محتويات
اكتئاب ما بعد الولادة وأسبابه
يمكن أن تؤدي ولادة طفل جديد إلى الشعور بمزيج من المشاعر المتداخلة، مثل الفرح والقلق والإثارة، كما يمكن أن تؤدي أيضًا إلى الاكتئاب، الذي يسمّى اكتئاب ما بعد الولادة، والتي يخلط البعض بينه وبين اكتئاب النّفاس؛ إذ إنّ اكتئاب النّفاس يصيب معظم الأمّهات الجدد بعد الولادة، ويبدأ غالبًا أثناء أول 3 أيام من الولادة وقد يستمر إلى أسبوعين، ومن أعراضه اضطراب في المزاج، والشعور بالقلق والحزن غير المبرّر، والتحسّس الزائد، بالإضافة إلى ضعف في التركيز، ومشاكل في الشهية والنوم أيضًا[١].
أمّا اكتئاب ما بعد الولادة فإنّ أعراضه أكثر حدّة، وتستمر لمدة أطول لدرجة أنّها يمكن أن تؤثر على علاقة الأم بطفلها وعلى حياتها اليومية عامّةً، وغالبًا تبدأ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بالظهور في الأسابيع الأولى من الولادة، ومن أعراضه الشائعة ما يأتي:
- تقلبات مزاجية حادة.
- البكاء المُفرط.
- مواجهة صعوبة في تقبّل الطفل والانسجام معه.
- تجنّب التعامل مع العائلة والأشخاص المحيطين.
- فقدان الشهية أو زيادتها أكثر من المعتاد.
- عدم القدرة على النوم أو النوم لفترات طويلة.
- التعب الشديد وفقدان الطاقة.
- انخفاض الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة المعتاد الاستمتاع بها.
- التحسّس الشديد والغضب.
- شعور المرأة أنّها ليست أمًّا جيدة.
- الشعور باليأس.
- الشعور بانعدام القيمة، أو الذنب، أو النقص.
- انخفاض القدرة على التفكير السليم والتركيز وعدم القدرة على اتّخاذ القرارات.
- القلق الشديد ونوبات الهلع.
- أفكار سلبية تتضمن إيذاء النفس أو الطفل.
- الأفكار المتكررة عن الموت أو الانتحار.
ومن الممكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة، إذا لم يُعالج، لعدّة أشهر أو أكثر.
أسباب اكتئاب ما بعد الولادة
لا يوجد سبب واحد مباشر لاكتئاب ما بعد الولادة، لكن للمشكلات العاطفية والجسدية دور في ظهور الأعراض، إلى جانب مجموعة الأسباب التالية[١]:
- التغيّرات الفيزيائية التي تحدث للمرأة بعد الولادة؛ إذ يمكن أن يلعب الانخفاض الكبير في هرموني الإستروجين والبروجسترون في الجسم دورًا كبيرًا في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، وقد تنخفض أيضًا بعض الهرمونات الأخرى التي تُنتجها الغدة الدرقية للغاية، ممّا يؤدي إلى شعور الأم بالإرهاق، اليأس والاكتئاب.
- المشاكل العاطفية؛ يؤدي الإرهاق والحرمان من النوم بعد الولادة إلى صعوبة في التعامل مع أبسط المشكلات، ممّا يُصيب الأم بالقلق حيال قدرتها على الاهتمام بطفلها الجديد، أو قد تشعر بأنّها أصبحت أقل جمالًا وجاذبيّة، أو أنّها لم تعد قادرة على السيطرة على حياتها، ويمكن أن تساهم هذه المشكلات بالإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
إنّ اكتئاب ما بعد الولادة ليس خللًا أو ضعفًا في الشخصية، بل هو مجرّد ردّة فعل بسبب بعض نتائج ومضاعفات الولادة، وعلى المرأة طلب العلاج الفوري إذا وجدت أنّها تحتاج إلى ذلك، لتساعد نفسها في إكمال حياتها الطبيعية ورعاية طفلها الجديد.
قصص واقعية لحالات تخطت اكتئاب ما بعد الولادة
يوجد الكثير من القصص الواقعية لأمّهات أُصبنَ باكتئاب ما بعد الولادة، واستطعن بإرادتهنّ تجاوزها والعودة إلى حياتهنّ اليومية، ومن هذه القصص ما يأتي[٢]:
قصة الفتاة إيلين
تقول إيلين: "أنجبت طفلي الأول كولين عندما كان عمري 18 سنة، وتزامن ذلك مع فقداني لِسمعي، ممّا أشعرني بالإحباط والتوتر، ولم أكن قادرة على إرضاع ابني رضاعة طبيعيّة، ممّا زاد من شعوري بالذنب والسوء، ولم أجد من يساعدني في هذا الوقت العصيب، فوالدايّ كانا مشغولان بعملهما، وحتى زوجي كان مشغولًا بعمله للغاية، ووجدت نفسي وحيدة مع طفلي الصغير، أشعر بالخوف والارتباك، ولم يخطر لي أنّ هذه هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، لأنّي كنتُ أربط كل ما يحدث معي بفقداني لِسمعي، وأنّه لا علاقة لطفلي بما أمرُّ به، لكن للحظة شعرتُ بأنّني بحاجةٍ إلى المساعدة، فحالتي أصبحت تزداد سوءًا، فطلبتُ مساعدة زوجي حتى أستطيع تخطّي كل المشاعر السلبيّة التي أشعر بها، وبالفعل عدتُّ إلى ممارسة حياتي اليومية، والاعتناء بنفسي وبطفلي وبزوجي، إذ أحيانًا نحتاج فقط لأحد نثق به في حياتنا حتى يسندنا في محنتنا ونتجاوز المشكلات".
ثم تُكمل إيلين قائلة: "لم يمضِ وقت طويل حتى حملتُ مرّةً أخرى، وأنجبت طفلتي فيفيان، وبعد ولادة طفلتي بدأتُ أشعر بقلقٍ شديد، يزداد يومًا بعد يومًا بسبب عدم قدرتي على النوم، وأصبحتُ حزينة مرّةً أخرى، وازداد حزني وشعوري بالعجز عند عدم قدرتي على إرضاع طفلتي الصغيرة، وبدأ اهتمامي بنفسي وصحّتي ينخفض، وبدأ الأمر يزداد سوءًا، إلى أن ذهبتُ إلى طبيبٍ مختص أعطاني وصفة طبية مضادة للاكتئاب، وبمجرد البدء بتناول دوائي أصبحت أشعر بالتحسّن. إنّ تجربتي مع الاكتئاب علّمتني كيف أتجاوز الصعوبات، وأن أحب نفسي أكثر وأعتني بها، لأكون أمًّا أفضل لأولادي.".
قصة الفتاة سوزان
سوزان أم لطفلين، نجت من اكتئاب ما بعد الولادة بعد إنجاب طفلها الأول، ولم تُصَب به مرةً أخرى بعد ولادة طفلها الثاني.
تقول سوزان: "إنّ أهم ما تعلّمته بعد تجاوزي لاكتئاب ما بعد الولادة الذي أصبتُ به بعد ولادة طفلي الأول، هو ضرورة طلبكِ المساعدة إذا كنتِ تعتقدين أنّكِِ لن تستطيعي تجاوز الأمر وحدكِ، وأنّ الأمر أصبح صعبًا للغايه عليكِ، وبمجرّد الاعتراف بالمشكلة واتّخاذ الخطوة الأولى للعلاج، فأنتِ تسيرين نحو التحسّن بنجاح. وقد كنتُ محظوظةً لأنّي لم أُجرّب هذا الشعور بعد ولادة طفلي الثاني، وهذا حافز للأُمّهات اللواتي عانينَ من اكتئاب ما بعد الولادة، ويخشينَ الإنجاب مرةً أخرى بدافع الخوف من تجربة نفس الشعور مرةً جديدة."[٣].
قصة الفتاة مايا أنجلو
مايا أنجلو أخصائية نفسية أُصيبت باكتئاب ما بعد الولادة.
تقول مايا: "أُصبت باكتئاب ما بعد الولادة، وكنت -لغاية كتابة هذه الكلمات- عاجزة على الحديث عن التجربة. صباح اليوم بعد أن أنهيت آخر الكتب التي استعملتها في خطة علاج نفسي ذاتي التي كنتُ أستخدمها في خطة العلاج النفسي، من الصعب عليّ كأخصائية نفسية أن أعترف بعجزي أمام مرض كالاكتئاب، لكنها الحقيقة.
