محتويات
ما مفهوم المالية العامة؟
يضم التعريف العام للمالية العامة نوعين من المفاهيم، وهما على النحو الآتي[١]:
المفهوم التقليدي
تُعرّف المالية العامة بالمفهوم التقليدي على أنها نوع من أنواع العلوم المختصة بدراسة الأمور المالية للدولة؛ كالإيرادات والنفقات، فضلًا إلى اختصاصها في تحليل ما تحتاج إليه الدولة، وما هي الآلية الواجب اتباعها من أجل توفير هذه الاحتياجات.
المفهوم الحديث
عُرّفت المالية العامة بمفهومها الحديث على أنها دراسات تختص باقتصاد القطاع العام، وبمفهوم آخر عُرّفت على أنها العلم الذي يخوض في تفاصيل نشاط الدولة الاقتصادي، إذ تلجأ الدولة لاستخدام بعض الوسائل والأمور المالية بصنفيها؛ الإيرادات والنفقات من أجل تحقيق الأهداف الخاصة بالمجتمع في كافة المجالات سواءً أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم مالية.
نشأة المالية العامة
لم تكن المالية في العصور القديمة تنفصل عن مالية الملك أو الأمير، إذ كان الملك يتولى نظام الدولة المالي ويُنفق على المواطنين كما وأنه يُنفق على عائلته، إلا أن التطوّر والإستحداث تطلب إنفصال المالية الخاصة بالملك عن المالية الخاصة بالدولة والشعب، وفي ما يأتي توضيح لنشأة المالية العامة وتطورها مع مرور الزمن[٢]:
المالية العامة في العصور القديمة
كان الظهور الأول لعلم المالية العامة في الحضارات القديمة؛ كحضارة اليونان، والفراعنة، والرومان، والحضارة الهندية والصينية، وبلاد الفرس، إذ كانت تتميز هذه الحضارات بكثرة الحروب والحاجة الدائمة للموارد المالية من أجل تجهيز الجيوش والمعدات اللازمة للحروب، فضلًا إلى الميزانية الخاصة باحتفالات الدولة واستعراضاتها، وممّ يجدر ذِكره بأنّه كان للحاكم في ذاك الوقت السلطة المطلقة للتحكم في الأمور المالية الخاصة والعامة، إذ كانت كافة الأمور المتعلقة بنفقات الدولة وإيراداتها بأمر الحاكم أو الملك.
المالية العامة في العصر الحديث
مع الوصول للقرن الخامس عشر وتحديدًا خلال فترة العصور الوسطى بدأ ظهور النظام الاقتصادي الإقطاعي في أوروبا الوسطى والغربية، والذي يقوم على تملك الأفراد من طبقة الأثرياء للأراضي الزراعية، وتشغيلهم للفلاحين من الطبقة الفقيرة في هذه الأراضي، ممّ استدعى ظهور الفرق بين طبقات المجتمع، ثمّ انتشر هذا النظام في القارّة الأمريكية الجديدة التي ضمّت العديد من العبيد، ممّ زاد في سلطة الإقطاعيين ونفوذهم، وبات للدولة إيرادات من عدة مصادر منها؛ الضرائب وأعمال السخرة، وازدادات النفقات في هذه الحقبة بما فيها النفقة على الحاكم، وتجهيز الجيوش، والإنفاق الداخلي للدولة.
المالية العامة في النظام الرأسمالي
تطورت المالية العامة في هذا النظام تطورًا ملحوظًا، ويظهر ذلك جليًا من خلال المراحل الآتية:
- مرحلة الدولة الحارسة ( الاقتصاد الحر)، ساد المفهوم التقليدي للمالية العامة في مرحلة القرنين السابع والثامن عشر لدى الفِكر الكلاسيكي، إذ أصبح لا بدّ من فصل مالية الدولة عن مالية الحاكم، للسيطرة على حجم النفقات مقارنة مع الإيرادات، ومن أجل تحسين الإنتاج وزيادته، وبذلك تتجنب الدولة الوقوع في خلل في التوازن الاقتصادي الذي يؤدي بها إلى الاستدانة الخارجية مما ينتج عنه عجز في الموازنة، أو زيادة إصدار الأموال التي تؤثر على مستوى الأسعار العام، وتقوم هذه المالية على بقاء الدولة محايدة من أجل المحافظة على التوازن في المستوى العام للمالية، إذ أنّ تدخل الدولة في المالية يؤدي إلى زيادة النفقات، وبالتالي التأثير سلبًا على التوازن الاجتماعي، ممّ يتطلب إقصاء الدولة واقتصار مهامها على فضّ النزاعات ما بين الأطراف الاقتصادية، وتوفير الأمن والحماية من أجل تحسين النمو الاقتصادي.
- مرحلة الدولة المتدخلة، في عام 1929م وبسبب الأزمة الاقتصادية عادت للدولة سلطتها في التدخل بالأمور المالية، وتحررت من الفِكر الكلاسيكي، وبات للدولة دور أساسي يتجاوز مرحلة الحماية والدفاع لِتتدخل وتُقدم الخدمات للمجتمع، وأصبحت المالية العامة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية، ولم يعد زيادة النفقات على الإيرادات يُشكّل عائقًا لدى الدولة، إذ بات من المسموح حدوث عجز في الموازنة يمكن سدّه بالإقتراض الخارجي، ومع التطوّر في الزمن بات هدف الدولة للمالية العامة ربطها ما بين التخطيط المالي للدولة والتخطيط الاقتصادي الشامل، من أجل تحقيق توازن مالي واقتصادي واجتماعي.
عناصر المالية العامة
يبحث علم المالية العامة في آلية توفير الموارد المالية، وإنفاقها بطريقة متوازنة للتخلص من المشاكل الاقتصادية، لذا فإنها تقوم على عدد من العناصر، وفي ما يأتي توضيح لهذه العناصر[٢][١]:
النفقات العامة
تُنفق الدولة ماليًا من أجل تلبية الحاجات العامة للمجتمع والدولة، بما في ذلك الإنتاجية، والإنفاق على الدخل، كتوزيع دخل على الأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود، أو تقديم دعم لبعض القطاعات الخاصة.
الإيرادات العامة
تُعدّ الإيرادات المصدر الأساسي للتمويل، بهدف تغطية متطلبات النفقات العامة في الدولة، أمّا عن مصدر هذه الإيرادات فهي بالأصل من الدخل القومي ولكن ضمن نسبة محددة بناءً على ما هو مسموح به في السياسة المالية، ومن الممكن الحصول عليها أيضًا من التمويل الخارجي، في حال الحاجة لتلبية متطلبات الإنفاق العام، وتفصيلًا تستمد الدولة إيراداتها المالية العامة من أملاك الدولة الخاصة والمشروعات الاقتصادية الخاصة بها، والرسوم المستوفاة من المواطنين لقاء ما يُقدّم لهم من خدمات، وأخيرًا من القروض المحلية أو الخارجية.
الموازنة العامة للدولة
تُعدّ الموازنة العامة الأساس في تحديد العلاقة ما بين إيرادات الدولة ونفقاتها، وتجعلهما يسيران معًا من أجل تحقيق السياسة المالية للدولة، وتُقدّم الموازنة العامة دراسة تفصيلية للإيرادت والنفقات للفترة الزمنية المقبلة على الدولة، وفي أغلب الأحيان تكون لمدة سنة واحدة وتُقرّها السلطة التشريعية في الدولة.
العلاقة بين المالية العامة والعلوم الأخرى
يرتبط علم المالية العامة بالعديد من العلوم المختلفة ارتباطًا وثيقًا، وفي ما يأتي توضيح لهذه العلاقة[٣][٢]:
علاقة المالية العامة بالاقتصاد
كان السبب الرئيسي لظهور علم الاقتصاد من أجل حل المشكلات الاقتصادية الخاصة بتلبية الحاجات المالية للإنسان، من خلال الاستفادة من الموارد الاقتصادية المتاحة بأحسن حال، وكذلك الحال للمالية العامة فهي تسير في نفس اتجاه علم الاقتصاد، والعلاقة بين العلمين تبادلية بحيث يؤثر كلٍ منهما على الآخر، إذ أنّ العلاقة المالية القائمة بسبب تأدية الدولة لأنشطتها تنعكس واقعيًا كعلاقات اقتصادية.
علاقة المالية العامة بالقانون
يرتبط القانون ارتباطًا مباشرًا بالتشريع، والمالية العامة تقوم على عدد من القوانين التشريعية المتعلقة بالايرادات والنفقات والموازنة العامة.
علاقة المالية العامة بعلم الإحصاء
تقوم المالية بشكل أساسي على الإحصاء، وذلك نظرًا لشموله على وسائل وطرق القياس الكمية التي تُحوِّل المتغيّرات إلى أرقام إحصائية، وفي المالية العامة يُستخدم الإحصاء في بعض المتغيرات؛ كالمستوى العام للدخل القومي، ونمو السكان واحتياجات الأفراد للدخل، والنفقات العامة، والمستلزمات المالية التي تحتاج إليها الوزارات الحكومية.
علاقة المالية العامة بالعلوم السياسية
منذ الأزل كان للعلوم السياسية علاقة مباشرة بالمالية العامة، إذ أنّ الضرائب المفروضة على الشعوب أدّت إلى قيام الثورات والاحتجاجات على النظام السياسي للحُكام، وممّ لا شك فيه بأن النظام السياسي في الدولة يلجأ إلى المالية العامة من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
علاقة المالية العامة بالعلوم الاجتماعية
ترتبط المالية العامة بالمشاكل الاجتماعية ارتباطًا يكاد لا ينفصل، وفي الوقت الحالي باتت الحكومات هي المسؤول الأول عن إصلاح الظروف الاجتماعية وتحسينها بالإضافة إلى الجهود المبذولة من المجتمع، إذ تتجه الجهات الحكومية إلى وضع بند خاص في النفقات من أجل فئات المجتمع التي بحاجة للإعالة، ودعم بعض المؤسسات الاجتماعية.
- ^ أ ب الأستاذ الدكتور محمد خالد المهايني ، محاضرات في المـاليــــة العامــــة، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب ت جامعة العربي بن مهيدي، أم البواقي، نشأة وتطور المالية العامة وعالقتها بالعلوم األخرى، صفحة 3 - 7. بتصرّف.
- ↑ "Public Finance Is Related to Other Sciences", chestofbooks, Retrieved 10/2/2021. Edited.