ما فضل قيام الليل

ما فضل قيام الليل

النوافل وقيام الليل

يُحاول العبد الصالح والتقي التقرب من ربه بالعبادة والطاعات والعمل الصالح، لكن أحب شيء لله سبحانه وتعالى هو أن يتقرب له العبد بالأعمال الصالحة غير المفروضة عليه التي يؤديها المسلم بعد إتمامه للفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج البيت لمن استطاع، فهذه الفرائض هي الدعامة الأساسية للدين الإسلامي ولا يصحَّ الإسلام إلا بها، لكن مع كل محاولات المسلم لتأدية هذه الفروض على أكمل وجه دون نقص أو خلل، يكون لديه العديد من النقص؛ ولذلك يتوجب عليه تعويض هذا النقص ببعض النوافل مثل قيام الليل[١].


يُعرف قيام الليل بأنه قضاء الليل كلَّه أو جزء منه طال أو قصر، فالعبادة كلها هدفها ابتغاء مرضاة الله وطلب الأجر والثواب منه جل وعلا، وتشمل العبادة أداء الصلاة النافلة؛ أي الزائدة عن الفريضة، وقراءة آيات من الذكر الحكيم من المصحف الشريف أو عن ظهر غيب، بالإضافة إلى ذكر الله تبارك وتعالى حمدًا وتهليلًا وتسبيحًا، ويختلف عن التهجد في أن الأخير هو صلاة الليل بعد نومٍ، فيما قال بعضهم إن صلاة الليل مطلقة، وهو قول أكثر أهل العلم، وبذلك يتبين أن القيام أشمل وأعم من التهجد؛ إذ يشمل الصلاة وغيرها سواء قبل النوم أو بعده، وسنتحدث في هذا المقال حول فضل هذه العبادة بشيء من التفصيل[٢].


ما هو فضل قيام الليل؟

تتمحور فضائل هذه العبادة في أمور عدة تشمل خير الدنيا والآخرة، ويمكن حصرها على النحو التالي:

  • سبب من أسباب دخول الجنة ونيل الدرجات العليا في غرفها، وهي أسمى ما يطلب المسلم من ربه، وقد أخبرنا النبي المصطفى عن أن قيام الليل باب لها، فقد روى عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن رسول الله أنه قال: (إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها، فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وباتَ قائِمًا والناسُ نِيامٌ) [رواه الألباني| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٣].
  • الاقتداء بسنة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمر الله جل وعلا نبيه الكريم بأداء القيام في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79]، وتجدر الإشارة إلى أن الآية الكريمة وإن كانت خاصةً بالرسول؛ إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيها بحكم أنهم مطالبون بالاقتداء به عليه السلام.
  • مدح الله أهل القيام، وأثنى عليهم كونهم من المحسنين والمستحقين لرحمته وخيره، كما أنهم من الأبرار، ومن المؤمنين الصادقين، وعليه فإنهم لن يتساووا مع غيرهم ممن قضى الليل نائمًا أو ساهرًا فيما لا طائل منه.
  • وسيلة للتقرب من الله جل وعلا، وبالتالي نيل محبته ومرضاته، فمن رضي الله عنه لا يضره شيء.
  • تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقد قيل لرسول الله أن فلانًا يصلي ليلًا ويسرق نهارًا، فأجاب النبي أن صلاته ستنتهاه عن فعله.
  • أفضل صلاة بعد المكتوبة، كما أن قراءة القرآن الكريم في القيام غنيمة كبيرة؛ فمن قرأ 10 آيات لم يُكتب عند الله من الغافلين، ومن قرأ مئةً كُتب من القانتين، ومن قرأ ألفًا كُتب من المقنطرين؛ أي ممن له قنطار من الأجر[٢].
  • طرد الداء عن الجسد بما في ذلك العجز والكسل.
  • تحصيل خيري الدنيا والآخرة، ففي القيام ساعة إجابة لا يُرد فيها سائل مهما سأل، ولا يستغيث ملهوف إلا أغاثه الله، ولا مظلوم إلا نصره، فهو جل وعلا مجري السحاب ومذلل الصعاب ومدبر الكون وقاسم الرزق، وبالتالي فإن تحصيل هذه الساعة في الثلث الأخير من الليل أمر عظيم جلل.
  • استشعار لذة وراحة وطمأنينة في القلب، فكما أن اللهو من لذات أهل الدنيا فإن قيام الليل من لذات أهل الله وخاصته.
  • التنعم بالنشاط البدني والحيوية سائر اليوم؛ فنجد الله للقائم خير معين على عمله، وذلك بخلاف من قضوا الليل نائمين؛ فهم كسالى متعبون طوال النهار.
  • التنعم بالنور التام في الوجه وعند الموت ويوم القيامة.
  • باب من أبواب سعة الرزق من حيث لا يحتسب العبد ولا يشعر، والرزق يشمل القوت اليومي وهداة البال أيضًا فيجعل الله لعباده القائمين من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا[٤].


