من الذي احرق روما سنة 64م

من الذي احرق روما سنة 64م

روما

تُعد روما عاصمة إيطاليا وإقليم لاتيسو، وتقع في وسط شبه الجزيرة الإيطالية على ضفاف نهر التيبر على بعد 24 كيلومترًا من البحر التيراني، وتجدر الإشارة إلى اعتبار روما واحدة من أقدم المدن وأعرقها تاريخيًّا لمكانتها السياسية والدينية والحضارية، وما زال يُنظر إلى روما حتى يومنا هذا على أنها أحد معالم القوة على الرغم من ضعفها السياسي والاقتصادي والعسكري في العصور الوسطى.


عند الحديث عن روما لا بدّ من التطرق إلى التوتر الحاصل بين الحكم الديني والسياسي فيها، إذ تعد روما منشأ المسيحية ومقرَّ كنيسة الروم الكاثوليك، وهذا ما صعّد الخلافات بين الحكم السياسي والديني فيها، وبذلك كانت آخر مقاطعة تنضم لإيطاليا مجبرة بعد حصار القوات المسلحة لها عام 1870 للميلاد، كما انسحب رجال الدين والباباوات إلى الفاتيكان ورفضوا السلطة الإيطالية إلى حين وصولهم إلى اتفاق عام 1929 بعد رؤيتهم لجبروت الحاكم بينيتو موسوليني واعتراف كل منهما بسلطة الآخر، وما زالت روما تحاول استعداد أمجادها القديمة بعد الدمار الذي عانت منه من حكم موسوليني وآثار الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.[١]


من الذي أحرق روما سنة 64 للميلاد

عرف التاريخ الحاكم نيرون بأنه الشخص الذي أحرق روما عام 64 للميلاد، ورُويت القصة على لسان المؤرخ تاسيتس، الذي كان طفلًا صغيرًا في ذلك الوقت، واندلع الحريق في المدينة صباح يوم 19 يوليو عام 64 للميلاد في منطقة الأسواق المحيطة بساحة سيركوس ماكسيموس، وهي حلبة لسباق عربات الخيل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ نشوب الحريق في ذلك الوقت هو أمر اعتيادي، خصوصًا في الصيف وفي الأحياء الفقيرة، وفي هذا الحريق تحديدًا انتشرت ألسنة اللهب بسرعة عبر المباني الخشبية الجافة في المدينة، وتسببت الرياح الشديدة بانتشار النيران بسرعة، وقد أتى الحريق على جميع البيوت والمحلات وكل شيء في مساره على مدار ستة أيام قبل أن يتمكنوا من السيطرة عليه، لكنّهم لم يستطيعوا إيقافه، إذ اشتعلت النيران من جديد واستمرت لثلاثة أيام أخرى، حتى دمرت عشر مقاطعات رومانية من أصل أربع عشرة مقاطعة، بالإضافة إلى معبد جوبيتر ستاتور ومجمَّع العذروات الفستاليات.[٢]


وردت تقارير عن عمليات نهب كبيرة خلال فوضى الحريق، وعن عصابات منعت المدنيين من إطفاء النيران وتوعدتهم بالقتل والأذية والتعذيب في حال حاولوا إطفاءها، وترددت شائعات عن نيرون أنه كان يغني في قصره في أنتيوم بينما كانت روما تحترق، إلا أن ذلك الخبر لم تتأكّد صحته، ووجدت جميع الأساطير أنّ لقصة الحرق روايتين أصليتين من المؤرخين المعاصرين، وعلى الرغم من القصص الشهيرة إلا أنه لا توجد أدلة تشير إلى أنّ الإمبراطور الروماني نيرون هو من تسبب باندلاع النار، ولكنه رغم ذلك استخدم الكارثة لمصلحته السياسية.[٢]


عندما علمَ نيرون بالحريق اتخذ سلسلة من التدابير لإيقافه، ونظم جهود الإغاثة ودفع ثمنها من أمواله الخاصة وفتحَ قصوره لتوفير المأوى للمشردين، وقد مات مئات الأشخاص في الحريق والباقي تُرك بلا مأوى، ولطالما ألقت الأساطير اللوم على نيرون لعدة أسباب؛ أولًا لم يكن نيرون يحب آثار المدينة القديمة وقد اعتقدوا إنهُ استخدم ذلك الخراب الناتج عن الحريق من أجل تغيير الكثير من المدينة أو تدمير المدينة حتى يتمكن من بناء قصر جديد، وعلاوة على ذلك أسس رموز بناء جديدة في جميع أنحاء المدينة، وثانيًا أن نيرون اتهم المسيحين وألقى اللوم عليهم، واعتبرهم المسئولين عن الحريق، وبهذه الطريقة حاول صرف الشكوك عنه، وبدأ اضطهادًا قاسيًا ومنهجيًّا ضد المسيحيين، وفي العام نفسه جمع الشعب من أجل هدف واحد وهو قتل المسيحيين وتعذيبهم في مشاهد دموية ووحشية بشعة، واستمر الاضطهاد الدموي الذي ذاق فيها المسيحيون جميع أنواع العذاب من أصناف العقاب الوحشي بحجة أن لهم علاقة بالنيران.[٣][٤]


حياة الإمبراطور نيرون

اسم نيرون الكامل هو نيرون كلوديوس قيصر أوغسطس جيرمانيكوس، وقد ولد في 15 من شهر ديسمبر عام 37 للميلاد، لوالده جناس دوميتوز اهنوباربوس ووالدته أغريبينا الصغرى، حفيدة الإمبراطور أوغسطس، وفي عام 54 للميلاد تولى نيرون الحكم، ولأول مرة في تاريخ روما كانت السلطة المطلقة في الإمبراطورية الرومانية في يد طفل صغير لم يتجاوز عمره سبعة عشر عامًا، وأصبح الإمبراطور الروماني الخامس، واستمر حكمه حتى عام 68 للميلاد، وفي بداية فترة حكمه كان نيرون خاضعًا لسيطرة والدته، ولكن معلمه الفيلسوف سينيكا وقائد الحرس الإمبراطوري بوروس أقنعاه بالتحرر من سلطات والدته وإحالتها إلى التقاعد عام 56 للميلاد، والحكم تحت مشورتهما، وعُرف عن نيرون خلال فترة بداية حكمه بالكرم والرأفة، إذ منع المسابقات التي تسفك الدماء، والإعدام، وقلّل الضرائب، وسمح للعبيد برفع شكوى ضد أسيادهم الظالمين، وفي المقابل شجع كتابة الشعر، والتمثيل على المسارح، وبدأت ملامح العنف في شخصية نيرون بالظهور عندما أمر بقتل والدته بسبب جنونها ورغبتها بالسيطرة عليه عام 59 للميلاد، حتى موت زوجته أوكتيفيا عام 62 للميلادي بأوامر منه لإثارتها مشاعر الكره بين العامة حين رغب بالزواج من أخرى.[٥]


نهاية الإمبراطور نيرون

في السنوات الأخيرة من حكم نيرون، عانت روما من ضغوطات عديدة، تضمنت إعادة إعمار روما والعاصمة بعد الحريق، كما شملت التمردات القائمة في بريطانيا، وهذا ما أجبر نيرون على تخفيض قيمة العملة الإمبراطورية وتخفيض محتوى الفضة في عملة الديناريوس بنسبة 10%.


تآمرت مجموعة من الأشخاص من ذوي المكانة الرفيعة لاغتيال نيرون في عام 65 للميلاد، مما دفعه إلى قتل أحد الولاة، ومجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، وعدد من الضباط، كما اتّهم معلمه سينيكا في هذه القضية وأجبره على الانتحار، كما ذهب في رحلة مطولة في اليونان لإعطاء نفسه فرصةً لفعل ما يُحب في مجال الموسيقى والأداء المسرحي، وقاد عربة في الألعاب الأولمبية، وأعلن عن إصلاحات سياسية مؤيدة للهيلينية، ثمّ عاد إلى روما في عام 68 للميلاد.


فشل نيرون في رد التمرد في بلاد الغال والسيطرة عليه، مما أدى إلى مزيد من الاضطرابات في أفريقيا وإسبانيا، وإعلان الحاكم نفسه مندوبًا لمجلس الشيوخ والشعب الروماني، وإعلان الحرس الإمبراطوري ومجلس الشيوخ الولاء له، كما أعلنوا نيرون عدوًّا للشعب، وعندما علم نيرون بذلك حاول الفرار، لكنّه لاقى حتفه في عام 68 للميلاد، ومع وفاته انتهت السلالة اليوليوكلاودية.[٦]


المراجع

  1. Blake EhrlichJohn FootRichard R. Ring (27-11-2019), "Rome"، britannica, Retrieved 16-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب "Secrets of the Dead", pbs, Retrieved 4-11-2019. Edited.
  3. "The Great Fire of Rome", historytoday,7-7-2014، Retrieved 12-11-2019. Edited.
  4. "The Myth of Nero Burning Rome", thoughtco, Retrieved 12-11-2019. Edited.
  5. "Nero", britannica,5-11-2019، Retrieved 19-11-2019. Edited.
  6. "Nero", history,7-6-2019، Retrieved 18-11-2019. Edited.

فيديو ذو صلة :