خواص سوره روم

خواص سوره روم

سورة الروم

سميّت سورة الروم بهذا الاسم كما أنزله الله سبحانه وتعالى، ويعود أصل كلمة الرَوم إلى الطلب؛ إذ رام الشيء تعني طلبه، أما اسم السورة فهو اسم قوم هم الرومان، أو بنو الأصفر نسبةً للأصفر بن روم بن عيصون بن إسحاق، أي أنهم من ذرية نبيّ الله إسحاق -عليه السلام-، وهم من بني إسرائيل وكانوا يعتنقون النصرانية، أي من أهل الكتاب، ويتصفون بالبشرة البيضاء والعيون الزرقاء، وسميّت السورة على اسمهم لتضمنها خبرًا سياسيًّا دونًا عن باقي سور القرآن الكريم؛ إذ كان للروم عداوة مع قوم الفرس وكان هؤلاء يعبدون النار، وبينهم حروب طويلة، وفي كل مرة يكون النصر حليف قوم منهم، وقد غلبت الفرسُ الرومَ، وذكر الله هذا الخبر مواساةً لأهل الكتاب؛ لانتصار الأمة المشركة عليهم، وبشّرهم بالنصر بعد بضع سنين، وتحققت البشرى بعد سبع سنوات، وهذا موضوع من موضوعات السورة، وسبب تسميتها -وهي سورة مكيّة- أن نزولها جاء في آخر العهد المكيّ قبيل انتقال المسلمين لمخالطة النصارى واليهود في المدينة، فكانت بمثابة تمهيد لعيشهم معًا بسلام[١]، ويُفسّر فرح المسلمين بانتصار الروم على الفرس؛ فذلك لأن مشركي قريش فرحوا بانتصار الفرس على الروم، ولأن انتصار الروم جاء تصديقًا لنبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ أخبر عن نصرهم في المستقبل، وتحقق ما أخبر به، ولأن النصر جاء مع انتصار المسلمين في يوم الحديبية أو يوم بدر[٢]، وهذه الأخبار الغيبية جاءت بها السورة ليفرح المسلمون بها، وفي ذلك قول الله عز وجل في مستهل السورة: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:4-5][٣].


خواص سورة الروم

لسورة الروم كثير من الخواص في الموضوعات والمقاصد، ومنها ما يلي[١][٤]:

  • استفتاح السورة بحروف الإعجاز: (ألف لام ميم)، والتي تؤكد أن القرآن كلام الله، وليس من كلام الخلق، وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، وقوله تعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13]، وقوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور: 34].
  • ذكر خبر هزيمة الروم على أيدي الفرس: وتبشير الروم وهم أهل كتاب بغلبتهم على أعدائهم بعد بضع سنين، والتأكيد على أن النصر يكون من الله وحده، وأنه القادر على نصرة الضعيف على القويّ بإذنه، فهو يعز من يشاء ويذل من يشاء، فيقول الله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 2-4]، فهو من سيجعل الروم أهل غلبة وهذا التوازن الذي يحققه الله في الأرض بتأييد من يشاء، إذ يقول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: 251]، ويقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40]، كما توجد إشارة لأولوية قرب أهل الكتاب؛ فليسوا كالكفار، فيفرح المسلمون لانتصارهم على أهل الكفر والشرك لا من باب الرضا على معتقداتهم؛ إنما لنصرة المؤمن على الكافر كفرًا واضحًا بالله.
  • توضيح جهل الكافرين: فيقول الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 6-7]، فالكفار يدّعون التقدم في العلم والمعرفة، لكن علمهم محدود بظواهر الأمور فقط، وهنا تتجلى نزاهة القرآن الكريم الذي يصف كل شيء بعدالة؛ فمنَح الكافرين صفة المعرفة بحدود، ووضح جهلهم في الدين وغفلتهم عن الآخرة، فيقول الله تعالى: {وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]، ويقول عنهم: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8]، ويقول عز وجل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الروم: 9]؛ فهم لا يجهلون وقائع التاريخ، وأسباب نهوض الأمم السالفة وأسباب انهيارها.
  • بيان الآيات الكونيّة العظيمة: بغرض التدبر والتفكر؛ فيقول سبحانه في خلق الإنسان: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20]، ويقول في خلق الأزواج: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}[الروم: 21]، ويبين عظمة خلق السماوات والأرض وخلق البشر ليكونوا مختلفين في الألوان والأجناس: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]، وخلق الليل والنهار والحكمة منهما: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 23]، وغيرها من المعجزات الكونية كالبرق والرعد: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الروم: 24]، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25].
  • وجوب تسبيح الله وحمده: صباحًا ومساءً على نعمه التي أنعم بها على عباده؛ فيقول تبارك وتعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17-18].
  • الالتزام بالفطرة السليمة: التي فطر الله الإنسان عليها؛ ليعيش في هذه الدنيا حياةً سعيدةً، فيقول سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]، وحتى الكافر يجد تلك الفطرة في ساعات الشدة؛ لعلمه ألا منقذ من الكرب إلا الله فيعود إليه، فيقول الله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33].
  • ذم الشرك: وتوضيح تنافيه مع الحياة القويمة، وأن فساد الدين يفسد الدنيا، فقد قال الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] وهذا لأسباب يوضحها الله في باقي الآية، فيقول: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]؛ فما يلقاه الإنسان من ضنك الحياة إنما لإعراضه عن دين الله، والله سبحانه وتعالى يدعوه للرجوع إلى الطريق الصحيح.
  • تحريم الربا: وهو إقراض المال شرط أخذ زيادة عليه عند سداده، وهذا استغلال للمحتاج؛ لذا مقت الله الربا وتوعد من يتعامل به بالحرب.
  • بيان أن الدنيا ليست دار مستقر: وبيان تقلب الناس فيها من ضعف إلى قوة ومن قوة إلى ضعف، ومن مرض إلى صحة؛ فيقول الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم: 54]، وهنا يؤكد الله أنه القادر على تغيير حال البشر؛ فقد كان كفار مكة هم أهل السلطة والقوة وكان المسلمون ضعفاء ومقهورين، وبعد سنوات التقى المسلمون بالمشركين في غزوة بدر فنصرهم الله عليهم، وأصبحت كلمتهم هي العليا.
  • تأكيد قيام الساعة القريب: إذ يقول عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55]، وعند البعث يحلف المشركون أن الدنيا لم تكن إلا ساعةً؛ لغفلتهم عنها، فحال المعرض عن ذكر الله الحسرة يوم القيامة.
  • الحث على الصبر: فيقول الله عز وجل: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [لروم: 60]؛ فهنا توجيه لرسول الله والمؤمنين بضرورة التحلي بالصبر؛ فطريق الدعوة طويل وصعب، ولا تُهوّنه إلا الثقة بالله والصبر، واليقين بقدرة الله والتوكل عليه.


أهم القضايا في سورة الروم

ورد في السورة العديد من القضايا والمشاكل التي تعاني منها المجتمعات والتي تتماشى مع العصر الحاليّ، ومنها ما يلي[٥]:

  • علوم أهل الكفر دنيوية: وظاهرة وغير عميقة، وفي هذا يقول الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7].
  • انتشار الزنا: والشذوذ، والتفكك الأسري، وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
  • المفاخرة بالبنيان والقوة: وفي هذا يقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 9].
  • الغفلة عن يوم القيامة: وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}[الروم: 25]، ويقول أيضًا: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27].
  • انتشار الظلم، والسير على الأهواء: وفي هذا يقول الله عز وجل: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم: 29].
  • الابتعاد عن الفطرة السليمة: وفي هذا يقول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} [الروم: 30].
  • ظهور الأحزاب والفِرَق السياسية والدينية: وفي هذا يقول الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32].


المراجع

  1. ^ أ ب أحمد الجوهري عبد الجواد (11-5-2018)، "مقاصد سورة الروم"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  2. فريق الإسلام سؤال وجواب (3-2-2015)، "تفسير صدر سورة الروم"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  3. الإمام بن باز ، "تفسير قوله تعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ﴾"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  4. أحمد عبد المجيد مكى، "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ- وَمَضات مِن الظلال "، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.
  5. د. عبدالسميع الأنيس (28-7-2015)، "قرأت سورة الروم! "، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2019. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :