عدد اشهر الحرم

عدد اشهر الحرم

الأشهر الحرم

قُسّمت الأشهر عند العرب في جاهليتهم إلى قسمين: أولها الأشهر العادية، والثاني ما يُعرف بالأشهر الحرم، وهي الأشهر المُقدّسة التي لا قتال فيها، ولا انتهاك للحرمات، ولا يبغي بعضهم على بعض في هذه الأشهر، حتى أن العربيّ فيها إن تقابل مع قاتل أخيه، أو أبيه لم يبادره بالقتال تعظيمًا لهذه الأشهر، بينما بقيّة الأشهر يفعلون فيها ما يشاؤون من أصناف المحرمات، أما عن سبب ذلك فلأنّ طبيعة الحياة القاسية تقتضي أن يترك العرب لبعضهم متنفسًا للعيش بسلام، وتسوية الخلافات؛ إذ إن حياتهم بمجملها قائمةٌ على الغزو والقتال على المراعي والكلأ، أما بعد ظهور نور الدين الإسلامي الحنيف؛ فقد استُعملت الشهور العربية بمسمّياتها، وهي المحرم، وصفر، بالإضافة إلى ربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة، ومن الجدير بالذكر أن لكل شهرٍ منها حادثةً أخذت منها التسمية، وبالعودة إلى الأشهر الحرم فقد كان لها ميّزات عظيمة في الدين الإسلامي، الأمر الذي سنطلع عليه في مقالنا هذا عن كثب[١].


عدد الأشهر الحرم

يعتمد التقويم الهجري على أشهر السنة القمريّة التي تتكوّن من اثني عشر شهرًا قمريًّا منها أربعة أشهرٍ حُرمٍ جرت الإشارة إلى عددها في قول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36]، أمّا التفصيل في أسماء هذه الأشهر فقد جاء في الحديث الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والْمُحَرَّمُ، ورَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ، ثُمَّ قالَ: أيُّ شَهْرٍ هذا؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ ذا الحِجَّةِ؟ قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ بَلَدٍ هذا؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ البَلْدَةَ؟ قُلْنا: بَلَى، قالَ: فأيُّ يَومٍ هذا؟ قُلْنا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ يَومَ النَّحْرِ؟ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ، قالَ مُحَمَّدٌ: وأَحْسِبُهُ قالَ: وأَعْراضَكُمْ، حَرامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عن أعْمالِكُمْ، فلا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، أوْ ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ، ألا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَن يُبَلِّغُهُ يَكونُ أوْعَى له مِن بَعْضِ مَن سَمِعَهُ، ثُمَّ قالَ: ألا هلْ بَلَّغْتُ؟ قالَ ابنُ حَبِيبٍ في رِوايَتِهِ: ورَجَبُ مُضَرَ. وفي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: فلا تَرْجِعُوا بَعْدِي) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٢].


الحكمة من الأشهر الحرم في الإسلام

لقد أثبت الدين الإسلامي حرمة الأشهر الحرم، فهي في أصلها إرثٌ من شريعة سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، أما عن الحكمة الإلهية من هذا التحريم؛ فالظاهر على نصوص الآيات الكريمة أن الله تعالى أراد منع المسلمين من قتال الكفار في هذه الأشهر لعلهم يتوبون إلى خالقهم، ويرتدعون عمّا أشركوا به، قال تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [براءة:2]؛ لذا فهي فرصة كريمة أعطاها الله تعالى لمن طغى وأبى أن يُحق الحق للعودة إلى جادّة الصواب، فإن انتهت هذه الأشهر فإن الحرب أصبحت مشروعة، قال تعالى في ذلك: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [براءة:5][٣].


الأشهر الحرم بين التعظيم والاحتيال

كان للأشهر الحرم في الجاهلية حرمة عظيمة؛ إلا أن هذه الحرمة لم تمنع من الاحتيال عليها؛ إذ كانوا إذا اضطرو إلى الحرب أخروّا شهرًا وقدموا آخر، وهي المقصود من قول الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [براءة:37]، ولم يقف الأمر عند هذا فحسب؛ بل من بغيهم أنهم كانوا في بعض السنوات يُحلون شهرًا محرمًا ويُحرمون شهرًا محللًا إذا أرادوا القتال فيه، وربما تعدى ذلك لأن يجعلوا السنة ثلاثة عشر شهرًا ليحتالوا بها على هذه الحرمات؛ لذلك ذكر الله تعالى أن عدد الشهور اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، وهذا من اتباع الهوى الذي لا يزال الكثيرون يفعلون أشياءً تشابهه حتى يومنا هذا[٣].


فضل وخصائص الأشهر الحرم في الإسلام

إن للشهور الحرام في الدين الإسلامي خصائصًا وفضائلًا لا تنطبق على غيرها من الأشهر، وفيما يأتي ذكرها[٤]:

  • من خصائص الأشهر الحرم أن الذنوب فيها أعظم حرمةً مما سواها من الأشهر، والشاهد في ذلك قوله تعالى في الآية المتقدم ذكرها، والتي نهى الله تعالى بها عن التعدي بالظلم فيه؛ لذا فالذنوب فيها تُغلظ أكثر من غيرها؛ لذا على المسلم أن يتجنب فيها ظلم نفسه.
  • من خصائص الأشهر الحرم أن ابتداء القتال فيها محرم، لذلك من الواجب تعظيم حرمات الله تعالى اتباعًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
  • من فضائل الأشهر الحرم أنها تحتوي على ركن الحج وما يتعلق به من أعمال، يقول تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].
  • من فضائل الأشهر الحرم أن الله تعالى أقسم بالعشر من ذي الحجة، كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنها أفضل الأيام على الإطلاق، إذ يقول عليه السلام: (ما مِنْ أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ مِنْ هذهِ الأيامِ العشرِ فقالوا يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلمْ يرجعْ مِنْ ذلكَ بشيءٍ) [عارضة الأحوذي| خلاصة حكم المحدث: صحيح]؛ لذا واجب على المسلم أن يتزود بالخيرات في هذه الأيام.
  • من فضائل الأشهر الحرم احتواؤها على يوم عرفة، ويوم القر، ويوم النحر، وهي الأيام الأعظم كما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أفضَلُ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ يستقِرُّ فيهِ النَّاسُ وَهوَ الَّذي يلي يومَ النَّحرِ . قُدِّمَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم بدَناتٌ خمسٌ أو ستٌّ فطفِقنَ يزدلِفنَ إليْهِ بأيَّتِهنَّ يبدَأُ فلمَّا وجبَت جنوبُها قالَ رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم: كلمَةً خفيفةً لم أفْهمْها فقلتُ للَّذي إلى جنبي: ما قالَ؟ قالَ: قالَ: من شاءَ اقتَطعَ) [تاريخ الإسلام| خلاصة حكم المحدث: حسن].
  • من فضائل الأشهر الحرم أيضًا أن فيها يوم عاشوراء؛ إذ يروي أبو قتادة الحارث بن ربعي: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئل عن صومِ يومِ عرفةَ فقال: يُكفِّرُ السَّنةَ الماضيةَ والباقيةَ، وسُئل عن صومِ يومِ عاشوراءَ فقال: يُكفِّرُ السَّنةَ الماضيةَ) [التمهيد| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن صحيح]، وهو اليوم الذي حدثت فيه نجاة سيدنا موسى عليه السلام وقومه، وإغراق فرعون.


المراجع

  1. "معاني الأشهر الهجرية"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2020. بتصرّف.
  2. "الأشهر الحرم والإصلاح الشامل"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الأشهر الحُرم.. أَحْكَامٌ وحِكَم"، islamway، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2020. بتصرّف.
  4. "ما هي الأشهر الحرم وما فضلها"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 2-1-2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :