الشكوى لله وحده

ابتلاء الدنيا

خلق الله تعالى الإنسان لغاية سامية، وهي عبادته عز وجل وحده وعدم الشرك به، وطاعته والبعد عن معصيته، ولما كانت الحياة الدنيا رحلة فناء ورحلةً مؤقتةً، كان الإنسان فيها مجبرًا على الابتلاءات، والضغوط، والضرر، والتعرض للظلم والمتاعب، وكان واجبًا عليه الصبر عليها، والصبر في مفهومه هو عدم التذمر والشكوى للناس من قضاء الله، بل الشكوى لله وحده والإقبال عليه.


الشكوى لله وحده

تُعرف الشكوى لله على أن العبد يرفع حاجته إلى الله ويقبل عليه، ويطلبه، ويشكو إليه، ويدعوه وينيب إليه، وذلك إذا ألمّت به حاجة، وطرأ عليه طارئ وصعب عليه حال من أمور الدنيا، وهذا ما هو واجب وما يوافق الصبر ويجاريه، أما ما لا يجوز فهو أن يشتكي العبد للخلق من الخالق ضيق حاله وهوان أمره، فهذا ينافي الصبر ولا يوافقه، ولا ينفع الإنسان؛ لأن الأمر كله بيد الله تعالى الذي أعرض عن الشكوى له، والشكوى لله تعالى كانت من أمر الأنبياء أيضًا؛ ففي قول سيدنا يعقوب عليه السلام حينما شكا أمر حزنه لله في قوله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ..)[يوسف: 86]، كما أن سيدنا أيوب عليه السلام قد قال: "مسّني الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الراحمين"، وسيدنا نوح شكى لله من قومه حتى عاقبهم الله، وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين أخبر الناس بدعاء كشف الهم والغم والحزن في قوله: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك وعدل فيّ قضاؤك...أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني..) [الجواب الكافي:صحيح]، فالله تعالى يعلم بحزن يعقوب ويعلم بضر أيوب، ويعلم بقوم نوح، ويعلم بما مر به سيدنا محمد، ولكن الأنبياء مع ذلك أقبلوا على الله يشكون له ويخبرونه عسى أن يلطف بهم ويرحمهم[١].


فوائد الإقبال على الله تعالى بدلًا من الناس

إن الشكوى لله تعالى والتضرع والتوجه له من تمام عبودية الإنسان، وصدق توكله على الله، وتأكيد لحاجته الدائمة له، كما أن لها بعض الفوائد[٢][٣]:

  • غنى العبد عن سؤال الناس والتذلل لهم؛ فالله تعالى هو خالق الجميع، وهو مدبر أمورهم، ولا يستطيع أحد صرف شر أو منح خير دون إذن الله تعالى، فالأولى دائمًا طلب الله تعالى.
  • تَقرُّب العبد من ربه، وجعل صلة دائمة بينهما لشكره على النعم، والشكوى له عند الضر واستغفاره.
  • إجابة الدعوة وقضاء الحوائج؛ فقد أخبرنا الله تعالى بذلك في كتابه الكريم في قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].

يجب الانتباه إلى أن الشكوى للناس ليست جميعها غير جائزة؛ فبعض الشكوى قد تكون بقصد طلب المساعدة والعون من أهل الاختصاص، وأهل العلم، وأهل القدرة، فقد تفيد العبد وتزيل عنه الضرر، أما إن كانت دون حاجة فهي مكروهة والأفضل أن يتجنبها المسلم.


المراجع

  1. "كيف تكون الشكوى إلى الله تعالى وحده"، الغسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019.
  2. "فقه الشكوى"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019.
  3. "أحوال الشكوى إلى المخلوق وحكم مقولة الشكوى لغير الله مذلة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2019.

فيديو ذو صلة :