محتويات
فضل شكر نعمة الله علينا
أنعم الله عز وجل على عباده بنعم كثيرة لا يمكن حصرها أو عدها، قال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، لعل أبرز هذه النعم وأعظمها نعمة الهداية للإسلام قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، ونعمة العقل التي لم كَرَمَ الله به بني آدم ولم يجعلهُ لمخلوقِ سواه، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، ونعمة الصحة التي لا يُقدرها الكثير من النّاس، ولمعرفة قيمتها فلينظر كل عبد إلى الأشخاص الذين حُرِموا هذه النعمة مثل الأبكم، والضرير، والأصم، ومن لديه إعاقة حركية تمنعه من السير على قدميه، أو أولئك الذين لديهم مشاكل في الكلى تجعلهم يضطرون لغسلها باستمرار، ونعمة وقت الفراغ الذي يتوجب على العبد استغلاله بالأعمال الصالحة التي تُرضي الله مثل صلة الرحم، ومساعدة الأهل في أعمال المنزل، و قراءة القرآن أو أحد الكتب النافعة، وغيرها الكثير من النعم مثل نعمة الأمن والاستقرار، ونعمة وجود السكن وتوفر الطعام والشراب واللباس، ونعمة العقيدة الخالية من أي شائبة وهي عقيدة أهل السّنة والجماعة، ونعمة وجود التكنولوجيا ووسائل الاتصال المُتعددة[١].
في ظل جميع هذه النعم وغيرها الكثير، فإن أقل ما يمكن أن يُقدمهُ العبد لربه للاعتراف بفضله عليه هو شكره المُتصل له، ومن فضل الشكر على العطايا والنعم أن الله عز وجل أمر عباده بشكره، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، والشكر صفة اتصف بها أنبياء الله، وهي من الطرق التي ينال بها العبد رضا ربه، لقوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، فرضا الله مقرون بالشكر، وسبب لحفظ النعم وزيادتها، كما وعد الله عباده الشاكرين بالأجر الجزيل في الآخرة، قال تعالى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
كما أن العافية مع الشكر خير من البلاء مع الصبر، والشكر صفة من صفات المؤمنين؛ عن صهيب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له). [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقد وصف الله أصحاب هذه الصفة بأنهم قلة من عباده، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، ومن فضل الشكر أيضًا ارتباطه باسمين من أسماء الله الحسنى وهما: الشكور، والشاكر، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158][٢].
تفسير قوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث
اختلف المجتهدون في تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، وفي ذلك وجوه كثيرة، أحدها أن النعمة المقصودة في الآية هي نعمة القرآن الكريم فهي أعظم معجزة أنعم الله بها على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتفسير آخر يقول: أنه إذا أعانك الله ووفقك في رعاية حق السائل واليتيم فهذا التوفيق هو نعمة من عند الله جل جلاله فتحدث بها إلى الغير لتكن قدوةً حسنةً لهم، وقال مجاهد: إن النعمة المُشار إليها هي نعمة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي بلغ يا محمد ما أُنزل إليك من ربك[٣].
أما في تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 9، 10، 11]، ففيها أربع مسائل:
- الأولى: أما اليتيم فلا تقهر بمعنى: ألا تظلم اليتيم، وادفع إليه حقه.
- الثانية: دلت على اللطف باليتيم، والتزام الإحسان إليه وبره، فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (كافِلُ اليَتِيمِ له أوْ لِغَيْرِهِ، أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى) [صحيح مسلم|خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- الثالثة: وأما السائل فلا تنهر بمعنى: لا تزجر السائل، ورد إليه طلبه ببذل يسير، أو قول جميل حسن.
- الرابعة: وأما بنعمة ربك فحدث، بمعنى: انشر ما أنعم الله عليك به بالثناء والشكر؛ لأن الاعتراف بالنعم بمثابة شكر لله عليها.
ما هي الوسائل التي تعيننا على شكر النعم؟
يُعد الشكر من العبادات التي يتنعم الإنسان بجني ثمارها في الدنيا والآخرة، لذلك لَزِم على المسلم أن يكون من الشاكرين، وفيما يأتي سنقدم عدة وسائل تُعين المسلم على شكر الله على نعمه:
- الرضا والقناعة بما رزقك الله: قال صلى الله عليه وسلم: (وارْضَ بما قسم اللهُ لك تكن أغنى الناسِ)[صحيح الترمذي |خلاصة حكم المحدث: حسن][٤].
- تقديم الشكر لمن أسدى إليك إحسانًا أو معروفًا من النّاس: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ) [سنن أبي داود|خلاصة حكم المحدث: سكت عنه][٤].
- التأمل والتفكر بنعم الله الكثيرة عليك: قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78][٤].
- تقوى الله وطاعته: قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123][٤].
- سجود الشكر: فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال في وصف الرسول: (أنَّهُ كانَ إذا جاءَهُ أمرُ سرورٍ أو بشِّرَ بِهِ خرَّ ساجدًا شاكرًا للَّهِ) [سنن أبي داود|خلاصة حكم المحدث: سكت عنه]، وهذه السجدة لا يُشترط لصحتها استقبال القبلة أو الطهارة. والنعم صنفان: مستمرة ومتجددة، والأخيرة يسجد المسلم لها كلما أكرمه الله بنعمة ما[٤].
- الدعاء: عن معاذ بن جبل قال: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذ بيدِ معاذٍ فقال: (يا معاذُ واللهِ إنِّي لأُحِبُّك) فقال معاذٌ: بأبي أنتَ وأُمِّي واللهِ إنِّي لأُحِبُّك، فقال: (يا معاذُ أوصيك ألَّا تدَعَنَّ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك) قال: وأوصى بذلك معاذٌ الصُّنابحيَّ، وأوصى بذلك الصُّنابحيُّ أبا عبدِ الرَّحمنِ، وأوصى بذلك أبو عبدِ الرَّحمنِ عقبةَ بنَ مسلمٍ) [صحيح ابن حبان|خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه][٢].
من حياتكِ لكِ
يُعرف الشكر بأنه المجازاة على الإحسان، والثناء على من يقدم الخير، وأعظم من يستحق الشكر هو الله عز وجل لما له من مِنن وخيرات كثيرة على عباده في الدنيا والآخرة، ولكن أخبرنا الله عز وجل أن القليل من عباده هم الشاكرون، قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10]، ولتشكري الله تعالى عليك أن تعلمي أن الشكر لله يكون بتحقيقكِ لثلاثة أركان وهي[٥]:
- شكر القلب: بمعنى أن يستشعر قلبكِ قيمة النعم الكثيرة التي أنعمها الله عليكِ، وأن يقترن هذا الاستشعار باعترافكِ بأن الفضل في جميع النعم لله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وهذا الاعتراف لستِ مُخيرةً بِهِ بل هو واجب عليكِ؛ لأن من نسب الفضل بهذه النعم لغير الله عز وجل فقد كفر، ومن النّاس من يقر في قلبه بأن هذه النعم لله لا شريك له في ذلك، لكن يخطئ بلسانه فأحيانًا يضيفها لربه، وأحيانًا يضيفها لنفسه ومجهوده، أو لغيره من النّاس، في هذه الحالة توجب على العبد العودة لله والتوبة من هذا الذنب ليكتمل إيمانه.
- شكر الجوارح: ويعني ذلك أن تجعلي جوارحكِ كلها في طاعة الله، وتجنبيها المعاصي والآثام التي نهى عنها الله عز وجل، فشكركِ لله يجب أن يظهر عليكِ من خلال أعمالكِ وأفعالكِ الصالحة؛ لأن الكلام والإقرار غير المقرون بالعمل لا يحقق شكركِ لله بالتالي لا تستحقين اسم "الشاكر".
- شكر اللسان: وهو أن ينطق لسانكِ ويعترف بأن صاحب الفضل بجميع هذه النعم هو الله، وإشغاله دومًا بالحمد والثناء، فعن أنس بن مالك قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ ليَرضى مِن العبدِ أن يأكُلَ الأَكلَةَ فيحمَدَهُ عليها ويشرَبَ الشَّربَةَ فيحمَدَهُ علَيها) [مجموع الفتاوى|خلاصة حكم المحدث: صحيح]، كما أن بعض السلف قالوا: إن من كتم نعم الله فقد كفر بها، ومن نشرها وأظهرها فقد شكرها.
المراجع
- ↑ عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي (19_3_2019)، "شكر الله على نعمه"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 15_6_2020. بتصرّف.
- ^ أ ب الشيخ أحمد أبو عيد (1_8_2016)، / "فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "( وأما بنعمة ربك فحدث )"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج د. مهران ماهر عثمان، "الشكر"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
- ↑ "كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى على نعمِه الكثيرة ؟ "، islamqa، 1_12_2008، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.