وإن كان هناك شيء مهم تعلمته من دراستي وممارستي لعلم النفس فهو أن أكون صريحة مع نفسي قبل كل شيء، وأن أعترف بعجزي، ولكنّي استجمعتُ ما بقيَ من قواي، وبدأتُ بالبحث وقراءة الكثير من الكتب والمقالات التي تناولت موضوع اكتئاب ما بعد الولادة، وقرأتُ عن نساء مررنَ بنفس تجربتي، وها أنا اليوم تجاوزت هذه المحنة، والآن أصبح عمر ابنتي 18 شهر، بعمر اكتئابي الذي وُلد معها، والتي أدركتُ بمرور الوقت أنّها دوائي بعد إيماني بالله تعالى، ثمّ الكتب التي قرأتها."[٤].
كيف تساعدين نفسك بنفسك؟
إن كنتِ تظنّين أنكِ تعانين من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، فيجب عليكِ السعي للخروج من هذه الأزمة.
كيفية السيطرة على المشكلة
إذا شعرتِ بأنكِ محبطة وسريعة الانفعال، أو شعرتِ بالخوف وعدم الفرح بقدوم طفلكِ، يجب أن تُخبري زوجكِ أو أحد أفراد عائلتكِ بذلك، وإذا لم تستطيعي التحدّث مع أي شخص محيط بكِ، فعليكِ مناقشة الأمر مع طبيبكِ، فهو سيتفهّم ما تمرّين به تمامًا، وسيتمكّن من مساعدكِ[٥].
متى ينبغي مراجعة الطبيب؟
تتطلّب بعض حالات اكتئاب ما بعد الولادة اللجوء إلى استشارة طبية، ومن هذه الحالات ما يأتي[١]:
- بقاء الأعراض وعدم اختفائها لأكثر من أسبوعين.
- ازدياد الأعراض سوءًا.
- إعاقة الأعراض رعاية الأم لمولودها.
- ايجاد صعوبة بالغة في إنجاز المهام اليومية.
- وجود أفكار سلبيّة تتضمّن إيذاء النفس أو إيذاء الطفل.
متى يكون الأمر خطرًا؟
يمكن أن تتفاقم مشكلة اكتئاب ما بعد الولادة لتصل إلى مرحلةٍ خطرة، ينبغي فيها اللجوء إلى طلب مساعدة فورية، ومن أهم أعراض هذه المرحلة ما يأتي[١]:
- إصابتكِ بالاكتئاب في وقتٍ سابق سواءًا أثناء الحمل أو في وقت آخر.
- تعانين من اضطراب ثنائي القطب.
- عانيتِ من اكتئاب ما بعد الولادة بعد حملٍ سابقٍ.
- إصابة أحد أفراد عائلتك بالاكتئاب أو اضطرابات مزاجية أخرى.
- مررتِ بأوقاتٍ عصيبةٍ خلال فترة حملكِ أو قبلها بقليل مثل؛ المرض أو المعاناة من مضاعفات الحمل.
- معاناة طفلكِ من مشاكل صحيّة أو إعاقة معينة.
- لديكِ صعوبة في الرضاعة الطبيعية.
- وجود مشاكل بينكِ وبين زوجكِ.
- تفتقرين إلى وجود من يدعمكِ.
- الحمل غير مرغوب فيه أو غير مخطّط له.
كيف تسيطرين على مشاعركِ؟
- حاولي ألّا تُصابين بالصدمة أو خيبة الأمل، عند تشخيص حالتكِ بأنّها اكتئاب ما بعد الولادة.
- تجنّبي لوم نفسكِ أو زوجكِ بسبب ما يحدث لكِ، فهذا الأمر يزيد من تعبكِ وتوتركِ ويؤدي إلى حدوث شجارات بينكِ وبين زوجكِ.
- كوني قوية وواعية ولا تخشي من طلب المساعدة عندما تشعرين بأنّكِ بحاجة إليها[٥].
المراجع
- ^ أ ب ت ث "Postpartum depression", mayoclinic, 1/9/2018, Retrieved 16/1/2021. Edited.
- ↑ Patricia Santiago-Munoz (2/6/2015), "Overcoming postpartum depression: Elaine’s story", utswmed, Retrieved 16/1/2021. Edited.
- ↑ Katherine Stone, "7 Postpartum Depression Survivors Share Their Stories Of Having More Children", postpartumprogress, Retrieved 16/1/2021. Edited.
- ↑ حليمة بلعربي (13/4/2019)، "تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة"، الجزيرة، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب "اكتئاب ما بعد الولادة"، رسبسش، 1/2/2018، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.