المحتوى مدقق وجارٍ تدقيق اللغة
محتويات
الخشوع في الصلاة
إن الخشوع في الصلاة دلالة الفلاح في الدارين، وفي ذلك يقول عز وجل: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون: 1-2]، لذا فقد فسّرها ابن القيم -رحمه الله- بأن من لم يخشع في صلاته فلا يُعد من المفلحين وإن نال أجرها، كما ينبغي العلم بأن الخشوع هو رقّة القلب وسكونه، فإن خشع القلب لخالقه؛ خشعت من بعده الجوارح، إذ إنه العضو الذي يُعرف به الصلاح، فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: وأَهْوَى النُّعْمانُ بإصْبَعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ، إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإنَّ حِمَى اللهِ مَحارِمُهُ، ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، لذا فالواجب المسلم أن يسلك طريق الخاشعين، ويُمرّس قلبه على القنوت لرب العالمين، ويبتعد عن أحاديث الدنيا الزائلة، ويستشعر عظمة رب العالمين في صلاته، بَيد أنه في الزمن الحاضر يسمع الكثير من المصلين عن وساوس الشيطان، والانشغال بأمور الدنيا الزائلة ما إن يبدأ المسلم في صلاته، حتى أن بعضهم لا يشعر بنفسه إلى وقد سلّم عن شماله، كما أن البعض قد يحتار عقله أثناء الصلاة فلا يعرف هل صلّى ركعةً أم ركعتين، أو سجد سجدةً أم سجدتين، ولعل هذا السهو من طبيعة البشر، إذ إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد سها في صلاته؛ لذا فقد شرع لنا ما يُعرف بسجود السهو، وهو محور حديثنا في هذا المقال.[١]
كم عدد سجود السهو
يعد سجود السهو واجبًا في السهو عن أحد واجبات الصلاة وأركانها التي لا تصح إلا بها، أو أن يفعل المصلي فعلًا لا يجوز في الصلاة شرط أن يكون ساهيًا لا متعمّدًا، أما عن عددها فهي سجدتان تُسجدان قبل السلام أو بعده، ويُفضل أن تكونان قبل السلام، باستثناء حالتين؛ الأولى: إذا سلّم ساهيًا عن ركعة أو أكثر؛ فيعود لإكمال صلاته ثم يسجد للسهو، والحالة الثانية: أن يبني المصلي ظنّه على الأغلب، كأن يشك بأنه صلّى ثلاث ركعات بينما يغلب الظن عنده أنه صلّى أربع؛ فيكمل صلاته ثم يسجد، لكن إذا سجد للسهو قبل السلام جاز له ذلك، وعن مشروعية هاتين السجدتين؛ فقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا نُودِيَ بالأذانِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ له ضُراطٌ، حتَّى لا يَسْمع الأذانَ، فإذا قُضِيَ الأذانُ أقْبَلَ، فإذا ثُوِّبَ بها أدْبَرَ، فإذا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أقْبَلَ يَخْطُرُ بيْنَ المَرْءِ ونَفْسِهِ يقولُ: اذْكُرْ كَذا، اذْكُرْ كَذا، لِما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فإذا لَمْ يَدْرِ أحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وهو جالِسٌ. وفي رواية: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ الشَّيْطانَ إذا ثُوِّبَ بالصَّلاةِ ولَّى وله ضُراطٌ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وزادَ فَهَنَّاهُ ومَنَّاهُ، وذَكَّرَهُ مِن حاجاتِهِ ما لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ) [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ولكن يجب الانتباه بإعادة الركن المتروك إذا أمكن، لكن إذا لم يتمكن المصلي من إعادته فالواجب أن يعيد الركعة بأكملها، أي أنه إذا نسي الفاتحة، أو الركوع، أو السجود، ثم قام للركعة الثانية وشرع فيها ثم تذكر أنه نسي أحد أركان الركعة السابقة، فالواجب أن تكون الركعة الحاضرة بدلًا عنها، مثال ذلك؛ إذا نسي المصلي الركوع في الركعة الثالثة من صلاة العشاء، وقام للرابعة وشرع فيها، فالواجب أن يعتبر الركعة الرابعة هي الثالثة، فيأتي بركعة جديدة ثم يسجد للسهو، كما يوجد رأي آخر لأهل العلم، وهو أن المصلي إذا نسي أحد أركان الصلاة فإنه يمكنه العودة إليه إذا لم يصل إلى ذات الركن من السجدة الثانية، مثال ذلك؛ إذا نسي المصلي السجود من الركعة الأولى فالواجب أن يعود إليه إذا تذكره قبل أن يصل للسجود في الركعة الثانية، فلو أن المصلي نسي السجود في ركعة العشاء الثالثة، ثم شرع في قراءة الفاتحة من الركعة الرابعة وتذكر أنه لم يسجد في الركعة الثالثة؛ فالواجب أن يعود للسجود المسهو عنه ويكمل ما بعده ثم يأتي بالركعة الرابعة، وقد استند أهل العلم في هذا الرأي إلى أن الترتيب من واجبات الصلاة؛ فإذا نسي المصلي أحد واجباتها فما بعده جاء في غير محلّه[٢][٣][٤].
حكمة مشروعية سجود السهو
خلق الله الإنسان عرضةً للغفلة والنسيان، والصّلاة أعظم مقامات العبد بين يدي ربه، والشيطان حريصٌ على إفساد هذه الصلاة التي يناجي فيها العبد ربه إمّا بزيادةٍ أو نقص أو شك أو وسوسة؛ وقد شرع الله عزّ وجل سجود السهو ترغيمًا للشيطان وجبرًا للنقصان وإرضاءً للرحمن، كما يجب العلم بأن السهو في الصلاة لا يعني أن العبد مُعرضٌ عنها، إذ إن أفضل من أقام الصلاة؛ وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد سها في صلاته، فقد ورد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (صَلَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - قالَ إبْرَاهِيمُ: لا أدْرِي زَادَ أوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قيلَ له: يا رَسولَ اللَّهِ، أحَدَثَ في الصَّلَاةِ شيءٌ؟ قالَ: وما ذَاكَ، قالوا: صَلَّيْتَ كَذَا وكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمَّا أقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، قالَ: إنَّه لو حَدَثَ في الصَّلَاةِ شيءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ به، ولَكِنْ إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وإذَا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عليه، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) [ المصدر: صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٥].
كيفية سجود المرأة
ذكر بعض العلماء عن وجود بعض الاختلافات بين سجود المرأة وسجود الرجل، لكنّهم استدلوا على ذلك ببعض الأحاديث الضعيفة التي لا يؤخذ بها، كما ردّ الشيخ بن عثيمين على من أشار بكيفية خاصة لسجود المرأة بأن المرأة حالها كحال الرجل، وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ارجعوا إلى أهليكم فكونوا فيهم، وعلِّموهم ومروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي، فإذا حضرتِ الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، و لْيؤمُّكم أكبرُكم) [ المصدر: صحيح الجامع| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وهذا الحديث يدل على العموم، فالمرأة والرجل فيه سواء، لذا فالراجح أنهما في السجود سواء[٦].
المراجع
- ↑ "الخشوع في الصلاة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "كم عدد سجدات السهو؟"، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "أحكام من ترك ركناً من أركان الصلاة وأمكنه أو لم يمكنه تداركه"، islamweb، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "في سجود السهو"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "تعريف سجود السهو والحكمة منه"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.
- ↑ "هل يوجد فرق بين الرجال والنساء في هيئة السجود ؟"، islamqa، اطّلع عليه بتاريخ 6-12-2019. بتصرّف.