محتويات
مفهوم الإرادة في الفلسفة
يمكن تعريف الإرادة فلسفيًّا بعدة طرق؛ فهي القوة على الاختيار بين مجموعة من البدائل، كما أنها القدرة على التصرف في مواقف معينة بطريقة مستقلة بعيدًا عن القيود الطبيعية أو الاجتماعية، ومن هنا تحديدًا جرى تطوير مفهوم الإرادة كقوة توجيهية في تنمية الشخصية؛ فالإرادة تشكل دافع جوهري وشرارة إبداعية لممارسة السلوكيات الشخصية، بالإضافة إلى التحكم في الدوافع الغريزية واستخدامها، والتي اعتبرها سيغموند فرويد بمثابة عوامل محفزة في السلوك البشري، والذي من خلاله يمكن للشخص تحقيق أقصى فائدة، إلى جانب التفاني العملي والشامل لقضية ما، ومن الجدير بالذكر أن علماء النفس تعاملوا مع مختلف قضايا الإرادة، وبناءً على ذلك قسموها إلى قسمين رئيسيين، ألا وهما[١][٢]:
- إرادة قوية: يتمتع بها بعض الناس الذين يمتلكون دوافع جوهرية لفعل كل ما يصب في مصلحتهم.
- إرادة ضعيفة: يمتاز بها بعض الناس الذين يمكن تغيير خططهم ونواياهم بسهولة في ظل وجود دافع أو حافز خارجي أيًا كان مصدره.
مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائية
تناول فلاسفة الإسلام مثل ابن باجة وابن سينا مفهوم الإرادة في مواضع عدة، واتفقوا على أنها مبدأ طبيعي روحاني، إذ إنّ الطبيعة والروح أمران متكاملان، بل ويمكننا القول أنها مبدأ طبيعي قبل كل شيء، فمفهوم الطبيعة نفسه يتناول مفهوم الإرادة بوصفه ما يتممه ويسدّ نواقصه وثغراته، ثم سلط أولئك الفلاسفة الضوء على مفهوم النفس، ورصدوا مدى قوة حضور مبدأ الإرداة فيه، كما جعلوا الإرادة عنصر أساسي وجزء لا يتجزأ عن النفس بحد ذاتها، فهي مبدأ يميز النفس عن الطبيعة ودليل على وجودها كمبدأ مستقل بذاته، كما وكشفوا عن وظيفة الإرادة السياسيّة والتدبيريّة، فبواسطة الإرادة يمكن للنفس التحكم بالجسم وتدبير تحرّكاته، ثم نظروا إلى الإرادة بوصفها مبدأ إنساني ومدني، وتعاملوا معها بوصفها عقل عملي ومبدأ للمعقولات الإرادية، أي كل ما تنتجه الإرادة من قوة فكرية مبتكرة، فلا بد من التنويه على أن الإرادة هي من تمنح العقل مضمونه العملي[٣].
مفهوم حرية الإرادة من منظور أشهر الفلاسفة
لطالما كان مفهوم حرية الإرادة محور اهتمام الفلسفة منذ نشأتها، لذا سعى أشهر فلاسفة التاريخين القديم والحديث تناولها وتعريفها في كتبهم ومنشوراتهم الفلسفية، من أبرزهم أفلاطون وهيوم وشوبنهاور وديكارت وغيرهم الكثيرين، حيث كان لكل واحد منهم تقريبًا ما يقوله عن حرية الإرادة، ولكن يفترض معظمهم أنّ مفهوم الإرادة الحرة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم المسؤولية والمعتقدات الأخلاقية، وفيما يلي نطرح الآراء المختلفة والنظريات التاريخية لبعض أولئك الفلاسفة المشهورين:
أفلاطون
قدم أفلاطون نظريتين متعارضتين حول هذا الموضوع، تنص نظريته الأولى على أنّ البشر أحرار في تكوين أنظمة عقائدية تخلق الظروف أو الأسباب اللازمة لتأكيد الإرادة، وبافتراضه أنّ تشكيل قضية ما هو قرار حر لإرادة الفرد، فإن أفلاطون يُضفي مصداقية على فكرة وجود الإرادة الحرة، كما يرى أنّ كل فرد يمتلك حرية تغيير قراراته وفقًا للطبيعة المتغيرة لمعتقداته، وتتحدث هذه النظرية أكثر عن قدرة الروح على تحويل الأفكار مما يؤدي إلى نتائج مختلفة، ويستخدم أفلاطون عبارة (قانون القدر) لوصف النتيجة الصحيحة التي تتسبب في القدر، وكان قد أكد في كتابه أنّ الاختيارات الأخلاقية ضرورية للنفس لتحقيق حالة سماوية في الحياة الآخرة، في حين تنص نظريته الثانية على أن إرادة الفرد تحسن أو تضعف جودة تجربة الحياة الآخرة، وبذلك تمثل الإرادة الحرة مقر التمييز إما لتحقيق الاستقامة أو التنازل عن الخطأ، وهكذا، فإن نظرية أفلاطون الثانية تقدم دعمًا محدودًا لوجود الإرادة الحرة[٤].
ديفيد هيوم
ركز هيوم على إمكانية التنبؤ بالسلوك البشري، ورأى أنّ الأفعال تجد الدافع من خلال الغريزة والعاطفة وليس العقل، وذكر أنّ الأفراد يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن أفعالهم، فيتم مكافأتهم أو معاقبتهم وفقًا لذلك، وعندما يستخدم المجتمع العقوبة كرادع للسلوك غير الأخلاقي، فمن المستحسن التصرف بطريقة فاضلة، وقد وضع هيوم نفسه في مواجهة معظم الفلاسفة الأخلاقيين الذين يتحدثون عن صراع العاطفة والعقل، الذين يحثون البشر على تنظيم أفعالهم بالعقل، ومنحه السيطرة على اهتماماتهم المعاكسة، فعلى النقيض من ذلك زعم هيوم أنّ العقل يجب أن يتبع العواطف، وألا يقدّم إلا الخدمة والطاعة، فبرأيه أنّ العقل وحده لا يمكن أبدًا أن يكون دافعًا للقيام بأعمال الإرادة، وأنّه لا يمكنه أبدًا معارضة العاطفة في اتجاه الإرادة، وأنّ البشر تحت سيطرة عواطفهم ورغباتهم التي توفر الدافع للسببية، والتي تنتج نتائج محددة، وبالتالي فإنّ هيوم لم يدعم فكرة الإرادة الحرة[٤].
أرتور شوبنهاور
قدّم شوبنهاور صورة سببية للفعل، وهي الصورة التي تسبب فيها الأحداث العقلية أحداثًا جسدية؛ فالإرادة من وجهة نظره هي حركة جسدية ناتجة عن دافع، ويصاحبها وعي مباشر لهذه الحركة، وبالتالي فإنّ جميع أفعال الإرادة هي حركات جسدية وليست سببًا داخليًا للحركات الجسدية، ويرى أنّ الدوافع هي أحداث عقلية تنشأ استجابةً لإدراك بعض الأشياء المحفزة، وأنّ هذه الأحداث الذهنية لا يمكن أن تكون أبدًا رغبات أو عواطف، بل هي عمليات دماغية تسبب أنشطة عصبية معينة والتي تترجم إلى حركة جسدية متسقة، ووفقًا لذلك فإن الإرادة، باعتبارها تهيجًا عضليًا، فهي السعي المستمر للنشاط عامةً، وفي جميع الاتجاهات في وقت واحد، لذا مما سبق كان يرى شوبنهاور أن الطرق التقليدية لفهم الإرادة الحرة خاطئة، لأنها في واقع الأمر ليست ملكة عقل مستقلة، بل هي فكرة تساعد الفرد على المثابرة في وجوده، حتى لو لم يكن على دراية كاملة بها[٥].
ديكارت
كان يعتقد ديكارت أنّ الناس يمكنهم تحسين قدراتهم على أن يكونوا أحرارًا من خلال العقل (لكن لا يمكن لقدراتهم بأي شكل من الأشكال أن تتساوى مع حرية الخالق)، مما يؤدي في النهاية إلى قدرة أكبر على الحرية، فبالنسبة له، توصف حرية الإرادة بأنها تلك التي تؤدي إلى الإرادة، وأنّ العقل لديه القدرة على الاختيار لنفسه، وأنه كلما زادت معرفة المرء بطبيعة المبادئ التي يمكن أن تؤدي إلى شيء ما، مثل الأفعال الأخلاقية، زاد تأكيدهم على فهمهم من خلال اتخاذ قرار بشأن المسائل الأخلاقية بطريقة حاسمة وعقلانية، وبذلك يتعين على الأشخاص الابتعاد أو الامتناع عما يعتقدون أنه مخالف لطبيعتهم، فباختصار تدعم وجهة نظر ديكارت أنّ الإرادة الحرة مرتبطة بالعقل إلى حد ما، لأن زيادة المعرفة يمكن أن تقود الشخص إلى أن يصبح أكثر وعيًا بقدرته على التحرر، ويتحقق ذلك من خلال اختيار الفرد لتنمية قدرة عقله على تأكيد حريته، من خلال التصرف بطريقة تعبر عن إرادته أخلاقيًا[٦].
- ↑ "Will (philosophy)", Wikia, Retrieved 8/2/2021. Edited.
- ↑ Brian Duignan, "Will", britannica, Retrieved 7/2/2021. Edited.
- ↑ "مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائية"، النيل والفرات، اطّلع عليه بتاريخ 8/2/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب Bob Waxman (8/1/2016), "Five Philosophers on Free Will: Plato, Leibnitz, Hobbes, Hume, and Hegel", researchgate, Retrieved 8/2/2021. Edited.
- ↑ Mary Troxell, "Arthur Schopenhauer (1788—1860)", iep, Retrieved 8/2/2021. Edited.
- ↑ Rocco A. Astore (8/2/2016), " Examining Free-Will Through Spinoza and Descartes", inquiriesjournal, Retrieved 8/2/2021. Edited.