شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم

شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم

شرح حديث مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم

جاء الحديث ليبيِّن للمؤمنين أنهم أخوة في الله، وأن العلاقة بينهم يجب أن تكون قائمةً على أساس التعاون والاتحاد، وقد أوصل النبي هذه الفكرة إلى المؤمنين بأسلوب التصوير الفني والتشبيه، إذ شبَّه المؤمنين بالجسد الواحد، فالأعضاء في الجسد الواحد مترابطة مع بعضها البعض وتتجمع معًا لأداء وظائف الجسد كاملةً، وفي حال أصيب أي عضو من هذه الأعضاء بأي مكروه فإن الجسد يتأثر بأكمله، ويصاب بالألم والوهن، فعلاقة المؤمن مع أخيه يجب أن تكون قويةً ومتينة، لا يؤثر فيها أي خلاف، وإنَّ أي مصيبة يمكن أن تحصل عند أخيه المؤمن يجب أن يقف إلى جانبه بها، ويبقى في عونه حتى تَنْجَلي، تمامًا كما تتعاضد أجزاء الجسم الواحد عندما يصاب جزء منها بالمرض أو التعب[١].


الإعجاز الطبي في حديث مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّىّ) [صحيح مسلم، خلاصة حكم المحدث: صحيح].


يكمن الإعجاز العلمي في الحديث السابق بأنه مطابق لما توصل إليه الطب الحديث، ففي الحديث يخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن شكوى أحد الأعضاء في الجسم هي مدعاة للسهر حقيقةً لا مجازًا، بكل ما يحمله الأمر من معنى، أي أن الجسد بأكمله يسهر أولًا، ليُصاب بالحمّى التي تأتي مع السهر وبعد البدء بالسهر، ثم يبدأ الجسم بالتداعي والشكوى.


وما كشفه العلم الحديث هو انطلاق نبضات عصبية حسيّة من أماكن المرض أو الألم في الجسم إلى عضو الدماغ، ثم إلى مراكز الإحساس والتحكم غير الإرادية في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى إصدار مواد كيميائية وإفراز هرمونات من العضو المتألم، وما أن يحدث أمر يهدد أنسجة العضو تخرج أولى قطرات الدم منذرة بنزيف أو يرسل ميكروب ما سمُّه بين الأنسجة والخلايا لتذهب تلك المواد السامة إلى المناطق المركزية في الدماغ والأعضاء المسؤولة عن العمليات الحيوية في الجسم، الأمر الذي يسمى بالشكوى.


وبعد الشكوى يبدأ جسم الإنسان بالاستجابة لها، إذ تدعو مراكز الحس المراكز المسؤولة عن اليقظة في الجسم للتحكم في المنطقة المسمّاة بمنطقة ما تحت المهاد، تدعو تلك المنطقة بدورها الغدة النخامية المسؤولة عن إفراز الهرمونات، تحفز تلك الهرمونات باقي الغدد الصمّاء الموجودة في الجسم على إفراز الهرمونات المحفّزة لأعضاء الجسم بأكملها، ثم توجه أعضاء الجسم وظائفها لمساعدة العضو المتألم ونجدته[٢].


كيف يكون المسلمون كالجسد الواحد؟

تتمثل صورة المسلمون كالجسد الواحد في تحقيق الأمور التالية[٣]:

  • التعاون في أمور الخير والصلاح، كالتعلم من بعضهم البعض وتقديم الدعم والمواساة في كافة الأمور الحياتية، قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات :10].
  • السؤال الدائم عن أحوالهم، وتفقدهم بالزيارات والوقوف إلى جانبهم في الأحزان وفي الأفراح.
  • تفقد المحتاجين والفقراء من أبناء المسلمين، كذلك، على المسلمين ردع ظالمهم والإحسان إلى مظلومهم وإرجاع حقه، إذ قال الرسول -صل الله عليه وسلم-: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)[صحيح البخاري، خلاصة حكم المحدث: صحيح]. وشبك بين أصابعه.
  • صون أعراض المؤمنين وعدم التعرض لها بأي أذى، والابتعاد عن كل ما فيه ضرر لهم ولأهلهم.
  • التذكير الدائم بالله سبحانه وتعالى وإيقاظ الغافل منهم ومساعدته في العودة إلى جادة الصواب، فالتناصح في الدين من أهم صور التعاون التي حث عليها ديننا الحنيف، وفي حال رأى المؤمن أخاه على معصية أو إعراض عن دين الله وجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسلم الجميع من غضب الله تعالى.


أهمية إظهار التعاطف والرحمة مع المسلمين

تتجلى أهمية إظهار الرحمة والتعاطف بين المسلمين بالفوائد التالية[٤]:

  • إظهار الرحمة من كمال الإيمان الواجب على كافة المسلمين، وردت الكثير من الأحاديث الشريفة التي تعظّم حقوق المسلمين على بعضهم البعض وتحثّهم على اللطف والتراحم والتعاضد والتعاون بم ليس فيه إثم أو مكروه، قال ابن تيمية شيخ الإسلام -رحمه الله-: " ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين ، ويسوؤه ما يسوؤهم ، ومَن لم يكن كذلك : لم يكن منهم ! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين : ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ، ولا حلت فيه بل ، هو توافقهما ، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله ، وشُعَب ذلك : مثل محبة الله ورسوله ، ومحبة ما يحبه الله ورسوله ".
  • إظهار التعاطف بين المسلمين يزيل الحواجز التي بقيت من رواسب الجاهلية أو الاستعمار، سواءً كانت تلك الحواجز العصبية للغة، أو اللون، أو الجنس.
  • رعاية العجزة والمساكين والضعفاء في المجتمع المسلم والقيام على مصالحهم، فضلًا على تولي أمور اليتامى والأفراد العاجزين عن الكسب من خلال تربيتهم والإحسان إليهم، بذلك يقوى المجتمع ويبتعد عن أسباب البؤس والإهمال والتمرد.


أم المساكين رضي الله عنها

لا بد من الإشارة إلى مثال من السيرة النبوية العظيمة حول أهمية التعاطف والتراحم بين المسلمين بعضهم البعض، وهنا نشير إلى الصحابية زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها، إحدى زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، لُقبت بأم المساكين نظرًا لرحمتها وتعاطفها مع المسلمين. على الرغم من عدم وجود الكثير من أخبارها في المصادر الدينية، إلا أنّ تلك الكتب تشير إلى مدى تعاطفها ورحمتها. امتلأت روح الصحابية حبًّا بما عند الله تعالى من نعيم، فصرفت اهتمامها عن الدنيا، ودأبت إلى أعمال الخير، ولم تتقاعص بتاتًا عن رعاية اليتامى والنسوة الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن، فتعهدتهم وتفقدت أحوالهم وأحسنت إليهم، وبذلك استطاعت زرع محبتها في قلوب المحتاجين والمساكين[٥].


المراجع

  1. "شرح حديث (مثل المؤمنين في توادهم..)"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 27-05-2020. بتصرّف.
  2. د. حسني حمدان الدسوقي حمامة (2013-07-13)، "من الإعجاز الطبي في السنة المطهرة .. حديث: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم "، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-22. بتصرّف.
  3. "المؤمنون كالجسد الواحد"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-22. بتصرّف.
  4. "ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين ؟"، الإسلام سؤال وجواب، 2008-05-05، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-22. بتصرّف.
  5. "5 زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها"، إسلام ويب، 2003-08-19، اطّلع عليه بتاريخ 2020-10-22.

فيديو ذو صلة :