حديث نبوي عن الجار

حديث نبوي عن الجار

مكانة الجار في الإسلام

أولى الدين الإسلامي الحنيف الجار مكانة كبيرة، وجعل حسن الجوار من الخصال العظيمة التي يثاب عليها المؤمن في الدنيا والآخرة، ويكون حسن الجوار بكف الأذى عن الجار بالقول أو العمل، إذ قال الله تعالى في كتابه العظيم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58]، وعُرف عن السلف الصالح تقديرهم لحسن الجوار وعدم إيثارهم المال أو الجاه على الجار الصالح، وتوجد العديد من القصص الدالة على هذا الأمر بين الصحابة الكرام ومن لحقهم بعد ذلك، ومن الجدير بالذكر أن من الجيران من له ثلاثة حقوق ومن له حقّان ومن له حقٌ واحد، أمّا صاحب الحقوق الثلاث فهو المسلم القريب؛ فله حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار، أمّا صاحب الحقّان فهو الجار المسلم؛ إذ له حق الإسلام وحق الجوار، أمّا ذو الحق الواحد فهو الكافر؛ إذ إن له حق الجوار فحسب [١].


أحاديث نبوية عن الجار

توجد العديد من الأحاديث النبوية الواردة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في بيان فضل الجار وأهمية مكانته في الإسلام، ومن هذه الأحاديث الشريفة ما يلي[٢][١]:

  • عن عبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو، أنَّهُ ذبحَ شاةً فقالَ: أَهْدَيتُمْ لجاري اليَهوديِّ، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ يقولُ: (ما زَالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ، حتَّى ظنَنتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ) [الصحيح المسند| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ومعنى هذا الحديث يتلخص بأمر عظيم جدًا وهو اهتمام الدين الإسلامي بأدق التفاصيل في العلاقات بين الناس، وحتى علاقة الأفراد ببعضهم البعض، الأمر الذي يهمله البعض ولا يعيره الاهتمام الكبير كالعلاقة بالوالدين والأرحام والأقارب، وجاء جبريل عليه السلام هنا ليوحي للنبي بأن يراعي جيرانه ويهتم بهم ويوصي المؤمنين بذلك أيضًا، فالإحسان إلى الجار واجب، وكذلك كف الأذى عنه، فأشكال الأذى متعددة منها: إلقاء النفايات أمام بيته، أو إزعاجه بصوت المذياع المرتفع وما شابه ذلك، أمّا الإحسان فيُمكن أن يكون بهدية ما، أو نصيحة، أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، والعديد من الأمور الأخرى.
  • في حديث آخر يوصي به النبي أبا ذر الغفاري في قوله: (يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي هذا الحديث الكريم أيضًا يوصي النبي أبا ذر بجاره عاملًا بوصية جبريل له، فأشار في الحديث إلى إطعام الجار، وتذكره من وقت إلى آخر لزيادة الود والمحبة.
  • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان مكانة الجار وأهمية الإحسان إليه: ( مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيسْكُتْ. وفي روايةٍ: فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي هذا الحديث الشريف ربط الرسول -عليه السلام- بين حق الجار والإيمان بالله تعالى واليوم الآخر للدلالة على مدى عظم حق الجار في الإسلام.
  • عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، قالت: (قُلْتُ يا رسولَ اللهِ إِنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِما أُهْدِي قال إلى أَقْرَبِهما مِنْكِ بابًا إلى أَقْرَبِهما مِنْكِ بابًا) [صحيح الأدب المفرد| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
  • عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (خيرُ الأصحابِ عندَ اللهِ خيرُهم لصاحبِه وخيرُ الجيرانِ عندَ اللهِ خيرُهم لجارِه) [صحيح ابن حبان| خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (واللهِ لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ قيل: من يا رسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه؟ قال : شرُّه) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وفي الحديث الشريف تحذير قوي اللهجة لأولئك الذين يؤذون جيرانهم ولا يحسنون المعاملة معهم، فقول الرسول -عليه السلام- بيان لتحريم العدوان بكافة أشكاله وإشارة إلى أنه من أكابر الذنوب؛ لذا يجب على المسلم الحذر من الإتيان بشيءٍ من هذا.
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ) [صحيح الترغيب| خلاصة حكم المحدث: صحيح].


