تفسير آية "يوم يفر المرء من أخيه"
يترابط الناس فيما بينهم بعدة روابط تجمعهم في هذه الدنيا، فإما أن توصلهم هذه الروابط إلى رضى الله ثمَّ جنته، وإمَّا تعرَّضهم لسخطه، ومن هذه الروابط رابطة الأخوة، فنرى دفاع الأخ عن أخيه واهتمامه به وسعادته برؤيته ولقياه، إلا إنَّه يوم القيامة حين يحشر الناس، ونظرًا لهول وعظمة ما سيلاقونه في ذلك اليوم سيفر الأخ من أخيه ويبتعد عنه حين يراه، بل ولا يُلقي بالًا لما يصيب أخيه لاشتغاله بحاله، إذ لديه خطب هائل يتعيَّن عليه الاهتمام به، وقيل يفرُّ لعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئًا، وقيل يفرُّ حذرًا من مطابتهم بالتعبات أو مخافة أن يطالبه بمظلمة، فليحرص الإنسان أن يبني أخوته على أساس سليم، ليجتمعا في الجنة بإذن الله[١][٢].
تفسير ما يتبع من أواخر سورة عبس
وفيما يلي تفسير أواخر سورة عبس[٣]:
- (يوم يفرِ المرء من أخيه وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه): فيوم القيامة يفرُّ جميع الخلق من بعضهم ممن كان يعرفهم ويرتبط بهم، فذكرت الآية فرارهم في الآخرة من بعضهم، ثم فرار المرء من أقرب البشر إليه والمستبعد هروبه منهم وابتعاده عنهم، دلالةً على عظم الهول وجلل الخطب.
- (لكلٍ امرىْ منهم يومئٍذ شيء يغنيه): أي ينشغل الناس بأنفسهم من شدّة الهول والخوف مما قد يصيبهم، فلا يلتفتون لأحد ولا يخطر ببالهم أي أحد، وإن كان عزيزًا عليهم في الدنيا.
- (وجوه يومئٍذ مسفرة* ضاحكةُ مستبشرة): تخلتف أحوال الناس يوم القيامة حسب أعمالهم في الحياة، فالمؤمنون يأمنون من أهوال يوم القيامة، فترى وجوهم مستنيرةً، وقلوبهم مسرورةٌ فرحة، كما يظهر هذا السرور على وجوههم راحةً واستبشارًا، وهؤلاء هم أهل الجنة جعلنا الله وإيّاكم منهم.
- (ووجوه يومئٍذ عليها غبرة* ترهقها قترة): أمّا الصنف الثاني وهم أهل النار، فيصف الله حالهم من خلال وصف وجوهم المعبِّرة عن ما في قلوبهم، فوجوه من أعرض عن اتباع أوامر الله يعلوها ويغشاها السواد والغبار، بسبب ما يلاقونه من أهوال مخيفة نتيجة أعمالهم.
- (أولئك هم الكفرة الفجرة): توضّح الآية بعد وصف حالهم، أنَّ من تسودُّ وجوهم هم الكفرة ذوي القلوب الجاحدة لنعم الله، وهم الفاجرين المتعدِّين الحدود في أعمالهم.
الحكمة من تقديم الفرار من الأخ
ذكر المفسرين سبب تقديم ذكر الأخ على الأم والأب والصاحبة والبنين، ولمّا كان المقصود فراره عن أقاربه، مفصلًا الفرار من أدناهم وأقلهم رتبةً في الحب والحماية إلى أقربهم، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فلو ذُكر القريب أولًا، كان في ذكر ما سواه وأبعدهم حشوًا، وبلا فائدة، فذكر الأقرب يغني عن ذكر الأبعد، فبما أنه فرَّ من الأقرب فبالمعلوم والمنطق أنه سيفر من الأبعد، ويحصل للمستمع استشعار الشدة مفصلةً، فابتدئ بنفي الأبعد منتقلًا منه إلى الأقرب، فقيل أولًا يفر المرء من أخيه فعلم أن ثمَّ شدة توجب ذلك، ثم قيل وأمه وأبيه، فعلم أن الشدة أكبر من ذلك، بحيث توجب الفرار من الأبوين، ثم قيل: وصاحبته وبنيه، فعلم أنها طامةٌ بحيث توجب الفرار مما لا يفر منهم إلا في غاية الشدة"[٤].
- ↑ "تفسير قوله تعالى يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05. بتصرّف.
- ↑ "تفسير القرطبي"، مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05. بتصرّف.
- ↑ " تفسير قوله تعالى " فإذا جاءت الصاخة ""، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05. بتصرّف.
- ↑ "الحكمة من تقديم الفرار من الأخ على أمه وأبيه "، إسلام ويب، 2003-12-18، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-05. بتصرّف.