ما حكم لعب الورق

ما حكم لعب الورق

الوقت في حياة المسلم

يُعدُّ الوقت من أهمّ الأمور التي ركّزت عليها الشريعة الإسلامية، فما مضى منه لا يعود حتى قيام الساعة، الأمر الذي يظهر جليًا في الكثير من الآيات الكريمة، إذ يقول تعالى مُقسمًا بالوقت: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [الليل: 1-2]، ومن هنا لا بدّ للمسلم أن يستثمر وقته في الأمور التي يمكن أن تعود عليه بالنّفع؛ إذ إنّ الوقت من أعظم النّعم التي وهبها الله تعالى لعباده، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]؛ لذا فلا بدّ للمسلم أن يحرص على وقت فراغه، ويغتنمه على أكمل وجه، لكن ظهرت العديد من الأمور التي يلجأ إليها الكثير من المسلمين لتمضية أوقات الفراغ، بما في ذلك لعب الورق، وهو الأمر الذي سنتحدث عن حكمه في الشريعة الإسلامية السمحاء[١].


حكم لعب الورق

إنّ الحكم الشرعيّ في لعب الورق يختلفُ باختلاف حالاتها؛ إذ إنّها تُحرّم قطعًا إذا رافقها القمار؛ وهو اللّعب على شروط ماديّة، أمّا إذا كانت تخلو من القمار فالحُكم فيها محلّ اختلاف بين علماء الشّريعة، فمنهم من قال أنّها مكروهة، ومنهم من حرّمها قطعًا، أمّا عن الأدلة التي اعتمدوا عليها في تحريمها هي قولهم أنها مضيعةٌ للوقت، وأن وقت المسلم من الأشياء التي لا بدّ أنه مسؤولٌ عنها أمام الله، إذ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن أربعِ خِصالٍ: عن عُمرِه فيما أفناه، وعن شبابِه فيما أبلاه، وعن مالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلمِه ماذا عمِل فيه) [الترغيب والترهيب| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح]، فضلًا عن أنّ لعب الورق يُفضي في الكثير من الأحيان للعداوة والبغضاء.

كما أنّ الطريقة الشرعية في قضاء أوقات الفراغ هي العمل والعبادة، وإذا كان لا بدّ من بعض أوقات الترفيه واللعب فالواجب أن تكون أوقاتًا قصيرة، بالإضافة لاعتماد الألعاب التي تخلو من المحرّمات والمحظورات، أمّا من لم يُحرمها من العلماء فاشترط أن تكون خاليةً من المحظورات والمحرمات، بما في ذلك القمار، والبغضاء والعداوات، كما يجب ألا يترتّب على لعبها إضاعة الحقوق الواجبة على المسلم، مثل تأخير الصّلوات عن وقتها وإضاعتها، أو إضاعة حقوق الوالدين والزوجة، ورغم ذلك فقد قالوا أنّها من خوارم المروءة إذا ما لُعبت بكثرة[٢].


الألعاب في الإسلام

تنقسم الألعاب في الدين الإسلامي إلى قسمين: الأول وهي الألعاب المعينة على الجهاد في سبيل الله قتالًا كان أو علمًا، ومن هذه الألعاب السباحة، والرماية، وركوب الخيل، فضلًا عن الألعاب التي تهدف إلى تنمية القدرات المختلفة للمسلم، والحاصل أن هذه الألعاب بمجملها ممّا يُؤجر المسلم عليه، وفي ذلك ما يرويه سلمة بن الأكرع قال: (مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ؟، قالوا: كيفَ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ؟ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْمُوا فأنَا معكُمْ كُلِّكُمْ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].

أمّا القسم الثاني من الألعاب فهي التي يُقصد منها التسلية والتي لا مطلب شرعي فيها، وهي أيضًا تنقسم إلى نوعين، النوع الأول ما ورد فيه نصُ يفيد النهي عنه، وهي من الألعاب التي يجب على المسلم اجتنابها، وتتضمن هذه الألعاب على بعض المحرمات؛ كالتماثيل، أو بعض الصور ذوات الأرواح، أو ما كان معروفًا عنها أنها تُسبب العداوات والشجار، أو ربما كان فيها بعض الأفعال والأقوال الرذيلة، أمّا القسم الثاني فهي الألعاب التي لا تتضمن على نوع من المحرمات، فهي من الألعاب المحللة إذا خلت من الأمور المحرمة شرعًا[٣].


استغلال أوقات الفراغ

نظرًا لأن الوقت من أثمن الأمور في حياة المسلم، فلا بدّ أن يسعى لاستغلاله على أكمل وجه، وذلك بالعديد من الأشياء الدينية والدنيوية التي تعود بالنفع في مختلف المجالات في حياة المسلم، وفيما يأتي بعض تلك الأشياء[٤]:

  • العبادات: تُعد العبادات الدينية من أكثر الأشياء التي يمكن للمسلم أن يستغل أوقات الفراغ بأدائها، مثل الصيام وقراءة القرآن والتفكر في خلق الله تعالى وآياته، فضلًا عن تذكر النعم التي أنعم الله عليها بالمسلم، وما إلى ذلك من أمور.
  • الصحبة الصالحة: من الأمور التي يجب على المسلم أن يحرص عليها في ملء أوقات فراغه أن يصاحب الصالحين الذين تمتلئ اجتماعاتهم بالأمور الطيبة والصالحة.
  • القراءة: تُعد القراءة من الأشياء التي تفيد المسلم في مختلف مجالات حياته؛ لذا يمكن أن يعتمد عليها في ملء أوقات فراغه، بما في ذلك كتب التاريخ الإسلامي، وما شابه ذلك من الكتب المفيدة، فضلًا عن سماع الأشرطة والمحاضرات الدينية.
  • الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله تعالى من الأمور التي يمكن للمسلم أن يعتمدها في ملء أوقات فراغه، والانخراط في مجالات الدعوة المختلفة.
  • النشاطات الدنيوية: من الأمور الهامة في حياة المسلم الاهتمام بمجالات العمل والدنيا؛ لذا فالواجب على المسلم أن يُفكر في ملء أوقات فراغه بما قد ينفعه بالمجالات الدنيوية المختلفة، بما في ذلك قراءة الكتب، والعمل وما إلى ذلك من أمور.


تنظيم الوقت

من المهم للمسلم أن يسعى لتنظيم وقته، ليكون بذلك بين عبادة دينية وعبادة دنيوية، فيسعى في تعلّم ما يمكن أن يعود عليه بالمنافع الدنيوية، كزيادة الكسب، والعمل بالتجارة في ميادينها المختلفة بدلًا من إضاعة الوقت بما لا طائل منه، أو لعله يتعلّم شيئًا جديدًا فيما يملك من أوقات فراغ، كأن يتعلم بعض المهن والحِرف الجديدة، والتي حتمًا سينتفع منها في مختلف نشاطاته الدنيوية، كما يجب على المسلم ألا يخجل من تعلم هذه المنافع، فهذا نبينا أشرف خلق الله كان راعيًا للغنم، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولعلّ هذا ما يلخص حال الكثير من الشباب المسلمين الذين ركنوا للكسل وملء أوقات فراغهم بما لا يمكن أن يعود عليهم بالنفع، كلعب الورق لساعات طويلة مثلًا، وترك العمل والسعي في طلب المعيشة، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ - أَحْسِبُهُ قالَ: إلى الجَبَلِ - فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ ويَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٥].


المراجع

  1. "الفراغ في حياة الشباب"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2020. بتصرّف.
  2. "لعب ورق الطاولة"، islamonline، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2020. بتصرّف.
  3. "الألعاب بين الحلال والحرام"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2020. بتصرّف.
  4. "كيف يملأ الإنسان الفراغ"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 8-1-2020. بتصرّف.
  5. "هلك العبد وباغ في نعمة الفراغ !"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :