مظاهر الازدهار الحضاري
تعددت مظاهر الازدهار في العصور والحضارت المختلفة، فكل حضارة ازدهرت بمجال أو أكثر من مجالات الحياة الأساسية، وأسهمت كلُّ أمة بترقية تاريخها عبر تطورها وتنميتها، ويجب علينا أن ندرك أن مظاهر الازدهار الحضاري جميعها متكافئة وتعمل ضمن بيئة مشتركة مكمِّلة لبعضها البعض، فازدهار بعض المجالات يؤثر على المجالات الأخرى أيضًا، أمّا عن أعظم وأبرز مظاهر الازدهار الحضاري التي شهدتها الحضارات الضخمة الرفيعة فهي كالآتي[١]:
- العلوم المتطورة: إذ تُعدُّ أكثرالحضارات رجعيةً هي التي لا تهتمُ بالعلم أبدًا ولا تعدُّه من الدلالات القوية على السنن الكونية في العالم، بل تؤمن بالخرافات والخزعبلات، وكما هو معلوم فإنّه بالعلم تنهض الأمم.
- الاقتصاد المتين: فالظروف الاقتصادية المسيطرة على أي دولة تُعدُّ أكبر العوامل المهمة للشعب أجمع، والقوة الاقتصادية تؤثر في مجالات الحياةِ جميعها، ما يجعل ازدهار الاقتصاد عاملٌ أساسيّ لازدهار الحضارة.
- العمران والفنون: فنرى أن الآثار والعمران التي بنتها الحضارات في القدم ما زالت صامدةً حتى أيامنا هذه، وهذه الآثار إشارة قوية تدل على عظمة الأمم والحضارات التي شيدتها وبنتها، عدا عن أنها إشارةٌ هامة للرقيّ والتحضر.
- الفكر الحرّ: إن القضاء على حرية الرأي وعدم إعطاءها مساحتها للتعبير بقمعها وتحديدها بالسجن أو القتل من أبرز عوامل تراجع الحضارات وعدم ازهارها، فالفكر الحر وحرية التعبير تساعد في طرح الأفكار وحل المشكلات عن طريق النقد البناء.
- الدين الناهض المرتقيّ: تُعدُّ المعتقدات الدينية الحجر الأساس لبناء الثقافة ورسم هوية خاصة للأمم والشعوب، فهو الذي يساعد على تحسين أخلاق الأفراد وتأديب وإصلاح نفوسهم ودبّ الرحمة والراحة في قلوبهم، مما ينعكس على حياة الشعب فيجعله متلاحمًا متماسكًا.
- النظام السياسي والتشريعات: يحتاج الاستقرار والأمن في أي دولة أو أي نطاق على وجه الأرض إلى أنظمة سياسية محددة، إذ إنَّ من أهمِّ عوامل تنشئة الدولة نشأةً صحيحةً مستقيمةً هو وجود النظام السياسي الذي يعدل بين أبناء الشعب الواحد ولا يُفرِّق بينهم على أي أساسٍ، فيأخذ فيه الحكام والمسؤولون بآراء الجمهور بعيدًا عن الاستبداد بالآراء والأحكام المطلقة، إضافةً إلى أن التشريعات المقرَّرة تساعد في نمو وارتقاء الدولة بين الدول العُظمى، لا سيما تلك التي تقوم على العدل وصيانة الحقوق، وتراقب أداء الواجبات المطلوبة من المُكلفين، وتراعي الإمكانيات والأحوال والظروف التي تحكم الشعب.
مظاهر ازدهار الحضارة الإسلامية
تٌعدُّ الحضارة الإسلامية من الحضارات الإنسانية ذات الإنجازات الكثيرة والعظيمة في شتَّى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية، فعاش الإنسان خلالها وما زال يعيش بأبهى صورة، أمّا عن الجوانب التي ظهرت بها صور الازدهار في الحضارة الإسلامية نسرد منها ما يلي[٢][٣]:
- الامتداد الحضاري للدولة الإسلامية: انبسطت سيادة الدولة الإسلامية زمانيًا ومكانيًا، ويعود ذلك لتفوقها سياسيًا، فاستمرت من 1 هجري حتى سنة 11 هجري، وامتدت من المدينة المنورة واتسعت بعد فتح مكة المكرمة وطائف وتبوك ووصلت الحدود الشرقية والغربية من الخليج العربي والبحر الأحمر، والشمالية والجنوبية من تبوك وبحر العرب.
- ادزهار الثقافة والأدب والعلم: كانت الأمة الإسلامية نشيطةً في علمها وثقافتها مما انعكس على فكر الروح الإسلامية، فما ورثتنا إيّاه هذه الحضارة العظيمة دليل قاطع يُثبتُ صِبغتها الإسلامية الراقية، ومن هذه الأدلة ما تركه لنا علماء المسلمين من بحوث توثق وتحلل أشكال المعرفة في الحضارة الإسلامية.
- رُقِيّ الحياة الاجتماعية: أثَّرت الحضارة الإسلامية في المجتمعات التي دخلت في الإسلام تأثيرًا شموليًا، فقد أعلى الإسلام من منزلة الإنسان وأعطاه الحرية المشروطة بحدود الدّين وحرَّره من العبودية، ومنع عنه ما يضيِّق عليه الحياة فساعده بذلك دعمه وبقاءه.
- الفنون المعمارية: اهتمَّت الحضارة الإسلامية بعنصر الجمال في تكوينها واهتمت به لميّلِ فطرة الإنسان وانجذاب أعماق نفسه للجمال وابتعادها عن قبح المنظر والعشوائية، فنجد الحضارة الإسلامية شُكِلت ضمن إطارٍ ينعمُ بالرقي والجمال.
نشأة الحضارة الإسلامية
كانت الحضارة الإسلامية تتأسسُ مع انتشار الإسلام في نواحي الأرض جميعها، وقدّ أخذت مكان الحضارات التي سبقتها كاملةً، فمنذ بدء انتشاره من المحيط الأطلسي حتى المحيط الهادي، ومنذ أن حمل المسلمون رسالة الإسلام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- في القرن 1 الهجري ونشروها في بقاع الأرض حتى يومنا هذا، ولا يزال إشراق الحضارة الإسلامية حالٌّ على العالم أجمعه، فتوسَّع الإسلام من بلاد الشرق إلى بلاد الترك، ثمَّ العراق وفارس، واتجه بعد ذلك شمالًا نحو أوروبا إذ عبر الأندلس وصقلية ووصل الحدود الفرنسية وشمال إفريقيا، ولكن بالتأكيد كان تأثير الحضارة على هذه البلدان متفاوتًا.
لقد بدأت أول مظاهر الحضارة الإسلامية عند تأسيس المسلمين لأول دولة لهم والتي كانت عاصمتها المدينة النبوية، واهتمت حضارتهم بالمجالات الإنسانية والدينية على حدٍ سواء، فشرعت القوانين السياسة والقضائية والاقتصادية والاجتماعية بعدل ومساوة ما كان أحد الأعمدة القوية لقيام هذه الحضارة، وقد امتدَّت هذه الحضارة في عهد الخلفاء الراشدين الذين قامو بتوسعة نطاقها وأشاعوا فيها المبادئ والقيم الإسلامية، ومن بعدهم جاء العباسيون والأمويون، إذ اهتموا بالعلم والعلوم وأقاموا حضارةً علميةً عُظمى، استمرت في عصر دولة المماليك والعثمانيين، وبقيت هذا الآثار حتى يومنا الحالي لتشهد على تفرُّد ورقيّ هذه الحضارة الإسلامية، ويعود سبب ازدهارها إلى استنادها على القرآن الكريم وجعله الدستور الأول لها، واعتمادها عليه كمصدرٍ أساسيّ للأحكام الاعتقادية والأحكام الخُلقية[٤][٥].
- ↑ "مظاهر الازدهار الحضاري"، بيت دز، اطّلع عليه بتاريخ 18/12/2020. بتصرّف.
- ↑ الأستاذ الدكتور راغب السرجاني (17/5/2010)، "فن العمارة في الحضارة الإسلامية"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18/12/2020. بتصرّف.
- ↑ د. جابر عيد الوندة، "عوامل استقرار وازدهار الحضارة الإسلامية.. نظام الأسرة في الإسلام نموذجا"، مجلة العمارة والفنون، العدد 9، المجلد 3، صفحة 12-16. بتصرّف.
- ↑ الدكتور عطية محمد عطية، مقدمة في الحضارة العربية الإسلامية ونظمها، صفحة 26. بتصرّف.
- ↑ د. جابر عيد الوندة، "عوامل استقرار وازدهار الحضارة الإسلامية.. نظام الأسرة في الإسلام نموذجا"، مجلة العمارة والفنون ، العدد 9، المجلد 3، صفحة 5-6. بتصرّف.