الدعاء للميت
الدعاء للميت بعد الدفن سنّة؛ فعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: كان النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذا فرَغَ مِن دَفْنِ الميِّتِ، وقَفَ عليه فقال: (استغْفِروا لِأَخيكم، وسَلُوا له بالتَّثبيتِ؛ فإنَّه الآن يُسأَلُ) [ الحديث لابن عبدالوهاب| خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن]، فالميت انقطع عمله وأصبح بأشد الحاجه لمن يذكره بالرحمة والمغفرة؛ إذ إنّ الدعاء للميت يرفع من درجاته عند الله، ووصف الله المؤمنين بهذه السمة المميزة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (الحشر: 10)، كما داوم الرسول - عليه السلام- على زيارة قبور المسلمين في البقيع أسبوعيًا للدعاء والاستغفار لهم؛ فعنْ عائشة -رضي الله عنها- كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، كُلَّما كانَت لَيْلَتُهَا مِن رَسولِ -اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، يَخْرُجُ مِن آخِرِ اللَّيْلِ إلى البَقِيعِ، فيَقولُ: (السَّلَامُ علَيْكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ ما تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ، بكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ وَلَمْ يُقِمْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ وَأَتَاكُمْ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح][١][٢].
وإنّ من أعظم ما ينتفع به الميت وإن كان من سعي غيره هو الصدقة الجارية والعلم النافع ودعاء الولد الصالح له؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولا فَرقَ في أن يدعي للميت قريب أو غريب لعموم الأدلّة؛ إذ إنّ الوَلد الصالح خُصّ بالذكر لقربه من الميّت، ولكونه أولى ببر والديه من غيره لما قدما له من التنشئة الصالحة والمعروف الجميل في حياتهما[٣].
أجمل دعاء للميت في رمضان
شهر رمضان شهر اغتنام العبادات والطاعات؛ إذ يتقرب العبد من ربه بجميع أنواع الأعمال الصالحة، ويجدر بالمسلم تذكر الأموات في هذه الأوقات الفضيلة والدعاء لهم؛ لما فيه من عظيم الأجر والثواب، ونذكر هنا بعض الأدعية المأثورة الواردة في السنّة النبويّة فيما يخص الدعاء للميت والاستغفار له، ومنها ما يلي[٤]:
- عن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال: صَلَّى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- علَى جِنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِن دُعَائِهِ وَهويقولُ: (اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عنْه، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، أَوْ مِن عَذَابِ النَّارِ) قالَ: حتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذلكَ المَيِّتَ [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال: (صلَّى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- علَى رجلٍ منَ المسلمينَ فأسْمعُه يقولُ اللَّهمَّ إنَّ فلانَ بنَ فلانٍ في ذِمَّتِك وحبلِ جِوارِك فَقِهِ من فتنةِ القبرِ وعذابِ النَّارِ وأنتَ أهلُ الوفاءِ والحقِّ فاغفر لَه وارحمهُ إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- صَلَّى على جِنازةٍ، فقال: (اللَّهمَّ اغفِرْ لحَيِّنا ومَيِّتِنا، وصَغيرِنا وكَبيرِنا، وذَكَرِنا وأُنثانا، وشاهِدِنا وغائِبِنا، اللَّهمَّ مَن أَحيَيْتَه مِنَّا فأَحْيِهِ على الإسلامِ، ومَن تَوفَّيْتَه مِنَّا فتَوفَّهُ على الإيمانِ، اللَّهمَّ لا تَحرِمْنا أجْرَه، ولا تُضِلَّنا بَعدَه) [تحفة المحتاج| خلاصة حكم المحدث: صحيح أو حسن].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في الصلاة على الجنازة: (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر له) [الفتوحات الربانية| خلاصة حكم المحدث: حسن].
- عَنْ أبي هُريرةَ -رضي الله عنه-، سُئِلَ: كيفَ تُصلِّي على الجنازةِ؟ (قالَ: أنَا، لَعَمْرُ اللهِ، أُخبِرُكَ: أَتَّبِعُها، فإذا وُضِعَتْ كبَّرْتُ، وحمِدْتُ اللهَ، وصلَّيْتُ على نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ أقولُ: اللَّهمَّ هذا عبدُكَ، وابنُ عبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ، كانَ يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا أنتَ، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُكَ ورسولُكَ، وأنتَ أعلَمُ بِهِ، اللَّهمَّ إنْ كانَ مُحسِنًا فزِدْ في إحسانِهِ، وإنْ كانَ مُسِيئًا فتجاوَزْ عنهُ، اللَّهمَّ لا تحرِمْنا أجْرَهُ، ولا تَفْتِنَّا بَعدَهُ) [تخريج شرح السنة| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
أسباب إجابة الدعاء
الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وسيلة سهلة وميسّرة للعباد؛ لقضاء الحاجات وتحقيق الأمنيات، ودفع البلاء ورفع الدرجات، والتقرب من الله عز وجل، والدعاء يرفع البلاء ويُخففه بإذن الله في الدنيا، أو قد يدّخرهُ الله عز وجل عنده إلى يوم القيامة، ولتحقيق الإجابة يجب توافر شروط وآداب الدعاء فيه، ونذكر منها ما يلي[٥]:
- يجب أن يكون الداعي موحدًا لله تعالى توحيدًا كاملًا في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته؛ إذ إنّه شرط إجابة الله للدعاء؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).
- إخلاص النية لله عزّ وجلّ في الدعاء؛ إذ إنّ الدعاء عبادة والإخلاص شرط قبولها.
- التوسل والتضّرع إلى الله بأسمائه الحسنى، قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} (الأعراف:180).
- افتتاح الدعاء بالثناء على الله عزّ وجلّ بما هو أهله، ثم الصلاة على النبي - عليه السلام-، ثم الدعاء بما يريد العبد من الأمور في الدنيا والآخرة.
- استقبال القبلة عند الدعاء ورفع اليدين فيه؛ إذ يكون باطن الكفين إلى السماء، فعَنْ سَلْمَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنَّ ربَّكم تبارَكَ وتعالى حيِيٌّ كريمٌ، يستحيي من عبدِهِ إذا رفعَ يديهِ إليهِ، أن يردَّهُما صِفرًا) [صحيح أبي داود| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الإكثار من الدعاء وسؤال الله عزّ وجلّ في جميع الأمور وما فيها من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء على الله عز وجل وعدم استعجال الإجابة والسخط في حال تأخرت أو أُجلت إلى يوم القيامة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الإيقان من إجابة الله عزّ وجل، وتكرار الدعاء ثلاث مرات كل مرة، مع التضرع والخشوع والرهبة لله عزّ وجلّ، وخفض الصوت وإخفاء الدعاء وعدم الجهر به، لقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (الأعراف:205).
المراجع
- ↑ "الدعاء عند القبر بعد الدفن سنة"، islamqa، 5-10-2010، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ أ.د. راغب السرجاني (17-5-2015)، "سُنَّة الدعاء للموتى"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 19-12-2019. بتصرّف.
- ↑ د . أحمد عبد الكريم نجيب، "انتفاع الأموات بسعي الأحياء"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "المأثور من الأدعية للأموات"، islamweb، 30-6-2003، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن علي (13-3-2016)، "أسباب إجابة الدعاء"، islamstory، اطّلع عليه بتاريخ 19-12-2019. بتصرّف.