صور إكرام الجار

لإكرام الجار صور مجتمعية عديدة، منها[٣][٤]:

  • السؤال المستمر عن أحواله، سواء كان هذا بالهاتف أو بالاطمئنان عنه شخصيًا، وعدم التواني عن تقديم المساعدة له في حال احتاجها، بالإضافة إلى عيادته عند مرضه أو إهدائه الهدايا حتى وإن لم يكن محتاجًا.
  • الدعم المادي للجار، فالجار المقتدر يساعد جاره الأقل اقتدارًا منه فيما يحتاج، ويفضل أن يكون هو المبادر حتى يعفي جاره من حرج السؤال.
  • حسن ضيافته عند الزيارة، وإقراضه المال عند طلبه، وتهنئته إن أصابه خيرٌ ما فضلًا على مواساته في أحزانه وآلامه أيضًا، إذ إن الدعم المعنوي مهم جدًا وقت الحاجة؛ كون الإنسان يمر بكثير من الضيق والهموم، ومن الجميل أن يجد الجار جاره إلى جانبه ليهون عليه مصائبه، سواء في حالات المرض أو السفر أو الموت فهو أكثر الناس قربًا منه.
  • إكرام الجار يستمر لحين مفارقته الحياة؛ فيتوجب على المؤمن اتّباع جنازته والإحسان إلى أهله من بعده.
  • دعوة الجار للإسلام في حال كان مُشركًا، وترغيبه بالتوبة إلى الله تعالى إذا كان فاسقًا، كما أن أعظم صور الإحسان إلى الجار بإكرامه بشرائع الدين الإسلامي ودلالة الجار على فريضة ما نسيها أو غفل عنها وذلك بالوعظ والنصيحة واختيار الأسلوب المناسب الذي لا يجرحه أو يسبب له الحرج.
  • ستر الجار وعدم فضحه حتى في حال إصراره على المعصية وعدم عدوله عنها ما لم يجاهر بها أو يدعو الآخرين إليها، إذ إن ضرر المعصية يعود عليه وحده فحسب.


حدود العلاقة مع الجار

ما ينبغي التنويه له في هذا الصدد هو حدود العلاقة مع الجار، فكثير من الناس يبالغون في جعل العلاقة منفتحة مع الجار حتى يصل الأمر إلى تجاوز الضوابط الشرعية وانتهاك الحرمات، وهذا أمر خطير جدًا، تمامًا كتلك الخطورة التي تنجم عن الانفتاح في علاقات الأقارب مع بعضهم أيضًا، إذ إن الزيارات الكثيرة بين الجيران تذيب الكثير من حواجز الحشمة وتُفقد الكثير من جوانب المروءة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى العديد من المشكلات التي تقود إلى المقاطعة، ومن الأمثلة على حواجز الحشمة المُذابة: كشف المرأة لمفاتنها في تلك الزيارات المتكررة، وعدم مراعاة الأحكام الشرعية والدينية في العلاقات فيما بينهم، بالإضافة إلى بوحها أسرار بيتها وعائلتها، بالتالي الوقوع في المعاصي والعديد من المشكلات المترتبة على ذلك.

كما أنه ليس للجار أن يتطفل على خصوصية جاره بحجة أنه يحسن إليه؛ كأن يتدخل في كل تفاصيل حياته، ويبدي رأيه في كل صغيرة وكبيرة تحدث، فكل ما عليه هو إبداء الرأي أو النصيحة الحسنة في حال طُلب منه هذا حتى لا يتسبب في زعزعة العلاقة والثقة مع جاره[٥].


المراجع

  1. ^ أ ب رافع العنزي (2018-10-11)، "الجار في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
  2. " 111 باب حقِّ الجار والوصية بِهِ "، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
  3. "الترغيب في إكرام الجار والإحسان إليه "، إسلام ويب، 2008-7-29، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
  4. الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل (2014-12-14)، "كيف نكرم الجار؟"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.
  5. " امرأة تخشى من الاختلاط بالجيران فتسأل عن حدود الشرع في التعامل معهم"، الإسلام سؤال وجواب، 2011-12-13، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-13. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :