مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي

مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي

علم النفس الاجتماعي

إن علم النفس الاجتماعي Social psychology هو أحد فروع علم النفس، إذ إنه يرتكز على وضع السلوك الاجتماعي للأفراد تحت مجهر الدراسة؛ ويخص بالذكر السلوك الاجتماعي البشري بالرغم من خضوع الأنشطة الحيوانية أحيانًا للدراسة، إذ إنّ هدفه هو بناء مجتمع أفضل يستوعب سلوك الجماعة والفرد بغية إيقاف الصراعات بين الجماعات العرقية مثلًا أو تقديم المشورات المثالية بتربية الأطفال ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض العقلية.


من الممكن أن يُعرّف علم النفس الاجتماعي بمعنى آخر وهو الدراسة العلمية للإنسان ككيان اجتماعي بالاعتمادِ على الاستبيانات والمقابلات وغيرها من طرق جمع البيانات، إذ إن هذا العلم يهتم في الخصائص النفسية، بالإضافة إلى التأثيرات المتبادلة بين الأفراد، ويسلط علماء النفس الضوء على تلك الطرق التي يؤثر بها الأشخاص بالآخرين من حيث السلوك والعاطفة والفكر، إذ يهدف هذا الاهتمام إلى كشف الستار عن المفاهيم الضرورية التي تتطلبها أساليب البحث، ومن هنا سنتحدث في هذا المقال عن مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي ومكوناته[١][٢][٣].


مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي

تُعرف مناهج البحث بأنها الأساليب والطرق المستخدمة من قِبل علماء النفس من أجل جمع البيانات اللازمة للوقوف على الأسباب الكامنة خلف مشاركة الأفراد في المجتمع بعض السلوكيات والمواقف الاجتماعية المختلفة؛ وبالتالي دراسة السلوك الاجتماعي وإخضاعه للتجارب والنظريات للوصول في نهاية المطاف إلى نتائج مرضية حول حقيقة العلاقة بين المتغيرات في الدراسة، وتهدف هذه المناهج إلى معرفة العوامل التي ينتج عنها السلوك الاجتماعي، وتتمثل مناهج البحث في علم النفس الاجتماعي بما يلي[٤]:

  • المنهج التجريبي (Experimental research): وهو المنهج الذي يعتمد على التجربة في توضيح العلاقة السببية بين المتغيرات الخاضعة للدراسة، وتختار فيه العينات أو المتغيرات عشوائيًّا وذلك من خلال:
    • مجموعة الضبط، إذ يكون تأثير المتغيرات أقل منه بالطرق الأخرى، فيحافظ أفراد المجموعة على الطبيعة الأساسية لها.
    • مجموعة التجريب، تتمثل بإخضاع المتغيرات المستقلة للمعالجة ثم قياس درجة التأثر من قِبل الباحثين.
  • المنهج الوصفي (Descriptive Research): يعد أكثر منهج يناسب الواقع الاجتماعي؛ وذلك لأنه يشمل الواقع بكل أبعاده؛ ويمكن القول بأنه منهج أو مسح متخصص في استقطاب المعلومات الدقيقة حول رأي أفراد مجتمع ما حول قضية اجتماعية معينة، ومن أبرز ما يدرج تحت المنهج الوصفي:
    • الدراسات الاستقصائية: وهي النوع الأكثر شيوعًا واستخدامًا بين أدوات المنهج الوصفي، وترتكز على استطلاع الرأي العام وإعداد التقارير من خلال تحفيز الأفراد على ملء استبيانات توضح آراءهم تجاه قضية ما.
    • المراقبة الميدانية: وهي أسلوب يعتمد على رصد ردود أفعال الأفراد في المجتمع وسلوكياتهم ووصفها بدقة دون زيادة أو نقصان للوصول إلى معلومات دقيقة حول السلوك الاجتماعي البشري إزاء قضية ما.
  • المنهج المقارن (Correlational Research): ويعرف أيضًا باسم البحث التلازمي، إذ تُدرَس في المنهج المقارن وجوه الاختلاف والتشابه بين دراستين أو مشكلتين ترتبطان بعلاقة وثيقة مع السلوك الاجتماعي البشري، كما أنها تدرس تطور ونمو الأنماط الشخصية المتعددة والمختلفة، ومن الأمثلة على ذلك دراسة أثر البرامج التي تبث العنف والعدوان عبر وسائل الإعلام، وتسليط الضوء على سلوك الأطفال فيما إذا كانت قد تأثرت بهذه البرامج أم لا في الحياة الطبيعية واليومية.


تاريخ علم النفس الاجتماعي

فيما يأتي ذكر لأأبرز محطات تاريخ علم النفس الاجتماعي[٥]:

  • برزت فكرة علم النفس الاجتماعي لدى الفلسوف أرسطو، إذ كان يعتقد بأن البشر يتصفون بطبيعة اجتماعية لضمان التأقلم معًا والعيش بنجاح، أما أفلاطون فقد كان يشعر بدوره على أن المسؤولية الاجتماعية التي يعيشها الفرد يكتسبها بحكم خضوعه للدولة.
  • وضع الفيلسوف هيجل تعريفًا واضحًا لهذا العلم في الفترة الزمنية الواقعة بين عام 1770 للميلاد وعام 1831 للميلاد، إذ أشار إلى أن المجتمع يمتلك ارتباطات وعلاقات حتمية بين الأفراد تسهم في تطور العقل الاجتماعي لديهم وبالتالي تحقيق فكرة التفكير الجماعي.
  • أتى الفيلسوفان لازاروس وستينثال بتفاصيل حول تأثيرات ما يُعرف بنمط الأنجلو الأوروبي في سنة 1860 للميلاد، إذ تسلط الضوء على فكرة العقل الجماعي التي تتطور تحت تأثير الثقافات المجتمعية السائدة، كما أنها وسيلة فعالية في التشجيع على تطبيق فكرة التفكير الاجتماعي.
  • حرص الفيلسوف وندت على التشجيع ضرورةِ الدراسة المنهجية للغة وتوضيح مدى تأثيرها على الأفراد في المجتمعات في الفترة الواقعة ما بين عام 1900 للميلاد وعام 1920 للميلاد.
  • نُشِر أول كتاب في سنة 1908 للميلاد عُرف باسم "مقدمة في علم النفس الاجتماعي" لمؤلفه الطبيب ماكدوغال، وقد ضمّت العديد من الصفحات نصوصًا تسلط الضوء على علم النفس الاجتماعي.
  • بدأ عالم النفس ألبورت بتوضيح معالم السلوك الاجتماعي الناجم عن العلاقات والصلات بين الأفراد في سنة 1924 للميلاد، وأشار إلى أن علم النفس الاجتماعي هو حقل من الحقول العلمية التي تدرس سلوك الفرد المؤثر بالآخرين والمحفز لهم، فيكون بذلك رد فعل بحد ذاته.
  • ألّف المهندس مورفي كتابًا يتألف من 1000 دراسة تختص في علم النفس الاجتماعي، وذلك في الفترة الواقعة ما بين عام 1931 للميلاد وعام 1937 للميلاد.
  • بذل عالم النفس كلاينبرج قصارى جهده بالبحث عن التفاعل والتأثير بين تنمية الشخصية والتفاعلات الاجتماعية، وذلك في سنة 1940 للميلاد.
  • ازدادت أعداد الدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا السياق بنسبة كبيرة جدًّا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فأصبح السلوك الإنساني محط اهتمام علماء النفس.
  • بدأ ظهور العديد من الموضوعات المستحدثة في سياقٍ أوسع؛ فظهر التصور الاجتماعي والسلوك الاجتماعي المنسوب وصنع القرارات وغيرها.


أبرز روّاد علم النفس الاجتماعي

برزت كوكبة من كبار علماء النفس في مجال علم النفس الاجتماعي، ومنهم[٥]:

  • عالم النفس الأمريكي جوردون ألبورت، صاحب فكرة "المجموعة الاجتماعية" التي أكد فيها أن العلاقات الاجتماعية تحسن أداء سلوك معين لدى الفرد، فيكون قادرًا على إتقان المهام السهلة والشائعة بين الأفراد، وهو صاحب فكرة "التيسير الاجتماعي" سنة 1920 للميلاد.
  • عالم النفس الاجتماعي ليون فستنغر، كشف الستار عن مشكلة الشعور بانعدام الراحة عند وجود اختلاف ملموس بالأفكار والإدراك والمواقف والسلوكيات، وفكر مليًّا بضرورة الحد من هذا الشعور المزعج مع الحرص على تسيير الأفكار وتنسيقها بما يتماشى مع الآراء الأخرى قدر الإمكان تحت نظرية أو فرضية التعرض الانتقائي.


محاور علم النفس الاجتماعي

يدرس علماء النفس الاجتماعي في أبحاثهم العديد من الموضوعات التي ترتبط بالتأثير والإدراك والتفاعل الاجتماعي، وفيما يأتي بعض المجالات الرئيسية التي يتناولها علم النفس الاجتماعي[٦]:

  • الإدراك الاجتماعي: يرتكز الإدراك الاجتماعي على معالجة المعلومات الاجتماعية وتخزينها وتطبيقها، ويرتبط هذا المجال البحثي ارتباطًا وثيقًا بمجال علم النفس المعرفي، وهو مجال بحث يرتكز لحد كبير على مفهوم المخططات، التي تُعبِّر عن أفكارنا العامة حول العالم وكيفية سير الأمور وعمل الأشياء، إذ تسمح لنا هذه الاختصارات العقلية بالعمل باستمرار لتفسير كل شيء من حولنا وتطوير الارتباطات بين المخططات ذات الصلة، التي تلعب دورًا مهمًا في عملية التفكير والسلوك الاجتماعي.
  • المواقف وتغيير المواقف: يتضمن هذا المجال دراسة المواقف، إذ يهتم علماء النفس الاجتماعي بمكونات المواقف وكيفية تطورها وتغيرها، وقد وصف الباحثون ثلاثة مكونات أساسية للموقف: (مكون فعال، ومكون سلوكي، ومكون إدراكي)، ويشار إليها باسم أبجديات المواقف غالبًا، إذ تصف هذه العناصر كيفية الشعور والتصرف والفهم.
  • العنف والعدوان: يهتم علماء النفس الاجتماعي بدراسة أسباب وكيفية مشاركة الناس في العنف والعدوان أو التصرف بشدة وغلظة، ويبحثون العديد من العوامل التي قد تدفع للعدوان بما في ذلك المتغيرات الاجتماعية والتأثيرات الإعلامية، وينظر الباحثون غالبًا إلى الدور الذي يلعبه التعلم الاجتماعي في إنتاج سلوكيات وأفعال عدوانية.
  • السلوك الاجتماعي الإيجابي: تنطوي السلوكيات الاجتماعية على المساعدة والتعاون، ويبحث علماء النفس الاجتماعي في هذا المجال عن سبب مساعدة الناس للآخرين أو سبب رفضهم للمساعدة أو التعاون في بعض الأحيان، وقد كان الدافع وراء كثير من الأبحاث في هذا المجال هو قتل امرأة شابة تُدعى كيتي جونوفيسس، إذ استحوذت هذه القضية على اهتمام وطني كبير وذلك حين أظهرت التقارير أن الجيران شهدوا هجومها وقتلها، لكنها فشلت في الاتصال بالشرطة لطلب المساعدة، وأظهرت البحوث المستوحاة من القضية معلومات كثيرة عن السلوك الاجتماعي الإيجابي وكيفية وسبب اختيار الناس أو رفضهم مساعدة الآخرين أحيانًا.
  • التحامل والتمييز: يوجد التحيز والتمييز والقوالب النمطية في أي فئة اجتماعية، ويهتم علماء النفس الاجتماعي بأصول هذه الأنواع من المواقف والتصنيفات الاجتماعية وأسبابها وتأثيراتها، وكيفية تطور التحيز وسبب المحافظة على القوالب النمطية في وجه الأدلة المخالفة، إذ يسعى علماء النفس الاجتماعي إلى الإجابة على تلك الأسئلة.
  • الهوية الذاتية والاجتماعية: يدرس علماء النفس الاجتماعي تصورات الأفراد عن الهويات الاجتماعية وعن أنفسهم، وكيفية تأثير هذه التصورات الذاتية على التفاعلات الاجتماعية ومعرفة المزيد عن كيفية تأثير الحياة الداخلية على الحياة الخارجية والعالم الاجتماعي، والتي تتضمن المواقف ومفهوم الذات واحترامها والتعبيرعنها، وغيرها من العوامل التي تؤثر على التجربة الاجتماعية.
  • سلوك المجموعة: يدرك معظم الناس أن الجماعات تميل للتصرف تصرفًا مختلفًا عن الأفراد، وتكون هذه السلوكيات الجماعية مفيدةً وإيجابيةً في بعض الأحيان أو ضارةً وسلبيةً أيضًا، إذ يبحث علماء النفس الاجتماعي موضوعاتٍ مثل ديناميات المجموعة والقيادة واتخاذ القرارات الجماعية والصراعات والتعاون ونفوذ المجموعة.
  • التأثير الاجتماعي: يهتم علماء النفس الاجتماعي بالدور الذي يلعبه التأثير الاجتماعي في السلوك واتخاذ القرارات، ويدرسون موضوعاتٍ مثل علم النفس والإقناع وضغط الأقران والمطابقة والطاعة، ويساعد البحث في الكشف عن قوة التأثير الاجتماعي واكتشاف طرق لمساعدة الناس على مقاومة التأثير.
  • العلاقات الشخصية: يدرس علماء هذا المجال كيفية تأثير العلاقات الشخصية على الأفراد من خلال النظر إلى الارتباط والشوق والحب والجاذبية، ومدى تأثير العلاقات الوثيقة على الأفراد، ومدى أهمية العلاقات الشخصية، ومسببات الجاذبية، إذ تلعب العلاقات الاجتماعية دورًا رئيسيًا في تشكيل السلوك والمواقف والمشاعر والأفكار.


المراجع

  1. Michael Argyle (17-2-2016), "Social psychology"، britannica.com, Retrieved 15-11-2019. Edited.
  2. Vlad-Petre Glăveanu, "Research Methods in Social Psychology: A Comparative Analysis"، ejop.psychopen.eu, Retrieved 15-11-2019. Edited.
  3. Rajiv Jhangiani, "Research Methods in Social Psychology"، nobaproject.com, Retrieved 15-11-2019. Edited.
  4. Kendra Cherry (24-9-2019), "How Social Psychologists Conduct Their Research"، verywellmind.com, Retrieved 15-11-2019. Edited.
  5. ^ أ ب Saul McLeod, "Social Psychology"، simplypsychology.org, Retrieved 15-11-2019. Edited.
  6. kendra cherry (23-7-2019), "The 9 Major Research Areas in Social Psychology"، very well mind, Retrieved 13-8-2019. Edited.

فيديو ذو صلة :