حكم وقوع الطلاق في الحيض
يُعد طلاق الحائض نوعاً من أنواع الطلاق البدعيّ؛ وهو طلاق الزوج لزوجته في فترة حيضها، وقد اتفق الفقهاء على حرمة طلاق الحائض وإثم فاعله؛[١] وتعددت آراؤهم في حكم وقوع الطلاق في الحيض إلى رأيين؛ الرأي الأول: وقوع الطلاق وثبوته، الرأي الثاني: عدم وقوع الطلاق،[٢] وسنبينهما فيما يأتي:
وقوع الطلاق في الحيض
ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى القول بوقوع الطلاق على الحائض، وهو الرأي الذي أخذت به دائرة الإفتاء الأردنية؛[١] وذلك استناداً إلى أدلة كثيرة؛ سنبيّن بعضها فيما يأتي:[٣]
- الدليل الأول
قال -تعالى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)،[٤] وقال -تعالى-: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)؛[٥] جاءت هذه الآيات للدلالة على وقوع الطلاق مطلقاً بأي حالٍ من الأحوال، ولم يرد نصٌ من القرآن أو السنة في تخصيصها، فتبقى على عمومها الموجب لوقوع الطلاق في أي حالٍ من الأحوال.
- الدليل الثاني
ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه: (أنَّه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ، علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن ذلكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أمَرَ اللَّهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ).[٦][٧]
ووجه الاستدلال في هذا الحديث أنّ النبي الكريم أمر ابن عمر بمراجعة زوجته، ورجوع الزوج لزوجته لا يكون إلا بعد ثبوت الطلاق، ولو أنّ الطلاق لم يقع لكانت الزوجة على عصمة زوجها ولا حاجة لإرجاعها.[٧]
عدم وقوع الطلاق في الحيض
ذهب الظاهرية إلى عدم وقوع طلاق الحائض، وهو ما اختاره ابن تيمية وابن القيم والشوكاني،[٨] واستدلوا بعدّة أدلة، سنذكر بعضها فيما يأتي:[٩]
- ثبت عن النبي الكريم أنّه قال: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ)؛[١٠] والطلاق في الحيض ليس عليه أمر الرسول الكريم فيكون مردوداً.
- إن القول بوقوع الطلاق يخالف مقصود الشارع الحكيم من تقليل عدد الطلقات، والنبي الكريم أمر ابن عمر في الحديث بالطلاق بعد الرجعة فيكون الواقع طلقتين، ويزداد عدد الطلقات في هذه الحالة ولا يقلّ.
- إن النبي الكريم في حديث ابن عمر أمر بالرجعة ولم يسأل عن عدد الطلقات؛ ولو أن طلاق الحائض وقع لسأل عن عدد الطلقات؛ لأن الرجعة لا تباح بعد اكتمال عدد الطلقات.
الحكمة من تحريم الطلاق في الحيض
طلاق الزوج لزوجته في فترة الحيض محرّم؛ وذلك لقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)؛[١١]فطلاق الزوجة يُشرع في الوقت الذي تستطيع فيه أنّ تبدأ بالعدّة، ويوجد حِكم متعددة لتحريم الطلاق في فترة الحيض، سنذكر بعضها فيما يأتي:[١٢]
- الطلاق في الحيض يطوّل فترة العدّة؛ وذلك يُرتب مشقةً وتعباً ويُظهر أثر الطلاق على المرأة؛ لأن قرء الطلاق والطهر الذي يليه لا يُحسب في العدّة عند من يقولون بأنّ القروء هي الحيض، ويجب على المرأة المطلقة في هذه الحالة أن تحسب بعدهما ثلاث حيضات وطهرين لكي تنتهي عدّتها.
- الطلاق في فترة الحيض قد يقع لتغير أحوال المرأة؛ فقد يحصل نفورٌ من الزوج اتجاه زوجته في فترة الحيض، فمُنع الزوج من الطلاق في هذه الفترة لعله بعد انتهاء فترة الحيض عند زوجته عدل عن قرار الطلاق.
المراجع
- ^ أ ب "طلاق الحائض يقع"، داؤ الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2022. بتصرّف.
- ↑ مصطفى العدوي، سلسلة التفسير لمصطفى العدوي، صفحة 13، جزء 48. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 442، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:229
- ↑ سورة البقرة، آية:230
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:5251 ، صحيح.
- ^ أ ب عبد الكريم اللاحم، المطلع على دقائق زاد المستقنع، صفحة 75، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 441، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ عبد الكريم اللاحم، المطلع على دقائق زاد المستقنع، صفحة 76، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1718، صحيح.
- ↑ سورة الطلاق، آية:1
- ↑ عبد الكريم اللاحم، المطلع على دقائق زاد المستقنع، صفحة 74، جزء 3. بتصرّف.