محتويات
أبو لهب
أبو لهب هو أحد أعمام الرّسول -صلى الله عليه وسلم-، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وهو أخٌ غير شقيق لأبي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن عبد المطلب، ويكنى أبو لهب بأبي عتبة نسبة لاسم ابنه الأكبر، ويُذكر أنه عندما وَلدت أم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشرت جارية أبا لهب بذلك؛ ففرح لهذا وأعتقها، لكن عندما كبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأُنزلت عليه الدعوة الإسلامية كان أبو لهب من الكفّار الذين عارضوا الدّعوة بشتى الطرق، وحاولوا زعزعة إيمان النّبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وآذوهم جسديًّا ونفسيًّا، كما عادَت زوجته أم جميل -أخت أبي سفيان وسيدة من سيدات قريش- الإسلام والرسول- صلى الله عليه وسلم- حالها كحال زوجها، فقد كانت تحضر الشوك وتلقي به في طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما أنّ اسمه هو لقبه وليس كنيته، وقد لقّبه بهذا أبوه عبد المطلب، وفي هذا المقال نذكر أسباب تلقيبه بهذا الاسم[١].
سبب تسمية أبي لهب بهذا الاسم
ذكر الله تعالى لقب أبي لهب في سورة المسد، وهي سورة مكية بإجماع العلماء، وقد ذكر القرطبي -رحمه الله - أوجه تسميته بهذا اللقب، فقال[٢]:
- قيل أن سبب تسميته بأبي لهب يرجع إلى حسنه وإشراق وجهه وجماله، وقد صرف الله تعالى قومه عن تلقيبه بلقب آخر كأبي النور أو أبي الضياء، وذلك لعلمه سبحانه بمصيره وأنه إلى النار.
- قيل أن الله تعالى ذكره في القرآن بلقبه وليس باسمه؛ لأن اسمه عبد العزى، والعزى اسمٌ لصنم، ولم يضف الله في القرآن العبودية إلى صنم.
- قيل أن الله تعالى لقبه بأبي لهب وذلك لأن المناداة بالاسم أشرف من الكنية، فأراد الله تعالى أن يحط من شأنه، وقد كان مشهورًا بلقبه أكثر من اسمه.
عداء أبي لهب وعائلته للنبي
عُرف أبو لهب بشدّة عداوته للإسلام وللرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان لديه أربعة من الأبناء: عتبة، وعتيبة، ومعتب، ودرّة، وكان عتبة زوج رقية -رضي الله عنها- ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعتيبة زوج أم كلثوم -رضي الله عنها-، ولما جهر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة أمر أبو لهب أبناءه بتطليق بنات الرسول -صلى الله عليه وسلم؛ ففعلا ذلك، أما عن زوجته أم جميل فقد عادت أيضًا الدعوة الإسلامية بشتى الوسائل، وكانت تحمل الأشواك وتضعها في طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- لإيذائه، وقد انتقم الله تعالى من أبي لهب، فاجتمع عليه الأذى النفسي والجسدي وكان ذلك بعد معركة بدر، فعندما علم بخسارة المشركين كان لذلك وقع كبير على نفسه، فلم يشارك في المعركة وبعث مكانه العاص بن هاشم، فعاد وأخبره بالهزيمة، فمرض أبو لهب بعدها مرضًا شديدًا يسمى مرض العدسة، وقد كانت العرب تخشى هذا المرض كخشيتها من الطاعون، وكانت تخاف من العدوى؛ فلما مات بمرضه بقي في بيته ثلاثة أيام لم يدخل إليه أحد، ثم خشي أبناؤه أن يعيّروا، فحفروا حفرة وألقوه فيها، ثم رموا عليه الحجارة من بعيد ليدفنوه تحتها.
أما أبناؤه فقد أسلم عتبة ومعتب يوم الفتح، وأسلمت درّة، ومات عتيبة بدعوة من الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعاها عليه عندما جاء له يسبه، فدعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه، فقال: (اللهم سلِّطْ عليه كلبًا مِن كلابِكَ، فقتَله الأسدُ) [أضواء البيان| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن]، وكان عنده سفر للشام، فخشي أبو لهب دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبر من في القافلة أن يحموه، ولما كانوا في الطريق؛ نزلوا بمنطقة مليئة بالأسود، فجعل الرجال في القافلة عتيبة في وسطهم وناموا حوله، فلما جاء الليل وإذا بأسد يشتمهم، ثم انقضّ على عتيبة فقضى عليه[٣].
تأملات في سورة المسد
ذكر الله تعالى أبا لهب في سورة المسد، فقال سبحانه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 1-5]، وفي هذه السورة العظيمة عدّة تأملات استنتجها علماء التفسير من تأملهم في كتاب الله عز وجل، منها[٤]:
- ذكر العلماء أن سبب نزول سورة المسد هو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- صعد إلى الصفا فنادى: (يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَخْرُجَ أرْسَلَ رَسولًا لِيَنْظُرَ ما هُوَ، فَجَاءَ أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ، فَقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ * ما أغْنَى عنْه مَالُهُ وما كَسَبَ} [المسد: 1-2]) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: [صحيح]، فلم يكن الرد عليه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل جاءه الرد من الله تعالى، ليعلم المسلمون أن أبا لهب عاقبته وخيمة، وأن وقوفه بوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ذنب عظيم عند الله تعالى.
- يستنتج الدارس لآيات سورة المسد ألا شيء في الدنيا يمكن أن يقف أمام عقاب الله تعالى أو يغني عنه، فأبو لهب جمع أمواله وأعوانه في سبيل الوقوف في وجه الدعوة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولكنها لم تغني عنه من الله شيئًا، وكانت وبالًا عليه في الدنيا والآخرة، وكذلك عاقبة الظالمين في كل زمان ومكان، فقال الله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: 7-8].
- دلّت آيات سورة المسد على أن الظالمين يعين بعضهم بعضًا، ولكن الله تعالى أعدّ لهم جزاءً وسعيرًا؛ فهذه أم جميل زوجة أبي لهب كان جزاؤها من جنس عملها، فكما ضيّقت الخناق على المسلمين ووضعت الأشواك في طريقهم؛ جازاها الله تعالى بحبل من نار مقعود حول عنقها في نار جهنم.
المراجع
- ↑ "أبو لهب"، marefa، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير القرطبي: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "موت أبي لهب عبرة ومعجزة"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "دلالات تربوية على سورة المسد"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2019. بتصرّف.