تفسير آية فانكحوا ما طاب لكم من النساء
يقول الله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا}[١]، وفي تفسير هذه الآية الكريمة أنّ الله سبحانه وتُعالى شرع للمُسلم أن يتزوّج من اليتيمة إذا كانت عنده بشرط منحها حقوقها الشرعيّة في الزواج كاملةً وموافقتها عليه، فيُعطيها المهر كاملًا ولا يُنقصه لأنّها يتيمة عنده.
أمّا إذا لم يستطع المُسلم أنْ يُقسط في اليتيمة فلا يجوز له أن يتزوّجها، وفي قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ}[٢] يدلّ أنّه عليه أنْ يتزوج غيرها ممّا طاب له من النساء الأخريات بعيدًا عنها حتى لا يظلمها، ولم يقل الله سبحانه وتعالى أن ينكح واحدة، بل ما طاب لكم من النساء، أيّ للمُسلم حريّة الاختيار والتأمل بأنْ يتزوّج واحدة، أو اثنتين، أو ثلاث أو أربع زوجات، ففي هذا الزواج الخير الكثير؛ إذّ فيه إعفاف للزوج وللزوجات، وأولاد وتكاثر أكثر، ومصالح أخرى كثيرة، بشرط العدل بينهم في النفقة والمُعاملة والإحسان والكلام الطيّب والعشرة الحسنة أيضًا، أمّا المحبّة فهي في القلب من عند الله سبحانه وتعالى ولا يُمكن لأحد أنْ يتحكّم بها، ولكن يُحاول جاهدًا أن يعدل في ذلك، أمّا إذا خاف المُسلم من ظلم إحداهنّ وعدم العدل، فالأولى له أن يتزوّج امرأة واحدة، ولكن إذا كان قادرًا على الزواج ماليًّا وماديًّا وبدنيًّا فليتّبع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ويتزّوج بأكثر من واحدة[٣].
العلاقة بين اليتامى وتعدد الزوجات في الآية الكريمة
ورد عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في سبب نزول هذه الآية أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا كَانَتْ له يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وكانَ لَهَا عَذْقٌ، وكانَ يُمْسِكُهَا عليه، ولَمْ يَكُنْ لَهَا مِن نَفْسِهِ شيءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لا تُقْسِطُوا في اليَتَامَى} [٤] أحْسِبُهُ قالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ في ذلكَ العَذْقِ وفي مَالِهِ)[٥]، ومعنى العذق: النخلة، إذّ عُرف قديمًا عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنّهم اعتادوا على الإحسان لليتامى من خلال التكفّل في رعايتهم والولاية على أموالهم، كان من ضمن هؤلاء اليتامى إناث تحت وصايتهم، وشرع الله سبحانه وتعالى لهم الزواج من تلك اليتيمات بشرط دفع مهرها مثلها مثل غيرها من النساء في ذلك الحين، وغير جائز للرجل أن يتزوّج من يتيمة عنده بقصد منع رجل آخر من نكاحها فيتزوجها هو ليُشاركها المال ويمنع غيره من مشاركته لمالها، أو أن يتزوجها ويعتبر رعايته ونفقته عليها بديلًا عن المهر، في هذه الحالة أمرهم الله سبحانه وتعالى بالزوّاج من أيّ امرأة أخرى غيرها ممّا طابت لهم مثنى وثلاث ورباع وتركها وعدم ظلمها أبدًا[٦].
حكم تعدد الزوجات والحكمة منه
حُكم تعدد الزوجات مُباح شرعًا[٧]، ودليل ذلك ما ورد في الآية السابقة من سورة النساء، ولكنّه مشروط بأن يكون الزوج قادرًا على العدل بين الزوجات[٨]، وتتجلى الحكمة من ذلك بعدّة أمور، منها ما يأتي[٧]:
- تكاثُر الأمّة وتكثيرها؛ وهذا لا يحصل إلّا بالزواج، وعندما يتزوج الرجل أكثر من امرأة يكثر النسل.
- تُشير الإحصائيات أنّ عدد النساء يفوق عدد الرجال؛ فإذا تزوّج كل رجل امرأة واحدة فقط، ستبقى العديد من النساء دون زوج ممّا يُلحق الضرر بها وبالمجتمع أيضًا، ومنها أنّها لا تُنجب أطفالًا تُقرّ عينها بهم، ولا يكون لها زوجًا يؤدّي مصالحها ويُحصنها، الأمر الذي قد يقود بعضهم الإنحراف وراء الشهوات.
- سدّ حاجات الرجل عندما يكون قويّ الشهوة ولا يكتفي بامرأة واحدة، وبالتالي يقضي شهوته بما حلّل الله سبحانه وتعالى بعيدًا عن الوقوع في الحرام، كما أنّ المرأة تحيض شهريًّا، وتدخل في النفاس مدّة 40 يومًا لذلك لا يستطيع أن يُجامعها.
- احتمال معدّل وفاة الرجال أكثر من النساء بسبب تعرّضهم للحوادث لأنّ طبيعة معظم وظائفهم ومهنهم شاقّة.
- إعالة بعض النساء من أقارب الرجل عندما لا تجد مُعيلًا لها وهي غير متزوجة، أو أرملة؛ إذّ يجد إحسانًا بجعلها زوجة له يُنفق عليها ويهتم بأمرها ويُحصنها.
- الإنجاب عندما تكون زوجته الأولى عقيمة، أو إنْ كانت مريضة ولا يُمكنه مُعاشرتها؛ فالرجل بحاجة لرؤية ذريته ومُمارسة الحياة الزوجيّة الطبيعية مع زوجته وقضاء شهوته.
- ↑ سورة النساء، آية:3
- ↑ سورة سورة النساء، آية:3
- ↑ "تفسير قوله تعالى: (فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ↑ سورة سورة النساء، آية:3
- ↑ رواه صحيح البخاري، في البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4573 ، صحيح.
- ↑ "ما العلاقة بين اليتامى وتعدد الزوجات في قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ؟"، الإسلام سؤال وجواب ، 8/5/2010، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب "حكم تعدد الزوجات والحكمة منه"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "من حكم تعدد الزوجات"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 17/12/2020. بتصرّف.