المجالس
التواصل بين النّاس والتباحث والتحاور وتبادل أطراف الحديث من الأشياء التي اعتاد عليها الناس؛ فلا طعم للحياة إذا عاش الإنسان وحده بمعزل عن النّاس دون أن يتحدث إلى هذا ويتعرف على ذاك، بشرط أن تكون هذه الحوارات والمجالس قائمةً على المواضيع الحسنة، وأمور الخير التي تزيد الإنسان علمًا ومعرفةً وترفع درجاته عند الله تعالى، فلا نتكلم إلا بما يُرْضِي الله عز وجل، أمّا المجالس التي تدور فيها أحاديث مخالفة للشرع أو يتطرق فيها الحاضرون إلى ذم الناس والدخول في أعراضهم فهذه ليست إلا أسباب لزيادة السيئات وتقليل الحسنات.
من الجدير بالذّكر أنه بعد الانتهاء من المجالس لا يعرف الإنسان إذا كان قد بدر منه أمر سيّئ أم لا في خضم الأحاديث الكثيرة التي طُرحت، ولذلك جاء في الأثر أنّه توجد أذكار يمكن أن تقال بعد القيام من المجلس ومغادرته وتسمّى كفارة المجلس، وكأنّ الإنسان يستغفر الله عن كل أمر سيّئ بدر منه خلال حديثه[١].
كفارة المجلس
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ، فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلكَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ)[عارضة الأحوذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وعند أبي داود من حديث أبي بَرْزَة الأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا أراد أن يقوم من المَجلس: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) [صحيح أبي داوود| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١].
آداب المجالس
توجد بعض الأمور التي يجب أن يراعيها الشخص عند وجوده في أي مجلس، مهما كانت طبيعته، فاحترام المجلس يعكس أخلاق صاحبه والآداب التي تربى عليها، ومنها ما يلي[٢]:
- اختيار مكان مناسب للجلوس: فمن الجميل أن يجتمع النّاس ويتبادلون أطراف الحديث، لكن من السيّئ أن يكون هذا في الطّرقات العامة وعلى الأرصفة؛ لأنّه سيعيق المارة ويتسبّب في انزعاجهم فقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا له مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فقَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ) [تخريج مشكل الآثار| خلاصة حكم المحدث: حسن]، وفي هذا إشارة إلى أنّ النبي سمح لهم بالجلوس في الطرقات بشروط هي غضّ البصر وعدم النّظر للمارين وتفحصهم، وكف الأذى وعدم التعرض للناس بأي سوء، وإلقاء السلام ورده على المارة، فضلًا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- إفشاء السلام على الحاضرين: عند الدخول إلى المجلس وعند الخروج منه، ففي هذا السلام احترام للحاضرين ودليل على ذوق الشّخص وأخلاقه العالية.
- الجلوس في أقرب مكان وعدم مقاطعة الجالسين: ففي حال وصل الشّخص إلى المجلس يجلس في آخر نقطة قريبة إليه، ولا يقطع جموع الناس ليصل مكانًا معينًا، أو ليجلس بجانب شخص معين، ففي هذا تشويش على الحديث ومضايقة للجالسين.
- الجلوس بطريقة مناسبة: لا تتكشف فيها العورات، ولا يكون فيها خيلاء وغرور أيضًا ولا مضايقة للمجاورين.
- الجلوس مع الصالحين: فلا يجوز أن يختار الشخص النّاس الفاسدين أو من يعرف أنهم يتحدثون بالأمور السيئة والتي تغضب لله، ففي المجالس تُسجل الملائكة كل كلمة تقال ويحاسب على هذا الحديث كل الجالسين؛ السامع والمتحدث.
- التفريق بين اثنين غير جائز إلا بإذنهما: أي أنّه لا يجوز المباعدة بين شخصين في المجلس للجلوس بينهما؛ إلا إذا كان هذا عن رغبة منهم، كما أنّه لا يجوز الجلوس مكان شخص إلا إذا طلب هو هذا، كما يحدث عندما يدخل إلى المجلس شخص كبير في سنه وفي مقامه، فإن الأصغر سنًّا يفسح له ليجلس مكانه، كنايةً عن الاحترام والتبجيل لهذا الشخص.
- الابتعاد عن أحاديث الغيبة والنّميمة: مهما كان الشخص المذكور سيّئًا، فالبعض يظن أن السيئين يباح ذكرهم بالسوء، ولكن هذا خطأ كبير، فالله حرم الغيبة والنميمة وذكر عورات الناس مهما كانت وأيًا كان الشخص المذكور، وفي حال تحولت المجالس إلى مجالس غيبة ونميمة يجب التذكير والنهي عن فعل المنكر لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وإنكار المنكر يقال: هذا لا يجوز، وهذا الذي تفعلونه منكر، والفعل يكون لولي الأمر كالأب على أولاده مثلًا، وليس للشخص أن يغير الأمر بيده على وجه يحصل فيه فساد أكبر، فينكر بالأسلوب الحسن والكلام الطيب، وإن لم يستطع الشخص إيقاف هذا فليستأذن بالانسحاب[٣].
- أن يكون المجلس عامرًا بذكر الله سبحانه وتعالى: قال: (مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةً) [سنن أبي داوود| خلاصة حكم المحدث: صالح][٤].
- ترك التناجي بين الاثنين والثالث موجود: لأن ذلك يؤذيه؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجل أن يحزنه) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٤].
- التفسح في المجلس لأمر الله تعالى به في كتابه: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: 11]، والتفسح هو: أن يتوسعوا فيما بينهم، و ينضم بعضهم إلى بعض[٤].
- حسن الاستماع: والإنصات؛ وهذا الأدب من الآداب المهمة في المجالس، فكيف يريد الشخص أن يستأثر بالحديث وغيره يستمع له، ولا يملك أن يوصل فكرته له بسبب كثرة مقاطعته[٤].
ختام مجلس النبي
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ لأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا) [ صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن][١].
المراجع
- ^ أ ب ت "دعاء كفّارة المجلس"، islamweb، 2019-10-09، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-25. بتصرّف.
- ↑ عصام بن محمد الشريف (2017-08-22)، "آداب المجالس في الإسلام"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-24.
- ↑ "كيفية الإنكار في مجلس فيه غيبة"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-25. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان، "تذكير الجَالِس والـمُجَالس بآداب المَجْلِسِ والـمُجَالِس"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-25. بتصرّف.