مدينة قوم لوط

مدينة قوم لوط

مدينة قوم لوط

وتُعرف منطقة قوم لوط باسم "سدوم"؛ أما لوط عليه السلام؛ فهو أحد الرسل الذين أرسلهم الله في قومهم مصداقًا لقوله تعالى:{إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، [الصافات:133-138]، فدعا لوط قومه إلى الله أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر؛ حاله كحال جميع الرسل والأنبياء عليهم السلام أجمعين، بَيد أن قوم لوط كانوا يرتكبون فواحشًا ومحارمًا من صنيعهم واختراعهم لم يسبقهم أحد من قبل فيها، فأتى عقاب الله لهم لما ارتكبوه من هذه الفواحش، إذ قال الله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [سورة هود، آية: 82] وقد فسر العلماء هذه الآية في قوله عز وجل (جعلنا عاليها سافلها) هي سدوم، فأصابها القلب والقذف بالحجارة حتى تحولت لبحيرة منتنة لازالت إلى اليوم، والمرجح ان البحر الميت هو مكان الخسف بحسب معظم كتب التفسير المعروفة، وهي أكثر المناطق انخفاضًا عن سطح البحر كما هو معروف، كما أن أخصائي الجيولوجيا أفادوا بأنها انخفاضها يزداد مع مرور الزمن، وعليه فإن البيئة المحيطة بهذه المنطقة ومياه البحر الميت صعبة لا تعيش فيها أي من الكائنات الحية، فنسبة الملوحة فيها عالية جدًا، وبالتالي فإذا كانت هي المنطقة المعروفة ببحيرة لوط، أي مكان الخسف فإنه ينطبق عليها قول الرسول عليه الصلاة والسلام :[أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا تَدْخُلُوا علَى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلَّا أنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فلا تَدْخُلُوا عليهم، لا يُصِيبُكُمْ ما أصَابَهُمْ]،[١]، ففي الحديث نهي عن الدخول على المعذبين وبيوتهم، وكذلك الجلوس والصلاة في هذه الأماكن، ولكن يجدر ذكره بأنه لا يرد ما يؤكد بدليل من القرآن أو السنة أن منطقة خسف قوم لوط هي منطقة البحر الميت، وعليه لا ينطبق الحكم الشرعي الوارد في الحديث الصحيح بحرمة الزيارة، وإنما يأتي من باب اتقاء الشبهات والله أعلى وأعلم [٢].


أقوال العلماء في مكان مدينة قوم لوط

يرجح معظم العلماء أن مكانها هو المكان المشار إليه في الفقرة الأولى أي في أرض الشام بالقرب من البحر الميت، وذلك من دلالة الأرض التي رحل إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأن لوطًا خرج معه من العراق متجهين إلى الوجهة التي أمرهم الله إليها، وفي لفظ "هذه القرية"، دلالة إلى أن لوطًا كان سكنه بالقرب من إبراهيم عليهما السلام، فسيدنا إبراهيم كان مركزه مدينة حبرون الخليل اليوم، أما أن بعض العلماء الذين استدلوا بأنها مكة المكرمة فبغلبة الظن أنه قولًا ضعيفًا كون مكة المكرمة خصها الله بالبركة والهدى للعالمين [٣].


قصة قوم لوط

الفترة الزمنية التي عاشها سيدنا لوط -عليه السلام- هي زمن سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، أي أنه أُرسل لأقوام مجاورة لمكان وجود إبراهيم، والقوم المعروفون باسم قوم لوط كانوا يمارسون فاحشة لم يسبقهم فيها أحد من البشر، وهي ما يُعرف اليوم باللواط الذي سُمي نسبة إلى اسمهم وفاحشتهم، فنصحهم لوط بالابتعاد عن هذه المعصية والشذوذ، وأنذرهم ببطش الله وعقابه، فكذبوه وأنكروا كل ما جاء فيه من رسالة إليهم، فكانت النتيجة الحتمية بأن حلت بهم كارثة مريعة، إذ قال الله تعالى في كتابه العزيز:{كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ بالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِيْ مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بالنُّذُر} [سورة القمر، آية: 33-36].

وجاء في الكتاب العزيز أن الله أنذرهم، فهددوا رسولهم لوطًا وأبغضوه لدعوتهم إلى الحق والطهر، فأرادوا إخراجه وطرده، إذ قال الله تعالى:{كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ المُرْسَلِيْنَ * إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِيْنٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيْعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ العَالَمِيْنَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ ربُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المُخْرَجِيْنَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القَالِيْن}، [سورة الشعراء، آية: 160-168]، ودعا لوط ربه بعد أن بيّن لهم عصيانهم لله وما سيحل بهم من عذاب وسخط، إلا أنهم تحدوه وقالوا له أرِنا هذا العذاب إن كنت صادقًا، فقال تعالى:{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِيْنَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتقْطَعُونَ السَّبِيْلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيْكُمُ المُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِيْن}[سورة العنكبوت، آية: 28-29].

وطلب لوط من ربه أن ينصره عليهم في قوله:{ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِيْنَ}[سورة العنكبوت، آية: 30]، فاستجاب له ربه بأن أرسل ملكين على هيئة رجلين، فمروا على سيدنا إبراهيم -عليه السلام- قبل وصولهم إلى لوط، فأعطوا البشرى لإبراهيم بولادة زوجته غلامًا، ووضحوا لسيدنا إبراهيم سبب إرسالهم إلى قوم لوط، إذ قال الله تعالى:{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّها المُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِيْنَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهمْ حِجَارَةً مِّنْ طِيْنٍ* مُّسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلمُسْرِفِيْنَ}[سورة الذاريات، آية: 31-34]، ثم غادر الملكان إبراهيم ووصلوا لوطًا؛ فضاق به الحال عند رؤيتهما بادئ الأمر، إلا أنه هدأ عندما تكلما معه، إذ قال الله تعالى:{وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيْءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ}[سورة هود ، آية: 77].

ثم قال تعالى:{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِماَ كَانُوا فِيْه يَمْتَرُونَ * وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِيْنَ}[سورة الحجر، آية: 62-66]، فعرف قومه بوجود الملكين عند لوط عليه السلام، وأرادوا ممارسة الرذيلة معهم وإيذاءهم، وانتظروا خروج الملكين من منزل لوط، فخاطبهم لوط كما ورد في الكتاب العزيز: {قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِيْ فَلاَ تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوْا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ}[سورة الحجر، آية: 68-69]، ولكن الملكان ذكروا له أنهم مرسلون وطلبوا منه الخروج كما جاء في الكتاب العزيز: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوآ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيْبُها مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ}[سورة هود، آية: 81]، فأنقذ الله تعالى لوطًا، وأهلك القوم بكارثة دمرتهم صباحًا [٤].


دراسات تعزز مكان مدنية قوم لوط

اكتشفت مدينة "سدوم" على يد البعثة الأمريكية التي وفدت إليها، والتي اكتشفت وجود مجموعة آثار من للعصر البرونزي تعود لمدينة سدوم، إذ إنّ هذه المدينة شُيّدت قبل حوالي ثلاثة آلاف وخمسمئة عام قبل الميلاد، وقد ذُكرت قصة أهلها في القرآن الكريم فنالت عقابها من الله الذي قلب حالها وجعل أسفلها أعلاها، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه المدينة تحتوي على العديد من المباني القديمة والأبواب المشيّدة وهي مقسّمة إلى قسمين أساسيين: قسم علوي وآخر سفلي، وقد حاولت البعثة الأمريكية معرفة ما حلّ تمامًا بهذه المدينة؛ إلا أنّها لم تحدد ما حصل على الوجه الصحيح، ولكن الأخبار التي وردت لنا من الكتب السماوية والقرآن الكريم وسفر التكوين في التوراة تفيد بأنّ المدينة قد نالها عذاب من الخالق؛ إذ أمطرت عليها حجارة من سجيل، فتدمير هذه المدينة لم يحدث بنار وكبريت فحسب وإنما بالحجارة التي تساقطت عليها كما ورد في القرآن الكريم [٥].


المراجع

  1. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 433 ، صحيح.
  2. "يعتقد أن البحر الميت هو من بقايا مدينة قوم لوط عليه السلام"، islamweb، 18-6-2001، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019.
  3. AARAB ABDELATIF (22-2-2014)، "البحث الحثيث في مكان قوم لوط وهلاكهم"، oujdacity، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019. بتصرّف.
  4. هارون يحيى (28-6-2010)، "القرآن الكريم ودمار قوم لوط"، quran-m، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019.
  5. "«سدوم» تحت مياه البحر الميت بعدما جعل الله عاليها سافلها"، alittihad، 22-1-2013، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-2019.

فيديو ذو صلة :