سنن قيام الليل

تُقصد بذلك جملة الأمور التي يسن لقائم الليل أن يؤديها اقتداءً بنهج النبي المصطفى[٢]:

  • عقد النية قبل الخلود إلى النوم كل ليلة، وفي هذا خير كثير يحصله العبد؛ فإذا ما غلبه النعاس حتى يصبح كُتِب له ما نوى، وكان نومه صدقةً له من ربه جل وعلا.
  • المسح على الوجه عند الاستيقاظ، ثم التسوك والنظر إلى السماء ثم الدعاء بما جاء عن النبي: "لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
  • قراءة العشر الأواخر من سورة آل عمران.
  • الدعاء الجامع، فقد روى عبدالله بن عباس أن النبي إذا قام من الليل يتهجد كان يقول: (اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ -أوْ: لا إلَهَ غَيْرُكَ- قالَ سُفْيَانُ: وزَادَ عبدُ الكَرِيمِ أبو أُمَيَّةَ: ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، قالَ سُفْيَانُ: قالَ سُلَيْمَانُ بنُ أبِي مُسْلِمٍ: سَمِعَهُ مِن طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) [رواه البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح][٥].
  • افتتاح صلاة قيام الليل بركعتين خفيفتين.
  • إيقاظ أهل البيت لأداء الصلاة.
  • ترك الصلاة والرقود إلى النوم إذا غلبه النعاس، فمن السنة ألا يشق المسلم على نفسه بل يقوم بقدر طاقته، مع الحرص على ديمومة الفعل وإن قل؛ فخير الأعمال أدومها وإن قل.
  • قراءة جزء أو أكثر أو أقل من القرآن الكريم، فهذا منوط بالتدبر لما يقرأ، وتجدر الإشارة إلى أن المسلم مخير ما بين الجهر والإسرار وإن كان الأول أنشط، وربما أكثر نفعًا إذا ما كان بحضرة القائم من يستمع لقراءته.
  • جواز أداء صلاة الله جماعةً، فقد فعل النبي ذلك وأَمّ أصحابه في بيت عثمان، ومنهم أبو بكر، وحذيفة، وابن عباس، وابن مسعود، مع العلم أن صلاة الليل حسب نهج النبي كانت فرديةً في غالبها.


حكم صلاة قيام الليل

تُعد صلاة قيام الليل من السنن المؤكدة، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على القيام بها، فهي من الأعمال الصالحة وهي دأب الصالحين، ومن السنة قيام الليل من أوله لكن إن لم يستطيع المسلم البدء بأول الليل فيمكنه قيام آخره، فقيام الليل في آخره أفضل للمسلم، أمّا إذا خاف المسلم أن يضيع عليه الوتر فيصليها في أول الليل، ويُعد الوتر من السنن المؤكدة إذ يكون أقلُ عددٍ منه هو ركعة وتجوز الزيادة عليها؛ إذ يمكن أن تؤدى ثلاث ركعات أو خمس ركعات وذلك أفضل، وفي الوتر يكون على المصلي أن يُسلم بين كل ركعتين حتى يتمها، وفي النهاية فإن العدد ليس محددًا ومجاله مفتوح للمصلي، إذ يُصلي ما يقدر عليه[٦].


كيف تُصلين قيام الليل؟

يجب أن تنوي قبل بدء صلاتكِ إذ تكون النية في قلبكِ ولا يجوز لكِ التلفظ بها، ويكون وقت صلاة القيام من بعد صلاة العشاء حتى طلوع الفجر، ويُفضّل أن تكون خلال الثلث الأخير من الليل لما لها من فضل عظيم، وتُصلى صلاة قيام الليل كباقي النوافل ركعتين ركعتين والإنهاء بركعة الوتر، أمّا عدد الركعات فمن الأفضل أن يكون 11 ركعةً ويمكن الزيادة عليها، ويجوز لك الدعاء بما شئتِ في صلاة قيام الليل؛ ومن ضمن الأدعية المفضلة دعاء الاستفتاح وكذلك دعاء الوتر[٧].


أي صلاة تتم من بعد أداء صلاة العشاء هي من قيام الليل، فإذا صليتِ ركعتين بعد صلاة العشاء ثم أوترتِ بركعة واحدة عُدَّت هذه الصلاة من قيام الليل.


المراجع

  1. "النوافل طريق المحبة "، طريق الإسلام، 17-08-2016، اطّلع عليه بتاريخ 26-03-2019. بتصرف.
  2. ^ أ ب ت "فقه قيام الليل"، الراشدون، 10-3-2018، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
  3. "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
  4. "" ما يعودُ على المسلم من قيام الليل في الدنيا والآخرة ""، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
  5. "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5-12-2019. بتصرّف.
  6. "فضل قيام الليل وأحكامه"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 26-03-2019. بتصرف.
  7. "صفة قيام الليل وبعض أحكامه "، طريق الإسلام، 05-07-2008، اطّلع عليه بتاريخ 26-03-2019. بتصرف.

فيديو ذو صلة :