الثقافة في علم الاجتماع

الثقافة في علم الاجتماع

العلوم الاجتماعية

يُعبر مصطلح العلوم الاجتماعية عن العلوم التي تختص وتُعنى بشكل رئيسي بالحياة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان، وتهتم هذه العلوم بدراستها من الناحية العلمية بالاعتماد على القوانين الثابتة والنظريات التي من شأنها أن تُفسر كثيرًا من الأمور والظواهر الاجتماعية التي تحدث مع الإنسان خلال يومه، ولأن العلوم الاجتماعية تُركز كثيرًا على سلوك الأفراد ونمط تفكيرهم ومعيشتهم، فإنه يمكن تسليط الضوء على مصطلح الثقافة، وما يعنيه في العلوم الاجتماعية[١].


مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية

عند البحث والتمحيص في علوم الاجتماع التي وضحت معنى الثقافة بالتفصيل، نجد أن الثقافة في معناها الأصلي بالتجرد من المعنى المجازي، هي بالأصل كلمة فرنسية ذات أصول لاتينية، وكانت تُعبر عن حالة الشيء المزروع أو وضع الحقل أو المحصول عمومًا، وهذا المعنى الحقيقي لكلمة ثقافة، ولكن المعنى المستخدم الآن هو المعنى المجازي إذ إن الثقافة في الوقت الحالي لم تعد تستخدم للتعبير عن حالة المحصول الزراعي كما كانت من قبل، بل أخذت معنًى أوسع وأشمل بكثير.


تُعبّر الثقافة بمعناها المجازي عن اكتشاف المَلكات والقدرة على توظيفها بالطريقة الصحيحة، وإيجاد الطريقة المثلى للاستفادة منها، وكيف يمكن للإنسان أن يتوسع ويزداد خبرةً فيما لديه من ملكات ليستفيد هو ويحاول إفادة من هم حوله، ويُعبر البعض عن الثقافة على أنها معرفة شيء عن كل شيء، فيكون لدى الشخص إلمام في غالبية الأمور المحيطة به، سواء أكانت مرتبطةً في حياته ارتباطًا مباشرًا، أم أنها بعيدة عنه، فنجد الشخص يعرف في الطب ويعرف في الاقتصاد وفي السياسة والدين وفي الأحياء والكيمياء وفي الجغرافيا وغيرها الكثير، ولكن الأهم أن لا يتصدر للتعليق أو التحدث في هذه المواضيع ومجادلة أهل الاختصاص بها في حال كانت معلوماته عابرةً وسطحيةً كما يفعل البعض، لأن كل علم بحر بحد ذاته ومن الأفضل أن يغوصه أبناء الاختصاص[٢].


قياس الثقافة

يوجد خلط كبير في طريقة قياس الثقافة، فكثير من الناس يعتقدون أن ثقافة الشخص تُقاس بعدد الكتب التي يقرؤها، وهذا الأمر عارٍ من الصحة أو حتى الدقة، فالشخص القارئ ليس بالضرورة أن يكون مثقفًا، فالبعض يقرأ لأجل التسلية، والبعض يقرأ لأجل الحصول على معلومات لحظية، والبعض يقرأ من مصادر غير موثوقة فيصبح لديهم مخزون من المعلومات الخاطئة وهذا كله ليس من الثقافة في شيء، كما يمكن للإنسان الحصول على الثقافة من تجارب الحياة، ومن الخبرة في العمل، ومما يسمعه من قصص وحكايات ممن هم حوله وفي محيطه أو من خلال وسائل الاتصال والتواصل المختلفة.


يوجد خلط حاصل بين الثقافة والتعليم، فالتعليم لا يعني بالضرورة الثقافة، وكذلك الثقافة لا تعني بالضرورة التعليم، فللأسف الكثير من حملة الشهادات العليا يتبعون مبدأ الحفظ غير المدروس أو الممنهج للمعلومات، والذي على إثره يفقد الشخص المعلومة وينساها لمجرد أنه مضى وقت بسيط على تلقيها، وفي المقابل يمكن ملاحظة أن كثيرًا من غير المتعلمين لديهم مخزون ثقافي كبير وواسع لا يمكن الاستهانة به، وهذه الثقافة حصلوا عليها بالقراءة والتدريب والعمل والتفاعل الإنساني والكثير من الأمور الأخرى[٣].


الثقافة

ظهر مصطلح الثقافة في القرون الوسطى في فرنسا، إذ كانت تعني "الطقس الديني"، وتطور مفهومها عبر العصور المختلفة وطرأت عليها تغييرات كثيرة، فأصبحت تطلق على التقدم الفكري، والديني، والتكنولوجي، والسياسي وغيرها من المسميات.


الثقافة هي الطريق أو الأسلوب الذي يسلكه الفرد أو الجماعة في حياتهم، وهي ظاهرة متفق على عموميتها، ومختلف في بعض خصوصياتها، وتساعد في فهم الطريقة التي يعيشها الفرد أو الجماعة، وتفسير السلوكات الإنسانية، والمعتقدات، والأيديولوجيات، والديانات، واللغات والفنون، وتساعد في تفسير الشخصية الإنسانية وتأثير الثقافة فيها، كما تساهم في الكشف عن الكينونة الإنسانية واستمراريتها، وفك الرموز المبهمة لتصرفات وسلوكات البشر.


تؤثر الثقافة في كيفية التعامل مع الوظائف الفسيولوجية كالطعام، والرغبة الجنسية، والنوم، وغيرها من الدوافع الفسيولوجية المختلفة، فالثقافة هي جوهر الإنسان الذي ينطلق منه لبدء حياته اليومية، والبحوث السوسيولوجية أكّدت أن لكل مجموعة أو مجتمع مجموعة من الخصائص المتماثلة، كالخصائص النفسية والاجتماعية والسياسية وطرق العيش المتشابهة، إذ إن هذه المميزات تجمعهم في بؤرة واحدة تميزهم عن غيرهم من المجموعات، التي تشعر الفرد بأهميته وانتمائه، وتساعده في إيجاد هويته الشخصية معهم، وأنه ليس نكرة في المجتمع، وإنما يشترك معهم بمجموعة من الأهداف.


الهوية الثقافية

الهوية الثقافية هي مجموعة الصفات المشتركة بين الأفراد، والحقيقية والمتماثلة والمتسقة، وتكون متكاملة فيما بينها، وهي تعبر عن المواطنة، والانتماء، والقومية، والذاتية، وهي ثوابت غير قابلة للتجديد والتغيير، فهي البصمة التي تمتاز بها هوية الفرد أو جماعة معينة عن الأخرى، وهذه الهوية يعتز بها الفرد ويفتخر بانتمائه لها.


وظائف الثقافة

  • تنمي الثقافة في الفرد قدراته السلوكية والمعرفية، وتنمي قدرته على التصرف الصحيح تجاه المواقف.
  • تزود الفرد بما يشبع حاجته البيولوجية، لوجود أساليب مختلفة تشبع هذه الحاجات.
  • تساعد الفرد على التطور وتساعده على الوصول إلى الثروة والنجاح.
  • تجيب عن تفسيرات الظواهر الكونية كخلق الإنسان، والزلازل والكوارث والأمطار والبراكين.
  • تحدد الثقافة المصطلحات للأحداث، كالخير والشر، والحرام والحلال، إذ تحدد المعنى والهدف من الحياة.
  • تعطي الفرد الشعور بالذنب عند مخالفة القيم، وهذا ما اكتسبه من ثقافة وهوية الجماعة.
  • تنمي روح الانتماء.
  • تنمي الشخصية الفردية، وتساعدهم على التكيف في المجتمع.
  • تضع البدائل والفرص المختلفة للفرد لمواجهة الموقف مرة أخرى، وذلك إذا فشل في مواجهة موقف ما.


التنوع الثقافي

تتعدد الثقافات في المجتمع الواحد، من ثقافة فكرية، ودينية، وسياسية، وفنية، وجنسية، وأخلاقية، وهذه الثقافات تشترك بالانتماء للمجتمع الذي تعيش فيه بالرغم من اختلافاتهم الثقافية، فقضيتهم الوطنية واحدة، وتراب وطنهم واحد مهما اختلفوا في ثقافتهم.


وتتنوع الثقافات في معظم المجتمعات العربية والغربية، ويتبادل الأطراف فيما بينهم الاحترام، فلكل مجتمع تراثه الثقافي الذي يعتز به، كما يختلف الأفراد في ثقافتهم وتشمل اللباس واللغة والدين، فكل جماعة لها المعتقد الخاص بها لهذه الأمور، فمثلًا في الصين والهند وفيتنام ترتدي العروس فستان زفافها باللون الأحمر، لأنهم يعتقدون أنه لون الحظ والتفاؤل، بينما عند الغرب يكون لون فستان الزفاف أبيض ويرمز للصفاء والنقاء، وفي الوقت ذاته كان ارتداء اللون الأبيض للمآتم لدى الفرنسيين عام 1559، ويختلف لباس المجتمع الواحد من مكان لآخر ويحمل دلالات اجتماعية واقتصادية ودينية، ففي المجتمع الأردني كانت المرأة ميسورة الحال يُطرز ثوبها بالخيوط الذهبية والفضية، والفقيرة يُطرز ثوبها بالخيوط القطنية والصوفية.


كان لون الثوب يدل على عمر المرأة، فكانت الفتاة الشابة ترتدي العصبة الحمراء، والمرأة المتقدمة في العمر ترتدي العصبة السوداء، والمتزوجة ترتدي ثوبًا مزخرفًا، تختلف في ثوبها عن المرأة العزباء، فالثقافة هي نتاج ما اكتسبه وتعلّمه الفرد من المعايير والمنظومات المجتمعية، وينقلها من جيل إلى جيلِ آخر، إذ يكتسبها الفرد خلال سنوات عمره الأولى من خلال تنشئته الاجتماعية والأسرية، ليشبع حاجاته الفطرية والبيولوجية، ليصل في نهاية المطاف إلى الاستقرار والأمان في المجتمع الذي يعيش ضمن قوانينه وقواعده.


من حياتكِ لكِ

قد تتسائلين أحيانًا عن فوائد دراسة علم النفس الاجتماعي، ويمكن القول بأن علم النفس الاجتماعي يُقدم حلولًا فعالةً في العديد من جوانب التعايش الإنساني ومشكلاته، وتستند هذه الحلول للمعرفة التي أنتجها علم النفس الاجتماعي في معرفة ما يأتي[٤]:

  • أسباب وجود الجرائم في المجتمع وكيفية الحد من حدوثها.
  • كيفية تفاعل الناس تفاعلًا جيدًا في المجموعات لتحقيق أفضل النتائج.
  • أسباب نشوء النزاعات وطرق حلّها.
  • كيفية تأثر الأفكار بالمجتمع، وتأثيره على صحة المعرفة.


المراجع

  1. "مفهوم علم الاجتماع"، مقاتل ، اطّلع عليه بتاريخ 18-04-2018.
  2. "مفهوم الثقافة في العلو مالاجتماعية "، صغحات سورية ، اطّلع عليه بتاريخ 18-04-2019.
  3. "مفهوم الثقافة وخصائصها "، جامعة بابل ، اطّلع عليه بتاريخ 18-04-2018.
  4. Øyvind Eikrem (3-10-2016), "What is the importance of social psychology to the society?"، Quora, Retrieved 13-8-2019. Edited.

فيديو ذو صلة :