محتويات
معنى اليَمّ والفرق بينه وبين البحر
استخدم القرآن الكريم كلمتي البحر واليَمّ في مواضع متشابهة، فتارةً يستخدم اليَمّ وتارةً يستخدم البحر كما في قصة سيدنا موسى مع فرعون، إذ قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 63]، وقال تعالى في موضع آخر: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمّ} [الذاريات: 40]، ويقول أهل اللُّغة إن كلمة اليَمّ تستخدم في العبرانية والسريانية والأكادية، ويَدعم هذا القول استخدام كلمة اليَمّ في القرآن الكريم عند الحديث عن بني إسرائيل، ويلاحظ استخدام القرآن الكريم لكلمة اليَمّ في المواضع التي تدل على وجود الخوف والعقاب، وأمّا كلمة البحر فقد ذُكِرت في المواضع التي فيها خوف وأيضًا في المواضع التي فيها نجاة.
تُستخدم كلمة اليَمّ للدلالة على الماء الكثير مثل النهر الكبير، وتُستخدم أيضًا للدلالة على البحر، وفي اللُّغة العربيَّة يمكن التمييز بين اليَمّ والبحر والنهر، إذ يعد النهر أصغر حجمًا من البحر، واشتق العرب من اليَمّ كلمة (ميموم) للدلالة على الغريق، ولم يشتقوا كلمة بالمعنى نفسه من البحر، وكلمة اليَمّ ليس لها جمع عند العرب، في حين أن كلمة البحر تُجمع فيقال أَبْحُر وبِحَار.[١]
استخدام الكلمات المترادفة في القرآن الكريم
حَسبما صح عن علماء الدين فإن القرآن الكريم لا يحتوي على كلمات مترادفة، وكل كلمة مذكورة فيه مقصودٌ معناها بكل دقة، ولا يُغني وضع أي كلمة من اللُّغة مكانها، ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كلام الله تعالى وهو معجزة بكل معنى الكلمة، ولا مجال للصدفة فيه، فهو الكلام الفصيح المحكم، ويحتوي القرآن الكريم على الكثير من أمثلة البلاغة، والتي نلمسها حتى في أكثر الآيات بساطةً، ومن علماء الدين الذين تحدثوا عن الترادف في القرآن الكريم شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، والذي قال إن الترادف نادر الوجود في القرآن الكريم إن لم يكن معدومًا، ووردت في كتاب الله تعالى أمثلة كثيرة على كلمات يظنها الكثيرون مترادفات ولكنها في الحقيقة تختلف في المعنى، ومن هذه الأمثلة ما يلي: [٢]
- السنة والعام: يَظنُّ الكثيرون أن هاتين الكلمتين لهما المعنى نفسه، ولكن عند التمعُّن في كلام الله تعالى نجد أن المواضع التي ذُكرت فيها كلمة العام تختلف عن المواضع التي ذُكرت فيها كلمة السنة، ونُلاحظ أن كلمة العام وردت في المواضع التي تدل على وجود الرخاء والراحة، في حين أن كلمة السنة وردت في المواضع التي تدل على الشدة والصعوبات، ويَتَّضح ذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، وعند التدقيق في الآية الكريمة نلاحظ ورود الكلمتين في الآية نفسها ما يدل على أن لهما معنيين مُختلفين، فَنفهم أن سيدنا نوح عليه السلام دعا قومة ألف عامٍ كان فيها الشدة والمتاعب ولم ينقص منها إلا خمسين عامًا كان فيها الراحة والرخاء.
- العَمَل والفِعْل: يَظنُّ الكثيرون أن الكلمتين لهما المعنى نفسه، مع أنهما مختلفتين، فالعمل يدل على التريُّث والتأنِّي في الأشياء، والفِعل يعني السرعة في الشيء، ويَشمل العمل أيضًا الأقوال والأفعال، ويقول الزركشي إنّ العمل يدل على ما احتاج إلى وقتٍ ممتد، قال تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71]، ويدل الفعل على ما يحتاج إلى وقت محدود ويتضح ذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].
- الإسْقَاْء والسَّقْي: يَعتقد البعض ألَّا فرق في المعنى بين الكلمتين، ولكن كلمة سَقَى تُشير إلى أن الفعل حدث بسهوله ويُسر دون تكلّف، أما كلمة أَسْقَى فهي تدل على وجود التكلّف.
- الجلوس والقعود: تختلف الكلمتين في المعنى بعكس ما يَظنُّ الكثيرون، وحسب ما ورد عن الزركشي فإن القُعود يدل على المُكوث في المكان والإطالة فيه، ولذلك يقال قواعد البيت لأنها باقية مدة طويلة، أما الجلوس فيدل على عدم المُكوث والإطالة في المكان، فيقال جليس الملك ولا يقال قعيده، لأن مجالس المُلوك لا يُفضّل فيها إطالة البقاء، ومن الفروق الأخرى ما ذكر القيومي حين قال إن القُعود يكون تبعًا للاتجاه من فوق إلى تحت فيقال للواقف اقعد، أما الجلوس فيكون بالاتجاه من تحت إلى فوق فيقال للنائم أو المتكئ اجلس.
مواضع ذكر كلمة اليَمّ في القرآن الكريم
وردت كلمة اليمّ في القرآن الكريم في المواضع الآتية:
- ورد قول اليمّ في قوله تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمّ} [الأعراف: 136]، ويَقصِد الله تعالى في الآية الكريمة فرعون ومن معه، إذ إن الله تعالى انتقم منهم وأغرقهم في اليَمّ، والإغراق يدل على الإلقاء في الماء الكثير الذي لا يترك للغريق مجالًا للنجاة، واليَمّ هنا يدل على النهر العظيم أو البحر، كما دل اللفظ على نهر النيل.[٣]
- ورد أيضًا في قوله تعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمّ} [القصص: 7]، إذ تدل الآية الكريمة على أن الله تعالى أوحى إلى أم موسى إذا خافت عليه من فرعون وجنوده أن تُلقيه في اليَمّ، ويُقال إنها قد تكون خافت عليه وألقته في اليَمِّ بعد الولادة بأشهر.[٤]
- ورد في قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ اليَمّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78]، إذ تَدُل الآية الكريمة على أن فرعون ومن معه من جنود أدركوا سيدنا موسى عليه السلام ومن معه عند اليَمّ، ثم بعدما أصابهم من الماء ما غَطَّى جُزءًا من أجسادهم غرقوا ونَجا موسى عليه السلام ومن معه.[٥]
اللغة العربية
وصلت اللُّغة العربيَّة إلى مراحل متقدمة في الماضي، وانتشرت انتشارًا واسعًا لم يقتصر على حدود الجزيرة العربيَّة بل تَعدَّاها إلى بُلدانٍ كثيرة، وكان انتشارها خارج الجزيرة العربيَّة مُقترنًا بانتشار الإسلام، وتتميز اللُّغة العربيَّة بخصائص زادتها شرفًا ورِفعة، ومنها أنها اللُّغة التي نزل بها كتاب الله عزَّ وجل، قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [يوسف: 2]، وساعد القرآن الكريم في حفظ اللُّغة العربيَّة من خلال زيادة انتشارها بين الأمم التي دخلت في الإسلام، إذ أصبحوا يتعلمون اللُّغة العربيَّة لأنها مُرتبطةٌ بالإسلام، وحَفِظ القرآن اللُّغة عندما رفعها إلى أعلى مرتبة من خلال تزويد اللُّغة بمصطلحات جديدة، كما أن الذكر في العبادات جُعِل باللُّغة العربيَّة فكل المصلين حول العالم ينطقون باللُّغة العربيَّة في صلاتهم وفي أذانهم، واللُّغة العربيَّة لغة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي التُراث الذي يَتباهى به العرب.
تتميَّز اللُّغة العربيَّة بحد ذاتها بكثير من المزايا، فهي واسعةٌ جدًّا، وذكر الشافعي في لسان العرب أنها أوسع اللغات مذهبًا وأكثرها ألفاظًا، وتتميز العربيَّة بالبيان، وهي من اللغات التي لا تتغير بسرعة وتحافظ على أصلها، وهي لغةٌ مرنة، ومن أجمل ما فيها أنها تحتوي على الثالوث اللُّغوي وهو المشترك اللفظي إذ يَدل اللفظ على أكثر من معنى حسب السياق، والترادف وهو أن يدل أكثر من لفظ على معنى واحد، والمتواطئ وهو أن يدل اللفظ على معنيين عكس بعضهما مثل كلمة الجون الذي يدل على اللونين الأسود والأبيض.[٦]
المراجع
- ↑ "ما الفرق بين اليم والبحر في القرآن؟!"، almaany، 26-7-2016، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ سعيد مصطفى دياب (30-3-2016)، "الترادف في القرآن الكريم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير الطبري"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير البغوي"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.
- ↑ د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر، "أبرز الخصائص للغة العربية"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 20-12-2019. بتصرّف.