محتويات
خطبة عن قصة وفاة الرسول
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونشهد أنّ الله وحده لا شريك له ونشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، وسبحان الله الذي ربط على قلوب الصحابة في ذلك اليوم، ولمّا صار وقت الضحى في ذلك اليوم، دعا نبي الله ابنته فاطمة رضي الله عنها، ثم أجلسها بجانبه، وسَارَّهَا، فبكت، فلمّا شاهد حزنها سارَّها ثانيًا، فضحكت، ولقد خُيِّر الرسول صلى الله عليه وسلم بين البقاء في الدنيا أو الموت، فاختار الذهاب إلى جوار الله تعالى، وكأنّه يرى مكانه في الجنة، ويُعرَض عليه التخيير، ثم قال: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى)[١].
وبدأ الألم يشتد برسول الله، وقال لعائشة رضي الله عنها كما روى البخاري: (يا عائشةُ ما أزالُ أجِدُ ألم الطعامِ الذي أَكَلْتُ بخيبرَ ، فهذا أوانُ وجدتُّ انقطاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذلِكَ السُّمِّ)[٢]، وقصده عن الشاة المسمومة التي قدّمها له اليهود، وأكل منها لقمةً ثم لفظها، ويعود سبب مرض الرسول وموته إلى أثر السم على العرق الأبهر، ولا يستبعد أن يُبقِي اللهُ أثر السم في جسده 3 سنوات وأكثر؛ ليعطي رسولَه درجة الشهادة مع درجة النبوة.
واقتربت لحظة الفراق، وهو يُفكّر صلى الله عليه وسلّم في نُصح أمته إلى آخر أنفاسه، وكانت وصيته حين حضره الموت: (الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)[٣]، إلى أن غرغر بها صدره، وكاد أن يفيض بها لسانه، وذلك على عظمتهما فقد قالهما في وقت حرج، وقد وصّى عليه السلام بالرقيق ليُؤكّد على وجوب الإحسان لهم.
كما أنّ للموت سكرات حتى على أحب خلق الله، فسبحان الخالق فلم تتعدّى سكرات الموت رسول الله، فقد كان يقول: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْت)[٤]، وحينما حانت الساعة رفع يده أو إصبعه، ونظر ببصره إلى السقف، وتمتم بكلمات بصوت منخفض، وقد أصغت عائشة إلى ما يقول من كلمات في حياته، فسمعته يقول: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى)[٥]. ثم مالت يده، وقبضت روحه[٦].
خطبة عن حزن الصحابة عند وفاة الرسول
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهدية، ونشهد أنّ الله وحده لا شريك له، ونشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، فقد كان موت الرسول صلى الله عليه وسلم فاجعةً للمسلمين، وقال ابن رجب: ولمّا توفي عليه الصلاة والسلام اضطرب المسلمون، فمنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من دهش فخولط، ومنهم من عُقِد لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من لم يصدق موته بالكلية.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات، وأبو بكر بالسُّنح، فأهمّ عمر بن الخطاب يقول: (والله ما مات رسول الله، وهدّد الذي يقول بأنه مات بقتله، وجاء أبو بكر، فكشف عن نبي الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي طبت حيًا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا)[٧].
ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلمّا سمع عمر ذلك جلس، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: (ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وقال: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ}[٨]، وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[٩]، فنهج المسلمون بالبكاء[٧].
وقد رُوِي عن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ أبا بكرٍ دخل على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد وفاتِه فوضع فمَه بين عينَيْه، ووضع يدَيْه على ساعدَيْه وقال: وانبيَّاه! واصفِيَّاه! واخليلاه)[١٠].
ولمّا دُفِن عليه السلام قالت فاطمة عليها السلام: (يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!)[١١].
وعن أنس بن مالك، ذَكَرَ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، فقالَ: (شَهِدْتُهُ يومَ دخلَ المدينةَ فما رأيتُ يومًا قطُّ ، كانَ أحسَنَ ولا أضوَأَ من يومٍ دخلَ علينا فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ . وشَهِدْتُهُ يومَ موتِهِ ، فما كانَ أقبحَ ، ولا أظلَمَ من يومٍ ماتَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ)[١٢].
ومع كل هذا إلا أنّ حزن الصحابة ومصيبتهم العظيمة لم يمنعهم عن الصبر والتصبر إلى النواح والجزع، قال قيس بن عاصم: (لا تنوحوا علي، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنَح عليه)[النسائي (1851)][١٣].
خطبة بدروس وعبر من وفاة الرسول
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله أشرف الخلق والمرسلين، فإنّ في وفاته صلّى الله عليه وسلّم العديد من الدروس والعِبر، وهي كما يلي[١٤]:
- أن الموت حق على كل حي، فلا أحد سيخلد في هذه الحياة الدنيا، قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}[١٥].وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[١٦].
- أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش زاهدًا هذه الحياة الدنيا، وحبه للحياة في الآخرة، ففي صحيح البخاري من حديث عمرو بن الحارث، قال: (ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضًا جعلها لابن السبيل صدقة)[١٧]، بل إنه صلى الله عليه وسلم: توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بقلاقين صاعًا من شعير.
- أن موته صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب، ولن يحدث للمسلمون مصيبة أعظم من وفاته، روى الدارمي في سننه من حديث ابن عباس: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب)[١٨]، ليكون في ذلك تسلية للمسلمين في مصائبهم.
المراجع
- ↑ رواه ابن عبدالبر، في الاستذكار، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2/610، صحيح .
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:7929 ، صحيح .
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم:5154 ، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1460، صحيح .
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3496، صحيح .
- ↑ "وفاة الرسول وأثره على الصحابة"، قصة الإسلام، 17/10/2010، اطّلع عليه بتاريخ 4/4/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:3667، صحيح .
- ↑ سورة الزمر، آية:30
- ↑ سورة آل عمران ، آية:144
- ↑ رواه الألباني، في مختصر الشمائل، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:328، حسن.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4462 ، صحيح .
- ↑ رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:133، صحيح.
- ↑ "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 4/4/2021. بتصرّف.
- ↑ "وفاة النبي عليه الصلاة والسلام"، الألوكة ، 7/12/2014، اطّلع عليه بتاريخ 4/4/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية:30
- ↑ سورة آل عمران ، آية:185
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمرو بن الحارث، الصفحة أو الرقم:4461، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس وسابط الجمحي، الصفحة أو الرقم:347، صحيح .