مراحل تطور الخرائط الجغرافية

مراحل تطور الخرائط الجغرافية

تعريف علم الخرائط

علم الخرائط أو (Cartography) هو علم التمثيل البياني وفن صناعة الخرائط لمنطقة جغرافية معينة، الذي عادةً ما يتم تنفيذه على سطح مستوٍ كالخريطة أو المخطط، وتجدر الإشارة إلى أن علم الخرائط قد ينطوي على دراسة بعض التركيبات غير الجغرافية لتمثيل المتغيرات الجغرافية لمنطقة ما، كالتركيب السياسي أو الثقافي أو الجيولوجي بناءً على الغرض الأساسي من الخريطة.


يُعد علم الخرائط أحد المجالات التي تتطلب دمج الفن مع العلم معًا، وتكمن أهمية الفن في صناعة خريطة جميلة يسهل فهمها، في حين تكمن أهمية العلم في صناعة خريطة دقيقة ذات محتوى مهم؛ فكانت بداية رسم الخرائط إلى عصور ما قبل التاريخ وامتد إلى العصر الحديث ليشمل التصوير الجوي بالأقمار الصناعية، مما سمح بإنشاء خرائط دقيقة ومفصلة ليس فقط عن الأرض ولكن لتمتد لأقمار وكواكب المجموعة الشمسية[١].


مراحل تطور الخرائط الجغرافية

لقد ثَبُتَ أنّ الإنسان البدائي تمكّن من رسم بعض الخرائط من قبل أن يتوصل إلى معرفة الكتابة بكثير، فالخرائط إذًا ليست وليدة هذا العصر بل هي موغلة في القدم، وفيما يلي سنأتي على ذكر أبرز مراحل تطور الخرائط الجغرافية[٢]:


الخرائط البابلية

يستحيل تحديد مولد علم الخرائط بتاريخ معين، لكن أقدم محاولة استطاع التاريخ ذكرها هي تلك المحاولة التي قام بها البابليون، وأكثر ما يميز اقتصاد الحضارة البابلية عن غيره اعتماده الأساسي على مجال الزراعة والضرائب المترتبة عليه، لذا قام البابليون بإنشاء الخرائط في المقام الأول لتقدير الضرائب، فمن خلال بعض الأعمال المساحية للأراضي الزراعية توصل البابليون إلى تقدير أكثر دِقَّة لمقدار الضريبة التي يجب فرضها على كل مزارع، إذ كانت تنقش تلك الأعمال المساحية على لوحات من الصلصال المحروق، وأقدم لوحة اكتشفت يرجع تاريخ رسمها إلى سنة 2500 ق.م، وهي عبار عن لوح صلصال بأبعاد تقريبية 7*9 سم، وتوجد في متحف الساميات في جامعة هارفارد الأمريكية.


الخرائط الفرعونية

لعبت الحضارة الفرعونية دورًا رئيس في مجال تطوير الخرائط، بيد أن خرائطها نتجت عن عمليات مساحية تفصيلية دقيقة للغاية، وكان الدافع وراء تلك العمليات هو ذاته وراء اهتمام البابليون بالخرائط، ألا وهو تقدير الضرائب التي احتاجت إليها الحكومة لتغطية النفقات الضخمة التي تطلبها نظام حكم الفراعنة، إذ إن عمليات حصر سنوية كانت تجري للأراضي لتنظيم جباية الضرائب بعد تأجيرها للسكان بما أنهم لا يمتلكون حق ملكيتها، وكانت تنقش العمليات المساحية على أوراق البردي، وعثر فعلًا على العديد من اللوحات التي يرجع تاريخها إلى عهد رمسيس الثاني سنة 1300 ق.م.


الخرائط الصينية

كان للصين دور مرموق في مجال تطوير الخرائط بالرغم من عدم امتزاجها وتفاعلها مع باقي حضارات العالم، وهو ما انعكس على خرائطها لتنشأ وتتطور بصورة مستقلة وبطيئة عن مثيلاتها في باقي أنحاء العالم، لهذا السبب لم تبلغ خرائط الحضارة الصينية أوجها إلا عندما انحدرت الخرائط الأوروبية إلى الحضيض وذلك في فترة العصور الوسطى، لكن عندها كانت قد توقفت عن التطور فزادت الفجوة بينهما وبين خرائط حضارات العالم الأخرى.


أما عن الدافع الرئيس وراء اهتمام الصينيين بالخرائط فكان هو ذاته دافع البابليين والفراعنة، تقدير الضرائب تقديرًا دقيقًا لما كان الحضارة الصينية تعد حضارة زراعية بامتياز، أما عن أقدم الخرائط الصينية المعروفة هي تلك التي وردت في كتابات المؤرخ الصيني المعروف سو ما شين التي يرجع تاريخها إلى سنة 227 ق.م، كما كان للرائد الصيني بي هيسو في تطور الكارتوجرافيا الصينية دورًا مهمًا؛ فقد وضع الأساسات التي عُدت من أهم الأسس للكارتوجرافيا الصينية.


الخرائط الإغريقية

استفاد الإغريق من التقدم والتطور الذي بلغته الحضارة البابلية والمصرية القديمة في مجال رسم الخرائط المعتمد على علمي الفلك والرياضيات، لذا تمثل الخرائط الإغريقية نقطة بداية حقيقية في تاريخ هذا العلم، نظرًا للأمانة العلمية التي وصفت بها خرائطهم، فعندما لم تصلهم معلومات كافية عن منطقة ما كانوا يتركونها فارغة دون رسم، على عكس الخرائط الأوروبية مثلًا؛ إذ كان الأوروبيون يملؤون المناطق الغير معروفة لهم بزخارف ورسوم لا أساس لها من الصحة، وقد ذكر لنا المؤرخون أسماء العديد من الجغرافيون الإغريق أمثال أنكسمندر (611-547) ق.م الذي استطاع رسم خريطة للعالم، وهيكاتيوس الذي عدل خريطة أناكسماندر وألحق بها وصفًا دقيقًا لعالمنا.


الخرائط الرومانية

كانت قد اتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية وكثر عدد الأقاليم والمقاطعات التي تدين شعوبها بالطاعة للقيصر، وهذا الاتساع الغير مسبوق رافقه هجمات متواصلة من البربر والفرس على الإمبراطورية مترامية الأطراف، ومن هنا تحديدًا بات هناك حاجة ماسة لإنشاء شبكة من الطرق تربط عاصمة الإمبراطورية بأقاليمها المختلفة، وعلى هذا ولدت الحاجة لرسم الخرائط، لكن الخرائط الرومانية لم تعتمد المنهج العلمي في الرسم واعتمد المنهج العملي أكثر؛ لأن الخرائط في نظرهم ما هي إلا وسيلة تخدم غرضهم في الحكم والإدارة، فَلم تحتوي على خطوط طول أو دوائر عرض أو حتى رصد فلكي.


الخرائط العربية

امتازت الخرائط العربية باعتمادها الأساليب العلمية الدقيقة لرسمها، فعلى الرغم من اعتقاد العرب أن الخرائط الإغريقية والرومانية احتلت قمة الهرم في مجال صناعة الخرائط، لكنهم لم يَتبعوها دون تدقيق وتمحيص، بل استطاع الرحالة العرب من تفنيد الخرائط لإعادة حساب المسافات وأطوال الدرجات، ما جعلهم يتوصلون إلى نتائج غاية في الدِّقَّة، وقد بلغت جهود العرب في هذا المجال ذروتها في القرن العاشر بكتابات كل من البتاني والمسعودي، واكتملت بكتابات البيروني عن الشرق والإدريسي عن الغرب، وكان محرك العرب الرئيس في مجال تطوير الخرائط واقع حياتهم الذي يعتمد على الترحال، والفتوحات التي قاموا بها، وانتشار الإسلام، والصلاة التي تتطلب عناية بالغة في تحديد القبلة، وفريضة الحج، وازدهار التجارة، والحاجة إلى نظام بريدي قد ولد حاجة لمعرفة الطرق والممالك.


تطور الخرائط الرقمية

الخريطة الرقمية هي خريطة إلكترونية يعتمد تشغيلها على مجموعة من الرُّسُوم المخصصة لها في شكل معلومات إلكترونية، وهي في الأساس بُنيت على حصاد معالجة وتحويل الخرائط الورقية إلى بيانات رسم تسهم في إنتاج الخرائط الرقمية، ولا يتطلب إنشاء خريطة رقمية عالية الجودة مهارات رسم الخرائط فحسب، بل يتطلب أيضًا معرفة وخبرة كافية في مجال الجغرافيا المعلوماتية، فقد شهدت ستينيات القرن الماضي انطلاق العصر الرقمي، ليبدأ معه الجغرافيون في إنشاء خرائط إلكترونية أكثر حداثة ودقة وقابلية للتطوير، مع أنّ البداية كانت ضعيفة وبدائية للغاية، لكنها سرعان ما أنتجت خرائط غاية في الدِّقَّة والأهمية[٣][٤].


هل إشراك النساء في رسم الخرائط يجعلها أفضل؟

مع أنّ مساهمة النساء في رسم الخرائط على مر السنين كانت عظيمة، إلا أن هذا المجال العلمي لطالما هيمن عليه الذكور، لكن إشراك النساء في عملية صناعة الخرائط ينطوي على فائدة كبيرة للمستخدمين، ذلك أنه يجعلها أفضل وأكثر شمولًا، فمن المعروف أن اتخاذ أحد الجنسين غالبية القرارات حول أمر ما يمكن أن ينتج عنه العديد من النِّقَاط العمياء والتحيز المقصود وغير المقصود على حد سواء، لذا فإن إشراك النساء في رسم الخرائط يضمن استفادة كامل المجتمع منها بأقصى درجة ممكنة[٥].

  1. "Cartography", britannica, Retrieved 26/1/2021. Edited.
  2. محمد صبحي عبد الحكيم، علم الخرائط، صفحة 25-1. بتصرّف.
  3. E. Lynn Usery, Dalia E. Varanka (22/5/2018), "The Evolution of Cartography in the Digital Age: From Digitizing Vertices to Intelligent Maps", USGS, Retrieved 26/1/2021. Edited.
  4. "DIGITAL MAPS", emapa, Retrieved 26/1/2021. Edited.
  5. Vincent Varney (19/3/2019), "Why involving women in cartography makes for better maps", here360, Retrieved 26/1/2021. Edited.

فيديو ذو صلة :