محتويات
الغش في الإسلام وعواقبه
جاء ذمّ الغش وأهله في العديد من المواضع القرآنية الكريمة، وتوعّد الله أهل الغش بالويل، إذ قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}،[١]، ففيها من الوعيد العظيم لمن يبخسون وينقصون المكيال أي الميزان، ففي هذا الموضع جاء تحذير من الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه شعيب عليه السلام إلى قومه بعدم بخس الناس أشياءهم، وقد قال العلماء العديد من المقولات التي عرفت الغش، إذ قال المناوي عن الغش: "هو ما يخلط من الرديء بالجيد"، وقال ابن حجر الهيثمي: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئًا لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل"، فللغش مجالات عديدة؛ إذ نجده في التجارة بكافة أشكالها وأنواعها، ونجده في غش الإمام لرعيته، ونجده في الزواج، وفي الاختبارات، وغيرها، وعواقب الغش من أهم أسباب الوصول إلى النار، وفيه من الدلالة على دناءة مرتكبه وخبثه، كما أنه أحد مسببات البعد عن الله، والحرمان من استجابة الدعاء، وفيه انتزاع للبركة في المال والعمر، ومن عواقب الغش الدنيوية تسلط الظلم والظلمة على المرء الذي يغش؛ إذ قال ابن حجر الهيثمي في هذا الباب: "ولهذه القبائح -أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع، سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألوانًا"، وما أكثر هذه الأمثلة التي وردت في جملة ابن حجر الهيثمي، وسنتحدث في هذا المقال عن الغش وصوره في المجتمع[٢].
نص حديث من غشنا فليس منا
روى أبو هريرة -رحمه الله- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حديثًا جاء فيه: [أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- مرَّ علَى صُبرةٍ مِن طعامٍ فأدخلَ يدَهُ فيها، فَنالَت أصابعُهُ بللًا، فقالَ: يا صاحبَ الطَّعامِ ما هذَا؟ قالَ: أصابَتهُ السَّماءُ، يا رسولَ اللَّهِ، قالَ أفَلا جعلتَهُ فَوقَ الطَّعامِ حتَّى يراهُ النَّاسُ ثمَّ قالَ مَن غشَّ فلَيسَ منَّا][٣].
شرح حديث من غشنا فليس منا
بين الحديث أن الغش صفة منافية للأخلاق الإسلامية، فهو خداع يجلب للمجتمع الويلات والبغضاء والمشاحنات بين أفراده، فالإسلام حث على الأمانة التي تعد من محاسن الأخلاق، وبتأديتها في الأمور المادية والتجارية باختلاف أنواعها وأشكالها سيستقر المجتمع وتحصل التعاملات بين الناس دون منازعات أو بغضاء. أما في شرح الحديث فإن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مر على "صبرة طعام"؛ أي كومة طعام، فأدخل يده فيها فوجد بللًا في أسفلها، فسأل صاحب الكومة عن السبب، ليرد عليه بأن السماء أصابته بهذا البلل من المطر؛ مما يعني أن صاحب الطعام وضع الصحيح الجاف منه في الظاهر، في حين أبقى على الرديء منه في الأسفل، فكان رد الرسول -عليه الصلاة والسلام- مباشرةً قائلًا: "أفلا جعلتَه فوق الطَّعام كي يراه النَّاسُ"، أي ليعرفوا ويميزوا ما فيه من عطب، ومن الجدير بالذكر أن الناس كانوا يبيعون الصبرة كلها دون النظر لحالها، وبناءً عليه فقد دخل هذا العمل في دائرة الغش عند قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- لصاحب الطعام: "مَن غشَّ فلَيسَ منَّا"، وفيها إشارة للمسلمين عامةً أن من يخدع الناس بأي صورة أو طريقة ليس على هدي الحبيب -عليه أفضل الصلاة والسلام-، وبالتالي فالغش خروج عن سنة الرسول وطريقه، إذ كان رد الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيه زجرًا وشدة وتهديدًا على التمادي في الغش[٤].
صور الغش في المجتمع
أشكال الغش في المجتمع كثيرة ومتنوعة، فالغش في العديد من الدلائل القرآنية والسنة النبوية محرم شرعًا دون أي تفسير أو تأويل، وله عواقب كما أشرنا آنفًا دنيوية ودينية تعود على المجتمع بالضرر، وفيما يأتي سنذكر بعض صوره كالآتي[٥]:
- الغش في المعاملات المالية: وفي البيع أو الشراء، فقد يحصل الشخص على مال بطريقة غير مشروعة فيها كذب أو كتمان لعيوب في سلعة ما، أو التطفيف في وزنها، وغيرها الكثير من طرق التغيير والتبديل التي تؤدي للغش عند بيعها أو تبديلها أو شرائها؛ إذ ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قوله: [أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، ولَا تُصَرُّوا الغَنَمَ، ومَنِ ابْتَاعَهَا فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أنْ يَحْتَلِبَهَا، إنْ رَضِيَهَا أمْسَكَهَا، وإنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وصَاعًا مِن تَمْرٍ][٦].
- الغش في العمل: وهو ما يقوم به الموظفون من غش في وظائفهم ومهامهم، فيوراوغون ويخادعون ويماطلون دون وضع تقوى الله ومخافته في اعتباراهم.
- الغش في تقديم النصيحة في غير مكانها الصحيح: أي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن كان بمقدوره أن يقدم لأخيه نصيحه تنفعه في دينه ودنياه ولم يفعل يعد من الغشاشين؛ إذ روى جرير بن عبد الله عن الرسول أنه قال: [بَايَعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى إقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ][٧].
- من صور الغش في المجتمع غش الرعية، فمن أوكل له أمر المسلمين ولم يؤدِ ذلك بما يرضي الله -عز وجل- دخل في دائرة الغش، إذ روى معقل بن يسار عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: [ما مِن عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّتِه إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنَّةَ][٨].
- تزوير الحقائق وقلبها: والنقض في العهود والمواثيق؛ فشهادة الزور غش، وكتمان الباطل غش؛ إذ يقول الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[٩].
- الغش في الاختبارات المدرسية: وما يترتب عليه من ظلم للطلاب؛ إذ يرفع الغش طلابًا لا يستحقون النجاح، ويقلل من درجات طلابٍ ويضعهم في غير موقعهم، وللأسف يزيد الظلم عند خروج جيل جاهل قد يحتل مناصبًا حساسة وهامة في المجتمع، إذ يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: [إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ][١٠].
المراجع
- ↑ سورة المطففين ، آية: 1-3.
- ↑ "من غشنا فليس منا "، islamway، 26-5-2014، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1315 ، صحيح .
- ↑ "شرح الحديث"، dorar، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019.
- ↑ أحمد عماري (23-7-2016)، "الغش: حقيقته ومخاطره وأنواعه وسبل الوقاية منه"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 9-12-2019.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2150 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن جرير بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 2715 ، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم: 4495 ، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة الاسراء ، آية: 34.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6496 ، صحيح.