خطبة عن صلاة الجمعة

خطبة عن صلاة الجمعة

خطبة عن فضل صلاة الجمعة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، خلق الأرض قضاءً وأطاقها بسبع سماوات، وجعل فيها قممًا راسيات، وأنهارًا جاريات، وأنبت منها كل شيء، وكتب الأرزاق والأقوات، وأنعم بالغيث المبارك، وخلق الشمس والقمر سابحين، والنجوم بالليل لامعات، وأوجد الحياة ليبلونا وأقرر علينا الممات، نحمده جل علاه حمدًا كما ينبغي لجلال قدره وعظيم سلطانه، ونعوذ بوجهه الكريم من المعاصي والشهوات، ونسأله رحمته بأن ننجو من الظلمات والعقبات، وأشهد أن لا إله إلا الله ذا العرش رفيع الصفات، المتفرد بالمحدثات، أما بعد[١]:


فقد وردت أحاديث عدة عن فضائل يوم الجمعة ومنها ما رواه أبي هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ)[٢]، وفي حديثٍ آخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)[٣].


وقد قال العلامة النووي نقلًا عن العلماء: "مَعْنَى الْمَغْفِرَة لَهُ مَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلاثَة أَيَّام أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا، وَصَارَ يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الأَفْعَال الْجَمِيلَة فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي تُجْعَل بِعَشْرِ أَمْثَالهَا , قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِمَا بَيْن الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلاة الْجُمُعَة وَخُطْبَتهَا إِلَى مِثْل الْوَقْت مِنْ الْجُمُعَة الثَّانِيَة حَتَّى تَكُون سَبْعَة أَيَّام بِلا زِيَادَة وَلا نُقْصَان وَيُضَمّ إِلَيْهَا ثَلاثَة فَتَصِير عَشْرَة"، وفي يوم الجمعة ساعة يستجاب فيها الدعاء على المؤمن أن يتحراها، وقد اختلف العلماء فيها بأقوال عدة، والأرجح منها قولان دلت عليهما أحاديثٌ ثابتة؛ الأول منذ جلوس الخطيب على المنبر حتى تنتهي صلاة الجمعة، والثاني بعد العصر.


وإنَّ الماشي إلى صلاة الجمعة يُكتب له في كل خطوة أجر صيام سنة كاملة وقيامها، فعن أوس بن أوس الثقفي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا)[٤]، وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن أدرج أحاديث في فضل صلاة الجمعة، ووضحها قائلًا: "وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوب مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ غُسْل، وَتَنْظف، وَتَطَيُّب، أَوْ دَهْن، وَلُبْس أَحْسَن الثِّيَاب، وَالْمَشْي بِالسَّكِينَةِ، وَتَرْك التَّخَطِّي، وَالتَّفْرِقَة بَيْن الاثْنَيْنِ، وَتَرْك الأَذَى وَالتَّنَفُّل وَالإِنْصَات، وَتَرْك اللَّغْو"[٥][٦].


خطبة عن حكم التأخر عن صلاة الجمعة

الحمد لله رب السماوات السبع، خالق آدم ومعلمه الأسماء، آمر ملائكته بالسجود له، والذي أسكنه الجنة دار الخلود، وحذره من الشيطان ألد الخصوم، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأنزله إلى دار الابتلاء، جاعل الدنيا لذريته دار كدح لا دار جزاء، ورحمهم فأنزل إليهم الرسل والأنبياء، وما منهم أحد إلا جاء معه بدليل وضياء، ثم ختمت الرسالات بشريعة البقاء، ونزل القرآن لما في الصدور عافية وشفاء، نحمده تبارك وتعالى على البأساء والضراء، ونعوذ بنور وجهه الكريم من مشقة البلاء، ومن أشد الشقاء، وشماتة الأعداء، ونسأله عيش السعداء، وموت الشهداء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له شركاء ولا أنداد، أما بعد[١]:


إنَّ حضور صلاة الجمعة والإنصات لخطبتيها واجبان على المصلي، وإن انشغل عنهما ببيع أو شراء أو أيًّا كان يُعدُّ فعلًا حرامًا يؤثم عليه المسلم، فقد قال تعالى في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[٧]، وقد فسر الإمام القرطبي قوله تعالى: {إِلَى ذِكْرِ اللَّه}[٧]، أنَّه الصلاة، وقيل الخطب والوعظ، كما فسر سعيد بن جبير هذا القول، وقد قال ابن العربي: "والصحيح أنَّه واجبٌ في الجميع، وأوله الخطبة، وبه قال علماؤنا، إلا عبدالملك بن الماجشون؛ فإنَّه رآها سنة، والدليل على وجوبها أنَّها تُحرِّم البيع، ولولا وجوبها ما حرمته؛ لأنَّ المستحب لا يُحرِّم المباح"، وهنا نستنتج أنَّ المقصود بالذكر الصلاة والخطبة جزءًا من صلاة الجمعة يجب على المسلم ألا يضيعها بتاتًا.


وقد أجمع أغلب العلماء على أنَّ المتأخر عن صلاة الجمعة وخطبتها وجب عليه أن يدرك ركعتين بعد انتهاء الإمام من صلاة الجماعة، فقد قال عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول: من لم يدرك الخطبة صلى أربعًا، وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة من أدرك التشهد مع الإمام، أدرك الجمعة، فيصلى بعد سلام الإمام ركعتين، وتمت جمعته.


ونذكر في هذا الموضع فضل التبكير إلى صلاة الجمعة، فهي سنة عن نبينا الكريم قد ذُكرت في حديث صحيح أنَّه قال -صلى الله عليه وسلم-: (الرائح إلى الجمعة في الساعة الأولى كالمقرب بدنة، وفي الساعة الثانية كالمقرب بقرة، وفي الساعة الثالثة كالمقرب كبشًا، وفي الرابعة كالمهدي دجاجة، والخامسة كالمهدي بيضة)[٨]، فالتبكير بالصلاة فضل عظيم، إذ يصل المصلي إلى المسجد فيُصلي ما تيسر له من الركعات، ويسبح ويحمد ويكثر من الأذكار كثيرًا ويكتب له الأجر والثواب[٩][١٠].


خطبة عن سنن وآداب صلاة الجمعة

الحمد لله العليم الحكيم، خالق البشر من صلصال من طين، وخالق الجن من نارٍ ساطعة، رفع الجبال وأسال الأنهار، وأنعم علينا بالغيث وخلق الأشجار، وخلق الشمس والقمر وبدل الليل والنهار، خلقنا فأحسن صورتنا، ووهبنا الأفئدة والسمع والأبصار، القائل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[١١]، فنشكره ونحمده حمد الزاهدين الأبرار، أما بعد[١]:


فإنَّ ليوم الجمعة وصلاتها آداب وسنن يُستحبُّ للمصلي أن يتقيد بها، ونذكر بعضها بدلائلها من السنة النبوية في موضعنا هذا، وأول هذه السنن هي الاغتسال؛ وغسل الجمعة واجب ومن لم يغتسل يؤثم إن لم تكن هنالك ضرورة تمنعه من الغسل، فقد وردنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (غُسل الجمعة واجب على كل محتلم)[١٢].


ثانيًا التنظف؛ فقد قال النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)[١٣]، والمقصود بالتنظف ما يزيد عن الغسل، كالتخلص من الرائحة الكريهة ومسبباتها، كحلق العانة ونتف الإبط، وتقليم الأظافر وغيرها.


ثالثًا التطيب ودهن الشعر؛ ورابعًا لبس أفضل الثياب كما كان يفعل -عليه الصلاة والسلام-، وخامسًا التسوك، وسادسًا قراءة سورة الكهف لما ذكر عن النبي أنَّه قال: (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)[١٤]، وبالإكثار من الدعاء وتحري ساعة الاستجابة، والتبكير إلى المسجد[١٥].


المراجع

  1. ^ أ ب ت أحمد أحمد سلطان (6/3/2016)، "27 مقدمة من أروع مقدمات الخطب"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:233، صحيح.
  3. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6062، صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أوس بن أبي أوس، الصفحة أو الرقم:496، صحيح.
  5. د. عبدالجبار فتحي زيدان (4/5/2019)، "فضائل صلاة الجمعة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.
  6. "فضائل صلاة الجمعة"، الإسلام سؤال وجواب، 18/7/2006، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سورة الجمعة، آية:9
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:881، صحيح.
  9. "فضل التبكير إلى صلاة الجمعة"، الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.
  10. "من فاتته خطبة الجمعة، وأدرك الإمام في الصلاة "، طريق الإسلام، 1/1/2016، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.
  11. سورة إبراهيم، آية:34
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:880، صحيح.
  13. رواه سلمان الفارسي، في الألباني، عن صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم:7736 ، صحيح.
  14. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:736، صحيح.
  15. محمد حسن يوسف، "آداب يوم الجمعة"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 5/4/2021. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :