سور القرآن الكريم
يتألف القرآن الكريم من عدد من السور، وتعرّف سور القرآن الكريم اصطلاحًا أنها عدد من الآيات القرآنية ذات البداية والنهاية المحددة، في حين تعرّف السور باللغة أنها الجمع والإحاطة بالآيات، وقيل أن السورة سميت بذلك لأنها جزء من القرآن الكريم، وقد قال ابن كثير رحمه الله أنّها مشتقة من الإبانة والارتفاع، وقد اختلف أهل العِلم في ترتيب سور القرآن الكريم[١]، فمنهم من يرى أن ترتيب السور توقيفي، وذلك يعني أنه تم تحديد السور وفقًا لأوامر رسول الله -صلَّ الله عليه وسلم- عن جبريل عليه السلام عن الله عزّ وجل، كما أنّ اتساق السور يوازي اتساق آيات القرآن الكريم[٢]، في حين قال الفريق الثاني بأن ترتيب صور القرآن الكريم يعود لاجتهاد صحابة رسول الله - رضي الله عنهم-، وكان دليلهم على ذلك هو وجود اختلاف في ترتيب مصاحف الصحابة، فلو كان الترتيب توقيفيًّا لما كان هناك أي اختلاف[٣]، أما الفريق الثالث والأخير رأى أن ترتيب سور القرآن كان توقيفيًا، وقد كان هناك اجتهاد من الصحابة في ترتيب عدد من السور مثل: الحواميم، والسبع الطوال، في حين فوض ترتيب ما تبقى من السور للأمة، وقد ورد على لسان الصحابي الزبير بن العوام أنّ الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف.[٢]
سورة الجن
تعد سورة الجن من سور القرآن المكية، وهي السورة الثانية والسبعين في ترتيب السور وبالجزء التاسع والعشرين من أجزاء القرآن، وقد نزلت بعد سورة الأعراف، ويبلغ عدد آياتها ثمان وعشرين آية، وقد بدأت السورة بفعل أمر في قوله تعالى:(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) {سورة الجن: 1}، وتعالج آيات هذه السورة الأصول الخاصة في العقيدة الإسلامية مثل البعث، والجزاء، والرسالة، والوحدانية، ويدور محور السورة عن الجن والأمور الخاصة بهم، مثل قدرتهم على استراق السمع، ومعرفتهم لبعض الأمور الغيبية، ورميهم بالشهاب الحارق، وغيرها من الأمور، وقد سُميت بهذا الاسم لأنها تتحدث عن طوائف الجن وعن أوصافهم، وأحوالهم.[٤]
خواص سورة الجن
تتمتع سورة الجن بعدد من الخواص الخاصة بها، وتتمثل بما يلي:[٥]
- فضل سورة الجن: ورد في فضل سورة الجن أن من يقرأها أُعطي بعدد كل الجن والشياطين عتق رقبة، كما قيل أن من يقرأها لا يخرج من الحياة الدنيا إلا بعد أن يرى مكانه في الجنة، وكل من يقرأ آياتها ينال ثواب الزاهدين.
- المقصود من السورة: يقصد بسورة الجن إظهار الشرف لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولصحابته رضوان الله عليهم، ولأهل بيته، فقد لينت له قلوب الجن والإنس، وأصبح ملكًا على القلوب من زمن أول الأنبياء نوح -عليه السلام-، وتتميز كلمات الآيات بالشمولية ولطف المسالك والابتعاد عن المهالك.
- المقصود بالسورة: تتحدث سورة الجن عن عجائب العلوم القرآنية، فقد ذكرت اعتداء الجن على البشر، ومنعهم من الوصول للسماء بالطيران، ومعرفة الله -عز وجل- بكلّ ما في السر والعلانية، كما ذكرت كيفية تبليغ الوحي للأنبياء من قِبل الملائكة بإتقان، بالإضافة لذكر قدرة الخالق تعالى على حصر معلومات الخلق، كما ذكر في قوله تعالى: (لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) {سورة الجن:28}.
- الفصل ما بين المتشابهات: تكرر قول: وأنّهُ في عدد من الآيات، لهذا اختلف قرّاء الآيات ما بين تلك الآيات الواقعة ما بين قوله تعالى: وأنّهُ تعالى وقوله تعالى: وإنّا مِنّا المُسلِمون {سورة الجن:14}، فعمد بعضهم لفتحها، وذلك لغاية عطفها على آية أوحي إليّ أنّهُ، في حين قام الجزء الآخر على كسرها، وذلك لغاية عطفها على قوله تعالى: فقالواْ إنّا سمِعنا {سورة الجن:1}.
سبب نزول السورة
ورد في كتاب المستند المستخرج على المسلم لكاتبه أبي نعيم الأصفهاني باب خاص في نزول آية (قُل أوحي إليّ)، وورد بها قصة وردت في صحيح البخاري وصحيح المسلم على لسان ابن عباس -رضي الله عنه-، ومفادها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج مع عدد من أصحابه لسوق عكاظ، فمُنع الشياطين من الحصول على أخبار من السماء، وأُرسلت عليهم شهب، فانطلق الجن ما بين مغارب الأرض ومشارقها لمعرفة ما هو الأمر الذي حال بينهم وبين السماء، فتوجهوا لمنطقة تهامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي صلاة الفجر مع أصحابة خلال رحلته لسوق عكاظ، فعندما سمعوا آيات القرآن الكريم، قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء، وذلك كما ورد في قوله تعالى :(إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) {سورة الجن:1-2}، وقد أوحي للرسول -عليه السلام- ما يقوله الجن، وذلك ما ورد في قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) {سورة الجن:1}.[٦]
حقيقة الجن
يعتبر الجن من مخلوقات الله المكلّفة، فقد ورد في سورة الجن أن فئة منهم أسلمت بعدما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن الكريم، كما ورد عدد من أحوالهم وأخبارهم الغريبة، ثم ختمت السورة بذكر دعوة رسول الله وهي توحيد الله بأسمائه وصفاته، وورد عدد من الصفات الخاصة بالجن في عدد من سور القرآن الكريم، وتتمثل تلك الصفات بما يلي:[٧]
- خلقت الجن من مارج من نار، وذلك كما ورد في قوله جل وعلا: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) {سورة الرحمن:15}.
- يُمكن أن يتشكل الجن في عدة صور مثل: صورة الحية، والدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ نفرًا مِن الجِنِّ بالمدينةِ قد أسلَموا فإذا رأَيْتُم أحدًا منهم فحَذِّروه ثلاثَ مرَّاتٍ ثمَّ إنْ بدا لكم أنْ تقتُلوه فاقتُلوه بعدَ الثَّلاثِ) [ صحيح ابن حبان/ خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه] ، ويمكن أن يظهروا على شكل كلب أسود.
- يتواجد الجن في أماكن خاصة بهم، لا سيما الأماكن التي يتواجد بها الماء، والدليل ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قوله: (إنَّ عَرْشَ إبْلِيسَ علَى البَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَراياهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فأعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً) [صحيح مسلم/ خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أنهم يتواجدون في الخلاء والأماكن القذرة، لذا أمر رسول الله بقول دعاء الدخول للخلاء وهو: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
- توجد عدة أنواع من الجن منهم المبتدع، والمحسن، والجاهل، والمسيء، وغيرهم.
المراجع
- ↑ "السورة والآية في اللغة والشرع"، fatwa.islamweb، 19-5-2008 م، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب أ. د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (1424هـ - 2003م)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشرة)، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، صفحة 108-111. اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019 بتصرّف.
- ↑ " ترتيب سور القرآن"، al-eman، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "سورة الجن 72/114"، e-quran، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، al-eman، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "سبب تسمية ونزول سورة الجن"، islamweb، 15-3-2007، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.
- ↑ الشيخ: مصطفى العدوي، "تفسير سورة الجن"، audio.islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 23-11-2019. بتصرّف.