محتويات
ظاهرة الاحتباس الحراري
تناوب على الأرض طوال تاريخها الطويل فترات زادت فيها درجة حرارتها أو قلّت، إذ يتغير المناخ تبعًا لتغيرات في طاقة الشمس نفسها أو كمية أشعة الشمس التي تتلقاها الأرض؛ بسبب تغيرات طفيفة في مداره أو تغيرات في الغلاف الجوي أو السطح، وفي القرن الماضي بدأت قوة أخرى تؤثر على مناخ الأرض وهو النشاط البشري.
ويعرف الاحتباس الحراري العالمي بالزيادة السريعة وغير المعتادة في متوسط درجة حرارة سطح الأرض على مدار القرن الماضي، إذ يرجع ذلك إلى غازات الدفيئة الصادرة عن النشاط الإنساني، وشهدت الأرض في الماضي تغيرًا في المناخ بسبب أسباب طبيعية لا علاقة لها بالنشاط البشري، لكن تأثيرها صغير جدًا أو يحدث ببطء شديد بالمقارنة مع الاحتباس الحراري الحاصل في العقود الأخيرة؛ إذ ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض من 0.6 - 0.9 درجة مئوية خلال الفترة بين 1906-2005، وتضاعف معدل الزيادة في درجة الحرارة تقريبًا في الخمسين عامًا الماضية، ومن المؤكد أن درجات الحرارة سوف تستمر بالارتفاع بسبب الاستهلاك المتزايد للوقود الأحفوري في العالم، بالتالي فإن تركيزات غازات الدفيئة ستستمر في الارتفاع، وترتفع معها متوسط درجة حرارة سطح الأرض إذ إنه من المتوقع أن تزداد بمقدار درجتين مئويتين إلى ست درجات مئوية بنهاية القرن الحادي والعشرين.
ويعد تأثير الاحتباس الحراري أكبر بكثير من مجرد ارتفاع درجات الحرارة، إذ يغير من أنماط هطول الأمطار، ويزيد من تآكل السواحل، ويطيل موسم النمو في بعض المناطق، ويذوب أغطية الجليد والأنهار الجليدية، ويغير نطاقات بعض الأمراض المعدية، وبعض هذه التغييرات تحدث حاليًا بالفعل[١].
أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري
خلص العلماء إلى أن الزيادة السريعة في متوسط درجات الحرارة لا يمكن تفسيره بالعوامل الطبيعية وحدها، إذ إنّ الطريقة الوحيدة لتفسير هذه الظاهرة تضمن تأثير غازات الدفيئة المنبعثة من النشاطات البشرية، ونذكر هنا بعض غازات الدفيئة الرئيسية ومصادرها[٢]:
- ثاني أكسيد الكربون: يعد غاز الدفيئة الرئيسي والمسؤول عن حوالي ثلاثة أرباع الانبعاثات الحرارية، ويمكن أن يبقى في الغلاف الجوي لآلاف السنين، وتأتي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حرق المواد العضوية مثل الفحم والنفط والغاز والخشب والنفايات الصلبة.
- الميثان: يطلق غاز الميثان من مدافن النفايات والغاز الطبيعي وصناعات البترول والزراعة خاصة من جهاز الهضم لحيوانات الرعي، ويعد المكون الرئيسي للغاز الطبيعي، ويبقى جزيء الميثان في الغلاف الجوي حوالي 12 عامًا، ويمثل ما نسبته 16% من غازات الدفيئة.
- أكسيد النيتروز: يحتل أكسيد النيتروز حصةً صغيرةً نسبيًا من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية تقدر ب6%، ويعد أقوى من ثاني أكسيد بـ 264 مرة، ويتجاوز عمره في الغلاف الجوي قرنًا، وتعد الزراعة والثروة الحيوانية بما في ذلك الأسمدة وحرق المخلفات الزراعية، والوقود المحترق أكبر مصادر انبعاثات أكسيد النيتروز.
- الغازات الصناعية: تمثل الغازات المفلورة مثل مركبات الهيدروفلوروكربون، وسداسي فلورايد الكبريت، وثلاثي فلوريد النيتروجين حوالي 2% من غازات الدفيئة، وتفوق قوتها ثاني أكسيد الكربون بآلاف المرات، وتبقى في الجو لمئات آلاف السنين، وتستخدم في الصناعة كمبردات ومذيبات، أو تنتج أحيانًا كمركبات ثانوية من العمليات الصناعية.
- غازات أخرى: وتشمل بخار الماء والأوزون.
الآثار الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري
يتوقع خبراء المناخ أن درجة حرارة الأرض سترتفع بمقدار ثمان درجات فهرنهايت بحلول عام 2100 ميلادي، إذا استمرت الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة في مسيرتها الحالية، وسيؤدي هذا الارتفاع الصغير الى عواقب وخيمة، إذ إنّ بعضها أصبح واضحًا بالفعل على الحياة وجميع الأنظمة البيئة، ونذكر هنا بعض آثار الاحتباس الحراري العالمي، ومنها[٣]:
- الآثار على التنوع البيولوجي: تؤدي زيادة درجات الحرارة والاضطرابات المناخية في دورات تكاثر النبات، إذ إنّ ندرة الموارد وتغير المناخ يغيران عادات الحياة ودورات هجرة الحيوانات، ويشهد العالم ارتفاع متوسط الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، ويعرض 20 - 30٪ من الأنواع الحية لخطر الانقراض وفقًا لتقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بدراسة تغير المناخ.
- الآثار على الطقس: يراقب علماء الأرصاد الجوية وعلماء المناخ حول العالم منذ عقود وحتى الآن تأثيرات الاحتباس الحراري على ظواهر الطقس، وبعض الآثار الآخرى كالجفاف وموجات الحر، والعواصف، ووزيادة الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف وحرائق الغابات، وغيرها الكثير.
- الآثار على المحيطات: يذوب الجليد الدائم والثلج على نطاق واسع في القطبين بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل لم يسبق له مثيل إذ إنّه خلال قرن واحد وصلت الزيادة إلى 18 سم، ومن المتوقع زيادة مقدار الارتفاع ليصبح واحد متر بحلول عام 2100 ميلادي، والزيادة في كمية ثاني أكسيد الكربون داخل المحيطات تجعلها حمضيةً أكثر إذ يؤثر على قدرة تكييف بعض الكائنات الحية مثل الصدف أو الشعاب المرجانية.
- الآثار على الإنسان: لا ينجو الإنسان من آثار الاحتباس الحراري إذ إن تغير المناخ يؤثر على الاقتصاد العالمي، إذ يحدث خلل في التوازنات الاجتماعية والصحية والسياسية في أجزاء كثيرة من العالم، ويؤدي لتكوين نزاعات جديدة بسبب ندرة الموارد مثل الغذاء والطاقة، ويزيد من نسب الهجرة بسبب ارتفاع منسوب البحر والفيضانات إذ يقدر عدد لاجئي المناخ بحلول عام 2050 بـ 250 مليون شخص.
الحلول الممكنة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري
تتمثل مشكلة الاحتباس الحراري في المقام الأول بازدياد نسبة غازات الدفيئة الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز، ولا يوجد حل واحد وحيد للمشكلة إذ إنّ التقنيات والطرق الموضحة أدناه كلها ضرورية لخفض انبعاث هذه الغازات بنسبة 80% على الأقل بحلول منتصف القرن، وهي[٤]:
- تعزيز استخدام موفرات الطاقة: تعد الطاقة المستخدمة في تشغيل وتدفئة وتبريد المنازل والشركات والصناعات أكبر مساهم منفرد في ظاهرة الاحتباس الحراري، وتتيح تقنيات توفير الطاقة استخدام طاقة أقل للحصول على نفس المستوى من الإنتاج والخدمات والراحة، وتساعد هذه الطريقة في توفير كل من الطاقة والمال، ويمكن نشرها بسرعة.
- النقل الأخضر: زادت انبعاثات قطاع النقل بوتيرة أسرع من أي قطاع آخر يستخدم الطاقة خلال العقد الماضي، وتوجد مجموعة متنوعة من الحلول المتوفرة، مثل تحسين كفاءة جميع وسائط النقل، والتحول إلى الوقود منخفض الكربون، وتقليل الأميال التي تنقلها المركبات عبر النمو الذكي وأنظمة النقل الجماعي.
- استخدام مصادر الطاقة المتجددة: تتعدد مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية حول العالم، وأظهرت دراسات متعددة أن الطاقة المتجددة لديها القدرة التقنية لتلبية الغالبية العظمى من احتياجات العالم من الطاقة، وتميز بسهولة نشرها وتطبيقها، وتتسم بفعالية متزايدة من حيث التكلفة، وخلق فرص عمل مع تقليل التلوث البيئي.
- التخلص التدريجي من كهرباء الوقود الأحفوري: يعد التقليل من استخدام الوقود الأحفوري وخاصةً الفحم لاحتوائه على الكربون أمرًا ضروريًا للتصدي لتغير المناخ، وتوجد العديد من الطرق لتطبيق ذلك، وتشمل خطوات عمل رئيسية،ومنها:
- عدم بناء أي محطات توليد طاقة جديدة تعمل على حرق الفحم.
- البدء في إيقاف تشغيل مصانع الفحم تدريجيًا بدءًا من الأقدم والأكثر تلويثًا للبيئة.
- التقاط وتخزين انبعاثات الكربون من محطات الطاقة؛ إذ يبدو الأمر كأنه خيال علمي، إلا إنه توجد تكنولوجيا لتخزين انبعاثات الكربون تحت الأرض، لم تُنشر هذه التقنية على نطاق واسع أو ثبت أنها آمنة ودائمة، لكنها أُثبتت في سياقات مثل استخراج النفط والغاز الطبيعي.
- إدارة الغابات والزراعة: تمثل إزالة الغابات المدارية والانبعاثات الناتجة عن الزراعة حوالي 30% من مجموع غازات الاحتباس الحراري في العالم، ويمكننا مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري عن طريق الحد من إزالة الغابات وتدهورها، وجعل ممارسات إنتاج الغذاء أكثر استدامة.
- استكشاف الطاقة النووية: تؤدي الطاقة النووية لانبعاث عدد قليل من غازات الاحتباس الحراري، وزيادة حصة الطاقة النووية في مزيج الطاقة المستخدمة يساعد في تقليل الاحتباس الحراري، وتتمثل مشكلة التكنولوجيا النووية بتشكيل تهديدات خطيرة على الأمن والصحة والبيئة العالمية.
- تطوير ونشر تكنولوجيا جديدة منخفضة أو عديمة الكربون: يعد البحث والتطوير في الجيل التالي من التقنيات منخفضة الكربون أمرًا بالغ الأهمية؛ إذ يخفض من نسبة انبعاث غازات الدفيئة كثيرًا، ويمكن أن توفر الأبحاث الحالية حول تكنولوجيا البطاريات، والمواد الجديدة للخلايا الشمسية، وتسخير الطاقة من مصادر جديدة مثل البكتيريا والطحالب وغيرها من المجالات المبتكرة طفرات مهمة في مشكلة الاحتباس الحراري .
- ضمان التنمية المستدامة: تختلف بلدان العالم في مساهماتها في مشكلة تغير المناخ وفي مسؤولياتها وقدراتها على مواجهتها، ويجب أن يشمل الاتفاق العالمي الناجح بشأن تغير المناخ المساعدة المالية من البلدان الغنية إلى البلدان الأكثر فقرًا؛ لمساعدتها في الانتقال إلى استخدام التقنيات منخفضة الكربون، والتكيف مع آثار تغير المناخ.
المراجع
- ↑ Holli Riebeek (3-6-2010), "Global Warming"، earthobservatory.nasa.gov, Retrieved 17-11-2019. Edited.
- ↑ CHRISTINA NUNEZ (13-5-2019), "Carbon dioxide levels are at a record high. Here's what you need to know."، nationalgeographic, Retrieved 17-11-2019. Edited.
- ↑ "SOLUTIONS TO GLOBAL WARMING How to stop climate change?", solarimpulse, Retrieved 17-11-209. Edited.
- ↑ "Solutions to Global Warming", climatehotmap, Retrieved 17-11-2019. Edited.