ما هو مفهوم الحضارة الهلينستية

ما هو مفهوم الحضارة الهلينستية

ما هو مفهوم الحضارة الهلنستية

يُطلِق المؤرخون مصطلح الحضارة الهلنستية على الحقبة التي امتدّت منذ عام 323 قبل الميلاد، وهو العام الذي توفي فيه الإسكندر المقدوني؛ مؤسس المملكة المقدونية اليونانية الممتدّة من البلاد اليونانية إلى الهند، حتى عام 31 قبل الميلاد، إذ انتشرت في تلك الفترة الثقافة اليونانية في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط وحتى قارة آسيا؛ نتيجة الغزو الروماني للأراضي التي خضعت لحكم الإسكندر المقدوني من قبل. وأما كلمة الهلنستية؛ فهي كلمة مشتقة من مصطلح "حلازين" ويُقصد به التحدث باللغة اليونانية، وسنتحدث في هذا المقال عن بعض الجوانب المتعلّقة بالحضارة الهلنستية.[١]


نشأة الحضارة الهلنستية

في أواخر الحكم المقدوني المتمثل بالإسكندر الأكبر، كانت الحضارة الهلنستية تعاني من الضعف العام، الذي أدّى بعد وفاة الإسكندر المقدوني إلى تقسيم الإمبراطورية إلى ثلاث ممالك من قِبل الجنرالات المعروفين باسم الديادوكوي، لينتج عن هذا التقسيم ثلاث سلالات قوية: الأولى نشأت في سوريا وبلاد فارس وتدعى مملكة السلوقيين، والثانية دولة البطالمة في مصر، والأخيرة كانت وانتيجونيد في اليونان ومقدونيا، وعلى الرغم من عدم اتحاد هذه الممالك سياسيًا إلا أنها اشتركت فيما بينها بالكثير من الأمور؛ وذلك لانبثاقها من حضارة واحدة، ليطلق المؤرخون على هذه الممالك اسم الحضارة الهلنستية. وقد بدت مظاهر الحكم في هذه الممالك مناقضة للحكم الديموقراطي اليوناني، فحكمتها السلالات الملكية التي كشفت عن ثرواتها وأملاكها للعامة، فضلًا عن اهتمامهم بالفنون المعمارية، وبناء القصور، والتماثيل، وصياغة المجوهرات، واهتمامهم بالكثير من الفنون الأخرى. كما أنهم ساهموا في رفد الثراء التجاري والحضاري في مختلف أنحاء العالم الهلنستي.[١]


مظاهر الحضارة الهلنستية

استمر التأثير الثقافي والفكري للحضارة اليونانية في مختلف مناطق آسيا بعد وفاة الإسكندر المقدوني عام 323 قبل الميلاد، وعلى الرغم من تمزّق الإمبراطورية اليونانية بسبب حروب الديادوتشي إلا أنها أنشأت سلالات مقدونية في مختلف البلدان، والتي ساعدت بدورها على تكوين ممالك تجاريّة وتعليميّة أوسع نطاقًا في العالم. وفي الوقت الذي اتسمت فيه المدن اليونانية بالركود، كانت المدن الأخرى تسير على وتيرة الإزدهار الحضاري الكبير، وتُعد مدينة الإسكندرية في مصر واحدة من المدن التي حازت على مكانة عظيمة في الفنون والتجارة وغيرها من المجالات.

ساهم توسع حدود الحضارة الهلنستية في زيادة الثروات التجارية، مما أدّى في الطبقات العليا من المجتمعات المختلفة إلى التأثير الكبير في الازدهار المعماري المتمثل بالعديد من مظاهر الزخرفة العريقة رغم محدودية التخطيط التطويري للمدن وعمارتها، إلا أن الجانب المُظلم لهذه الطفرات التجارية يظهر في بقاء الطبقات الفقيرة على حالها وازدياد درجة فقرها. شهدت هذه الحقبة انتشارًا واسعًا للعلم والمعرفة، إذ كانت اللغة اليونانية رائدة العصر في الوسط العلمي، وكان نتاجها زيادة ضخمة في الإنتاج الأدبي، بما في ذلك الكتابة على النطاق الواسع التي استهدفت الشعوب عامةً، والكتابة الفكرية المقتصرة على بعض الفئات القليلة من طبقات المجتمع.

فضلًا عن ذلك كلّه فقد كانت مكتبة الإسكندرية ومكتبة بيرغاموم مراكزًا لجمع المختارات الأدبية والكتب، إضافةً لكونهما مركزين رئيسين للنقد الأدبي في ذلك الحين، ويشار إلى أن الأدب الهلنستي تَميّز بالثراء الكبير بعد ظهور بعض الفنون الأدبية الجديدة مثل الرومانسيات المعقّدة، إضافةً لبروز عدد من الشعراء المميزين، أمثال ثيوقريطس وكليماخوس، وتجدر الإشارة إلى أن ذلك العصر شهد الكثير من الخلافات الفلسفية بين المتعلمين، كما أن مساهمات الأبيقوريين والرواقيين كانت ذات مكانة عالمية كبيرة جدًا. إلا أن أكبر مساهمات الحضارة الهلنستية تجلّت في المحافظة على التراث اليوناني وإثرائه لتستند عليه الحضارات التي خلفتها؛ كالحضارة الرومانية.[٢]


المرأة في العصر الهلنستي

تميّزت الفترة الهلنستية بتوسعٍ كبيرٍ في الاهتمامات النسائية في أمور السياسة والحكم، إذ شهدت تلك الفترة تباينًا واضحًا بالكفاءات النسائية في مختلف المجالات العامة، مما زاد في المسؤوليات الاقتصادية والقانونية للنساء، فـأدى إلى حصول بعض النساء على مراتب الشرف لما يُقدّمنه للمجتمع الهلنستي من خدمات كبيرة، أهمها ما تعلّق بالأمور الدينية، كما أن هذه الفترة شهدت تطورًا كبيرًا في مجال حقوق المرأة، خلافًا لما كان عليه في العصور الكلاسيكية التي ذُكرت في العديد من البرديات المصرية، والتي تكشف عن أن المرأة في ذلك الحين لم تكن تخضع لنظام الوصاية من الرجل -رغم أن المرأة اليونانية لا تزال كذلك- فقد كانت عقود الزواج المصرية المكتشفة مبرمةً بين الزوج وزوجته، دون حاجة لوصيٍّ على المرأة، كما أن المَهر كان يُكتب في العقد لمصلحة الزوجة.

أما على الصعيد الاقتصادي فقد كان للنساء في الحضارة الهلنستية استقلاليتهن التامة، فأوضحت نقوش ديلوس أن للمرأة القدرة على التحكم في الممتلكات والعبيد والديون وهذا ما لم تمتلكه المرأة في عصور اليونان الكلاسيكية، ويشار إلى أن النساء في سبارتا سيطرنَ على خُمس الأرض بما في ذلك أم الملك أغيس التي عُدّت من أثرياء تلك الفترة، كما أصبحت المرأة تتمتع بحرية أكبر في ذلك الحين، إذ استطاعت ممارسة الألعاب الرياضية وركوب الخيل وغيرها من أمورٍ لم تحظى بها في الفترة الكلاسيكية. إضافةً إلى ذلك فقد شاركت المرأة في المجالات التعليمية بعد ظهور العديد من الآراء الفلسفية والشعرية والكتابات الأدبية التي تُظهر قيمة التعليم للإناث، ولعل هذه المكانة التي حازتها المرأة في شتى المجالات أظهرت التباين الكبير بين الفترة الكلاسيكية للحضارة اليونانية، والفترة الهلنستية.[٣]


نهاية العصر الهلنستي

لقد كان سقوطُ العصر الهلنستي على مراحل مختلفة أمام التوسّع الروماني، وكانت آخر محطّات الحضارة الهلنستية عام 31 قبل الميلاد، وتحديدًا إثر معركة أكتيوم عندما هزم أوكتافيان الروماني أسطول القائد مارك أنتوني البطولي، وعلى إثر تلك المعركة أخذ القائد الروماني أوكتافيان مسمّى أغسطس، ليصبح بذلك الامبراطور الروماني الأول في عمر الحضارة الرومانية الكبيرة، ورغم أن الحضارة الهلنستية كانت قصيرة العمر نسبيًا إلا أن الفكر الهلنستي و والثقافة الهلنستية كان لها أثرٌ كبير على العلماء والمفكرين والكُتّاب والفنانين.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب ت "Hellenistic Greece", history, Retrieved 16-11-2019. Edited.
  2. "Hellenistic civilization", infoplease, Retrieved 16-11-2019. Edited.
  3. "Greek Women Classical to Hellenistic: A Brief Discussion of Changing Factors", graecomuse, Retrieved 16-11-2019. Edited.

فيديو ذو صلة :