حماية البيئة في الاسلام

حماية البيئة في الاسلام

البيئة في الإسلام

حثّنا ديننا الإسلامي على الأفعال التي فيها الخير للفرد وللجماعة، ونهانا عن الأمور التي تجلبُ الضرر للنّاس، وتُعدُّ المحافظة على البيئة من أهم الأمور الخيِّرة التي أمرنا الإسلام بها، وكذلك فإنّها تُعدّ من أهم واجباتنا في هذا الكون الذي نعيش فيه؛ إذ إنّ هذا الكون مُسخّرٌ لخدمة البشرية، وعند التمعّن في قوله سبحانه وتعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} [الأنعام: 5] وقوله تعالى: {وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} [النحل: 14]، ندرك أنّ هذا الكون مخلوقٌ ومسخرٌ لخدمتنا، وبالمقابل علينا المُحافظة عليه لاستمراريته، والأمثلة كثيرة على اهتمام ديننا الحنيف بالحفاظ على النظام البيئي.[١]


العلاقة بين الإنسان والبيئة

يتميّزُ الإنسان عن باقي المخلوقات بتأثيره الكبير في النظام البيئي، وهو من أهم مكوّنات هذا النظام، ففي البداية كان تأثير الإنسان على البيئة محصورًا ومُقتصرًا على الزراعة فقط، أمّا الآن فقد اختلفت الحياة وأصبح تأثير الإنسان يتعدّى ذلك بكثير؛ إذ إنّ اهتماماته تطوّرت، ووصلت إلى تطوير الاقتصاد والصناعات والتقنيات الضخمة، وحسب النظام الإسلامي فإن العلاقة بين الإنسان والبيئة تَنحَكِم بضابطين هما[٢]:

  • التسخير: وهنا تُعدّ البيئة بعناصرها كاملةً مسخّرة لتخدم الإنسان ولتساعده على الخلافة في الأرض، قال تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20].
  • الاعتدال: وهو من الشروط الضرورية لاستمرارية الاستفادة من الموارد البيئية، ويجب على الإنسان أن يتعامل مع هذا النظام بكل أمانة واعتدال، وأن يبتعد عن الإسراف، والمحافظة على التوازن البيئي؛ إذ إن حصول أي خلل في هذا النظام سيؤدي في النهاية إلى خراب المعمورة، ويُمكننا أن نُلخّص دور الإنسان في النظام البيئي بما يلي:
    • عبادة الله: فالتَدَبُّر والتَمَعُّن في مخلوقات الله تعالى يؤدّي بالنهاية إلى تقوية الإيمان بأن لهذا الكون ربٌّ واحد.
    • الخلافة في الأرض: وهو من الأدلّة المهمة جدًّا على الدور المميز للإنسان في الأرض، فالله لم يجعله كباقي الكائنات، موجود للحياة فقط، بل استأمنه على هذه الأرض فجعله وكأنه خليفة مسؤول عن كل ما فيها لتبقى صالحةً للحياة حتى قيام الساعة، والمقصود هنا بالخلافة هو المعنى المجازي، أي أن يتولى شخص القيام بعمل معين مكلف به، والمعنى هنا استعارة فقط، فالذي يدبر أمور الكون هو الله تعالى، وكلنا نتحرك بعلمه، وتحت سُلطته.
    • عمارة الأرض: وهو من أهم واجباتنا في الأرض، فقال تعالى {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، ونلاحظ هنا وجود تداخل ما بين الخلافة في الأرض وعمارتها، وكلاهما من أعمال العبادة التي على الإنسان القيام بها، ولا تحصل الخلافة في الأرض دون عبادة.

ومن معالم الجمال التي جاء بها الدين الإسلامي إنشاء علاقة ودية وحب بين الإنسان والكائنات الحية وغير الحية؛ إذ إنّ هذه الكائنات كلها تُسبّح الله وتعبده، وخلق الله الكائنات بأشكال مختلفة تُبيّن قدرته جل جلاله، وتمنحنا القدرة على تغذية العامل الروحانيّ فينا، والاستمتاع بما منحنا الله تعالى، فينبغي علينا أن لا نجعل علاقتنا بالكائنات علاقة سيطرة، ولكن يجب أن نكون أُمناء على هذه المخلوقات.


واجبات المسلم تجاه البيئة

توجد العديد من الواجبات التي على المسلم الالتزام بها تجاه البيئة، ومنها ما يلي[٣]:

  • الشكر: فمن الواجب علينا شكر الله تعالى على نعمه، فهو صاحب الفضل الأول والأخير في تسخير الكون لخدمتنا، قال تعالى: { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114].
  • الإصلاح والبعد عن الفساد: جعل الله تعالى البيئة متوازنة وتحمل النفع لنا، وهي تحوي ما يحتاجه الجميع في هذا الكون، وكلّف الله تعالى الإنسان بإعمار الأرض، والمحافظة عليها وعلى مواردها، ونهاه أن يكون سببًا في خرابها وإفسادها، لأنّه هو المتضرّر الأول من ذلك، وقد حثّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إعمار الأرض حين قال في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك: (ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ، أوْ إنْسانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


فضل المحافظة على النظام البيئي في الإسلام

ذكرنا فيما سبق دور الإنسان في إعمار الأرض، والمحافظة على النظام البيئي، وأنّ للإسلام دورًا كبيرًا في حماية البيئة من خلال حثّ المسلم على أعمال الخير التي من شأنها حماية هذا النّظام، واعتبر هذا العمل من الأعمال التي تُقرّب العبد من ربه، ويأخذ بها الأجر العظيم، ونذكر الآن فضل تلك الأعمال في الإسلام[٣]:

  • تُعدّ الأعمال التي يفعلها المسلم والتي من شأنها المحافظة على البيئة صدقة، قال صلى الله عليه وسلم (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • تعد هذه الأعمال أيضًا شعبة من شعب الإيمان.
  • تُساعد أعمال المحافظة على البيئة بأن تكون مصدرًا يجلب الخير للناس وينفعهم.
  • تعد أعمال المحافظة على البيئة أيضًا من أهم الأسباب التي يغفر الله تعالى بسببها الذنوب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ('"بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ"'). [صحيح البخاري|خلاصة حكم المحدث: صحيح ].
  • تُعد هذه الأعمال والتي تهدف أيضًا لمساعدة الآخرين من أسباب دخول الجنة، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ('"مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ"') [صحيح مسلم | خلاصة حكم المحدث: صحيح ].

وبالمقابل فقد عادى الدّين الإسلامي الأعمال السّلبية التي تهدف إلى إفساد الأرض، واعتبر الاعتزال والبعد عن النّاس وعدم المشاركة في إعمار الأرض من الأعمال المنبوذة في الإسلام، وشجّع على الإعمار والزراعة والسعي في الأرض، كما حذّر الإسلام من الأساليب التي تُسبّب الدمار للبشرية وإنهاء الحضارات، وقد أصدر الفقهاء استنادًا إلى ما سبق فتاوى تُحرم استخدام الأسلحة التي تُسبّب دمارًا كبيرًا في الأرض، مثل الأسلحة الجرثومية والنووية والكيماوية، إذ إن آثارها تبقى لزمن طويل، ولا يمكن حصرها[٤].


المراجع

  1. دكتور / بدر عبد الحميد هميسه، "الإسلام والبيئة"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  2. د. سامح عبدالسلام محمد (15-9-2013)، "علاقة الإنسان بالبيئة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أحمد عماري (17-12-2014 )، "خلق المسلم نحو بيئته"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.
  4. د. محفوظ ولد خيري (07-11-2013)، "عمارة الأرض في الإسلام"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 26-11-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :