ما حكم تمني الموت

ما حكم تمني الموت

مصيبة الموت

من الحقائق التي لا يُنكرها عاقل أنَّ الموت لا بدّ منه، حتى أشرف خلق الله محمد عليه الصلاة والسلام نعاه ربّه إذ قال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، والحقّ أن الموت متّفقٌ عليه في كلّ الشرائع، والعلوم، والمبادئ الإنسانية، فلا مجال لإنكاره أبدًا، ولكن ليس الموت في حدّ ذاته هو المهم، بل إنّ الأهم هو ما بعد الموت، وما يكون في ذلك من أحوال؛ فالمسلم يعرف باليقين الجازم أنّ الموت ما هو إلا نهاية الحياة الفانية، وبداية الحياة الأبدية التي لا بدّ لكلّ البشر أن يصلوا إليها، وهي الدار الآخرة، ولعلّ المتفكّر بالموت وأحواله ينظر إليه بنظرة الحكمة، فيسارع للتمسك بحبل الله المتين، ويُقيم نفسه على طريق الصّلاح، ويستعدّ لملاقاة ربّه على خير حال، فالعلم أنّ الحياة بذاتها دار فناء يستوجب ألا يعبأ المرء بها، بل إنّ الواجب أن يُسخّرها لما بعدها، ولكن قد يُصاب المرء في حياته بالكثير من التعب، والمصائب التي تدفع به إلى تمني الموت في بعض الأحيان، الأمر الذي يجعله يتساءل عن حكم ذلك، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال[١].


ما حكم تمني الموت

في البداية وقبل أن نشرع بسرد الأدلة في حكم تمنّي الموت لا بدّ لنا من بعض الوقفات التي يجب أن نقفها في سياق هذا الأمر؛ إذ لا بد من ذكر أن طول العمر للمؤمن من الخير العظيم، والعاقبة السليمة، إذ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {خيرُ النَّاسِ من طال عمرُه وحسُن عملُه} [الترغيب والترهيب| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]، وقال أيضًا: {طُوبَى لِمَنْ طالَ عمرُهُ وحسُنَ عملُهُ} [الجامع الصغير| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ بل إن المؤمن إذا طال عمره وحسن عمله قد يدخل الجنّة قبل الشهيد وفي ذلك ما رواه أبو هريرة: {كان رجلانِ من بَلِيٍّ حَيٍّ من قُضاعةَ أسلَما مع النبيِّ صلَى اللهُ عَليهِ وسلمَ، واستُشهد أحدُهما، وأُخِّر الآخَرُ سَنَةً، قال طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ: فأُريتُ الجَنَّةَ، فرأيْتُ المؤخَّرَ منهما، أُدخل قبل الشهيدِ، فتعجبتُ لذلك، فأصبحْتُ، فذكرْتُ ذلكَ لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أو ذُكر ذلِك لرسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أليسَ قد صام بعدَه رمضانَ، وصلى ستةَ آلافِ ركعةٍ، أو كذا وكذا ركعةً صلاةَ السَّنَةِ} [مسند أحمد| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، الأمر الذي فهمه الصحابة والسلف الصالح خير فهم؛ فقد ورد عنهم في الأثر أنهم كانوا يبكون عند موتهم، وذلك لانقطاع أعمالهم الصالحة من الحياة.

وبالعودة إلى حكم تمني الموت فهو من الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال {لا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ، ولا يَدْعُ به مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَهُ، إنَّه إذا ماتَ أحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وإنَّه لا يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إلَّا خَيْرًا} [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فقد جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بين النهي عن تمنّي الموت والدعاء به، كما ورد عنه عليه السلام: {لَا يَتَمَنَّى أحَدُكُمُ المَوْتَ إمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وإمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ} [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولعل هذه الكراهة لما في الموت من أهوال، وصعاب جسيمة؛ لذا واجب المسلم أن يصبر على ما أصابه ويحتسب أجره عند الله تعالى؛ فالصبر على البلاد من أعظم الأجور وأزكاها، ولكن إذا فاضت النفس بالبلاء وضعفت، وأراد المسلم أن يطلب الموت فالقول الجائز في هذا الأمر ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: {لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي} [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٢].


الصبر على البلاء

في سياق الحديث عن تمنّي الموت لا بد لنا من الإشارة إلى أجر الصبر على الابتلاءات وما له من الفضل العظيم الذي يغني المسلم عن التفكير في الموت للخلاص من مشاكل الحياة وهمومها، فقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما يُثلج صدر المؤمن ويجعله سعيدًا في ابتلاءاته، إذ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، وهذه الآية تلخّص جميع الفضائل التي يمكن أن ينالها المسلم جزاءً على صبره، فما من شيءٍ أعظم من الحصول على الأجر ورضى ربّ العالمين دون حسابٍ أو عقاب، كما أن من الفضائل الدنيوية للصبر أنه يُحقق معيّة الله تعالى، وفي ذلك يقول ربّ العزة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

كما يجب على المسلم أن يعلم أن الابتلاءات ما هي إلا اختبارات إلهية ليُثبت بها العبد أنه يستحق رحمه الله تعالى، الأمر الذي به ينال الأجر والثواب، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157]؛ لذا فواجب على المسلم أن يعرف أن الابتلاء ما حصل إلا لأنه من عباد الله المؤمنين، والذين أراد لهم الله الخير والثواب؛ فلا يجزع، ولا يقنط، بل يصبر ويصبر؛ طلبًا لمرضاة الله وحسن العاقبة، إذ إن البلاء من سِمات المؤمنين، ولقد ورد في هذا الشأن العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد ذلك، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {إذا أرادَ اللهُ بعبدِهِ الخَيرَ عجَّلَ لَهُ العقوبةَ في الدُّنْيا، وإذا أرادَ بعبدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عليهِ بذنبِهِ حتَّى يُوَافِيَهُ بِهِ يومَ القيامةِ}، وعَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّهُ قالَ: {إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مَعَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ إذا أحبَّ قومًا ابتلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فلَهُ الرِّضا، ومَنْ سَخِطَ فلَهُ السُّخْطُ} [تخريج شرح السنة| خلاصة حكم المحدث: حسن]، وقد ذكر رسول الله في هذا الحديث أن الابتلاء من حب الله لعبده المؤمن؛ فلا يجب على المؤمن أن يجزع من هذا الحب، بل عليه الصبر والاحتساب[٣].


المراجع

  1. "مصيبة الموت"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  2. "حكم تمني الموت"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  3. "فضل الصبر على الابتلاء"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :