محتويات
الدعاء
الدعاء من الأبواب التي فتحها الله عز وجل للمؤمن حتى يتوجه بالطلب لخالقه، فالدعاء عبادة، وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية والطاعة وامتثال أمر الله عزوجل، حين يدعو الإنسان على شخص أو يدعو لنفسه في حياته العامة، فكأنه يعبد الله ويطلب منه طلبًا، أو يشكو له شكوى، أو حزن أو ظرف خاص يمر به، فينكسر تارةً ويقوى تارةً أخرى، ليعود أمام الناس قويًا متماسكًا فالمؤمن الضعيف يستهتر به الناس، أما القوي فالجميع يحترمه ويوقره، وهو بالتأكيد استمد قوته من قربه من ربه والتزامه بأوامره واجتنابه نواهيه، كما أمر الله تعالى بالتحمل والصبر على الابتلاءات والشدائد[١]، قال تعالى:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة المائدة: 94]، ويُعدّ الدعاء والتضرع من الأمور التي أمرنا الله تعالى بها، ولكي نضمن أن الدعاء يكون صحيحًا ومستجابًا توجد بعض الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند الدعاء.
الدعاء للخلاص من شخص مؤذٍ
قد يتعرض الإنسان في الحياة لأشخاص ومواقف مختلفة، إذ إن لكل شخص نفسيةً وشخصيةً وتربيةً مختلفةً عن الآخر، من حيث البيئة سواء أكان أسرةً أم تربيةً أم حتى ظروفًا معيشيةً خاصةً، ومن الممكن مصادفة بعض الأشخاص الذين يتطبعون بأذية الآخرين، ولكن إن شعر الإنسان بالظلم الشديد من شخص ما يجب عليه الدعاء للمؤذي بالهداية والصلاح وأن يبعده الله عن طريقه دون أن يدعو عليه بالضرر في صحته أو أولاده أو رزقه، قال تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]، ويمكن الدعاء بحسبي الله ونعم الوكيل ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين[٢].
عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ قالَ: مرَرتُ بعثمانَ بنِ عفَّانَ في المسجدِ، فسلَّمتُ عليهِ فملأ عينيهِ منِّي، ثمَّ لم يردُدْ عليَّ السَّلامَ، فأتيتُ عمرَ بنَ الخطَّابِ فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ هل حدثَ في الإسلامِ شيءٌ؟ قالَ: لا وما ذاكَ؟ قلتُ: إنِّي مررتُ بعثمانَ آنفًا في المسجدِ، فسلَّمتُ عليهِ فملأَ عينيهِ منِّي ولم يردَّ عليَّ السَّلامَ، قالَ: فأرسلَ إلى عثمانَ فدعاهُ فقالَ: ما منعَكَ ألا تَكونَ رددتَ على أخيكَ السَّلامَ؟ قالَ: ما فعلتُ، قالَ سعدٌ: بلى حتَّى حلَفَ وحلفتُ، قالَ: ثمَّ إن عثمانَ ذَكَرَ فقالَ: بلى أستغفرُ اللَّهَ وأتوبُ إليهِ إنَّكَ مررتَ بي آنفًا وأَنا أحدِّثُ نفسي كلمةً سَمِعْتُها من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، واللَّهِ ما ذَكَرتُها قطُّ إلَّا تغشَّى بصري وقلبي غِشاوة قالَ سعد: فأَنا أنبِئُكَ بِها إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذَكَرَ لَنا أوَّلَ دعوةٍ، ثمَّ جاءَ أعرابيٌّ فشغلَ حتَّى قامَ برسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فاتَّبعتُهُ فلمَّا أشفقتُ أن يسبقَني إلى منزلِهِ ضربتُ بقدميَّ الأرضَ، فالتفتَ إليَّ رسولِ اللَّهِ فقالَ: من هذا أبو إسحاقَ؟ قلتُ: نعَم يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: فمَهْ، قلتُ: لا واللَّهِ إلَّا أنَّكَ ذَكَرتَ لَنا أوَّلَ دعوةٍ، ثمَّ جاءَ هذا الأعرابيُّ فشغلَكَ،قالَ: نعم دعوةُ ذي النُّونِ إذْ هوَ في بطنِ الحوتِ (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فإنَّهُ لم يدعُ بِها مسلمٌ بشيء قطُّ إلَّا استجابَ لَهُ [ تحفة النبلاء| خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات].
شروط الدعاء
فيما بعض الأمور التي يجب الانتباه لها عند الدعاء[٣][٤]:
- ألا يدعو الشخص إلا لله عزوجل وحده.
- التوسل لله والرجاء منه استجابة الدعاء.
- ألا يكون في الدعاء إثم أو الدعاء بالفراق أو القطيعة.
- حسن الظن والدعاء لله والتأمل بالاستحابة والتأكد من رحمة الله، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
- الإخلاص بالدعاء و التمني بالاستجابة، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
الشخص المؤذي
كثيرًا ما يمر في حياة الإنسان أشخاص يسببون الأذى، وصور الإيذاء كثيرة جدًا ومتنوعة، بعضها قد يكون إيذاءً نفسيًا كأن يتحدث عنه بالسوء دائمًا ويُدخل الحزن والكدر إلى قلوب الناس، أو أن يكون الإيذاء ماديًا، كأن يكون الشخص عدوانيًا واعتاد على ضرب الآخرين أو التعرض لهم في الطرقات والاعتداء على الأشياء التي يمتلكونها دون وجه حق، كما قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 9].
الدعاء على الشخص المؤذي
كما أوضحنا سابقًا أن الدعاء وسيلة للشكوى لله وطلب أي أمر مستعصٍ بالمنظور البشري، والمظلوم يهِّم دائمًا بالدعاء على الظالم أو المؤذي الذي وصل به الأذى لحد لا يُحتَمل، وهذا الأمر قد يكون بالنسبة لكثير من علماء الفقه والإفتاء مشروعًا، لكن بالتأكيد يجب على الإنسان أن يتَّبع الطرق الفضلى في التعامل مع مثل هؤلاء، فأفضل قدوة له هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من الأذى الذي لقيه من المشركين واليهود، لم يكن يدعو عليهم بل كان يدعو لهم بالهداية، ولذلك فالصفح أفضل، والحديث لهم ووعظهم أجل وأسمى بكثير، إذ أمرنا الرسول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكل إنسان يرى منكرًا يحاول أن يغيره.
غالبًا ما يكون الشخص المؤذي يعاني من إضطراب نفسي ربما بسبب الوحدة أو الشعور بعدم الحب أو أي أمر آخر، ولذلك فإن مجرد مقابلته بالتسامح والعفو والكلمة الطيبة يمكن أن يقلب الموازين ويتحول لإنسان طيب ومسالم، فلا يوجد إنسان سيئ بطبيعته ولكنها ظروف الحياة، الكلمة الطيبة والتسامح والدعاء بالهداية من أهم الأمور التي قد تساعد الإنسان على الرجوع عن أفعاله المؤذية للآخرين، وقد تؤثر فيه إيجابًا، لذلك فتربية الأولاد تربيةً سليمةً وصحيةً تُرسِّخ بعض المبادئ والأخلاق المهمة في نفوسهم منذ صغرهم تحميهم من الوقوع في أذية الآخرين[٥].
المراجع
- ↑ "كيف تكون الشكوى إلى الله تعالى وحده ؟"، islamqa، 2015-07-06، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-30. بتصرّف.
- ↑ "الدعاء للتغلب على مكر وخبث وحقد الحاقدين"، islamweb، 2007-03-12، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-22. بتصرّف.
- ↑ "ما هو شروط الدعاء لكي يكون الدعاء مستجاباً مقبولاً عند الله"، islamqa، 2004-07-26، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-25. بتصرّف.
- ↑ خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني (2018-07-16)، "شروط استجابة الدعاء"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2019-10-25. بتصرّف.
- ↑ "الدعاء لشخص بأن يتغير حاله من الضلال إلى الهداية"، islamweb، 2008-11-22، اطّلع عليه بتاريخ 2019-09-30. بتصرّف.