها؛ لهذا فإنّ أهمّ مميزاتها أنّها شاملة لكلّ جوانب الحياة، ابتداءً من العقيدة وانتهاءً بالشكل.
- تستوعب الهوية الإسلامية حياة المسلم ومظاهر شخصيته جميعها، فهي تامة ومعروفة المعالم، وتحدّد للمسلمين بكلّ وضوح ودقّة أهدافهم ووظيفتهم وغايتهم من الحياة؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[٧].
- الهوية الإسلامية مصدر الكرامة والعزّة، يقول تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[٨].
- تربط الهوية الإسلامية بين أبنائها بروابط الأخوة والنصر والمحبة والموالاة والتراحم والتعاطف، والدليل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[٩].
ما التحديات التي تواجهها الهوية الإسلامية؟
تعاني الهوية الإسلامية العديد من العقبات المعاصرة، ومنها[٢][١٠]:
- عندما يُطرح الحديث عن الهوية الإسلامية مقابل الفلسفات الحديثة، مثل الماركسية والليبرالية، تُتّهم الهوية الإسلامية بأنّها أنانية ورجعية، وتطالب جميع الأصوات الأخرى بالعولمة، التي تعني تذويب الهوية الخاصة في الهوية الأقوى، ويجب الحفاظ على الهوية الإسلامية قدر الإمكان؛ لأنّها تحفظ الشخصية الإسلامية والأمة كاملة.
- المفارقة بين المبادئ الإسلامية من ناحية السلوك والمبدأ؛ لأنّ هناك فرقًا كبيرًا بين السلوك والقيم، وهذا يُؤدّي إلى صعوبة في التمييز بين الخطأ والصواب، والعجز عن اتخاذ القرارات المصيرية، ممّا يؤدي إلى حدوث فتنة ثقافية وغزو خارجي لتدمير الهوية الإسلامية.
- تواجه الهوية الإسلامية تيارين متضادين، هما الخارجي الغازي والداخلي المنغلق؛ لأنّ الحفاظ على الهوية الإسلامية لا يعني التحرر التام والذوبان في الأفكار الجديدة، ولا يعني أيضًا الانغلاق والتقوقع على الذات؛ والدليل أنّ الأمة الإسلامية عندما كانت في أوج نهضتها، استفادت من علوم وثقافة الأمم التي عاصرتها، وأعادت تشكيلها بما يتناسب مع العقيدة.
- الاختلاط في العالم أصبح أحد سمات العصر، والاختلاط يُقلّل الكثير من الأساسيات الثابتة، ويضيف الكثير من الأفكار الجديدة؛ لهذا قرّر بعض الفقهاء أنّ السفر لبلاد غير إسلامية لا يجوز؛ لأنّهم أدركوا الخطر على الهوية الإسلامية، لكنّ هذا لم يجدِ نفعًا؛ لأنّه بإمكان أيِّ أحد أن يختلط بالعالم من دون أن يسافر، وهذا يعني أنّ الهوية الإسلامية تواجه خطر الفتاوى غير المدروسة.
- التكفير والعقليات الجامدة التي تحرم المسلمين من كلّ أمر فيه نفع، والتعامل مع كلّ ما يقومون به بالتحريم والتكفير والتنفير، وحتّى أنّهم لا يتساهلون مع من لا يتكلّم اللغة العربية، حتى لو كان غير عربي، ويقاطعون اللغات والأجناس الأخرى من الناس، يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[١١].
كيفية الحفاظ على الهوية الإسلامية
يحتاج الحفاظ على الهوية الإسلامية جهودًا كبيرة، فردية وجماعية، ومن النواحي التي يجب التركيز عليها للحفاظ على الهوية الإسلامية[٣][١٠]:
- تنمية العقيدة الإسلامية؛ لأنها الضمانة الوحيدة لبقاء واستمرارية الحياة، والعقيدة والدين بمثابة الروح للجسد، ومن دونها يتحوّل كلّ شيء لأدوات هدم، والتنمية تكون بتخليص وتحرير الهوية الإسلامية من مظاهر التقليد، والقضاء على العقبات التي تمنع تطبيق الإسلام.
- العمل على استعادة الأحداث التاريخية، وتعريف المسلمين بتاريخهم؛ لأنّ التاريخ من أهمّ عناصر الهوية الإسلامية، إضافة إلى تحليل الأحداث من خلال الدوافع والآثار والظروف المحيطة بها.
- ملء الفراغ الذي وصل إليه المسلمون، من خلال تطوير المعارف، واستيعاب التاريخ بعقل منفتح، والحفاظ على اللغة العربية؛ لأنّها الحافظة الثقافية للهوية الإسلامية، والضمانة الوحيدة لاستمرارها، والانفتاح على علوم الآخرين ومعارفهم، من دون ترك التعاليم الإسلامية.
- التعارف بين الشعوب؛ لأنّه يزيد الاعتزاز والفخر بالهوية، سواء بالسفر أو بالتواصل على الإنترنت، أو بتعريف الناس بالبلاد الإسلامية.
- ↑ سورة البقرة، آية:138
- ^ أ ب أمل بنت سليم بن سالم العتيبي (18/4/2012)، ""الهوية الإسلامية" والتحديات التي تواجهها"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 15/3/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب "ماهية الهوية وكيفية الحفاظ عليها "، طريق الإسلام، 20/9/2013، اطّلع عليه بتاريخ 15/3/2021. بتصرّف.
- ↑ "صراع الهويات.. وخصائص الهوية الإسلامية"، إسلام ويب، 12/5/2004، اطّلع عليه بتاريخ 15/3/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:92
- ↑ سورة الأعراف، آية:158
- ↑ سورة الأنعام، آية:162-163
- ↑ سورة المنافقون، آية:8
- ↑ سورة الحجرات، آية:10
- ^ أ ب غيث بن مبارك الكواري (3/4/2011)، "معالم الهوية الإسلامية والتحديات المعاصرة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 15/3/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:22