خطبة عن قيام الليل

خطبة عن قيام الليل

فضل قيام الليل

يُعرف قيام الليل بإحياء الليل أو جزء منه بطاعة يتقرب بها العبد من ربه مثل الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن الكريم، وهي سنة مُتبعة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ونهج الصالحين البارين بربهم، من حافظ عليها أحيا الله قلبه وبيض وجهه وأنار دربه، ومن أهملَها فقد حُرِمَ من الانتفاع بفضلها في الدنيا والآخرة، وقد ورد في الكتاب والسنة العديد من الأدلة التي تُرغب بها وتبين فضلها وتمتدح المحافظين عليها ومنها قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]، ولهذه العبادة العظيمة فضائل عدة فهي سبب لدخول الجنة، وسبب في نزول رحمة الله، وعلامة من علامات المُتقين الذين يقضون ليلهم في الركوع والسجود، ومن فضلها أن أصحابها لا يستوون عند الله عن غيرهم؛ فهل يستوي عبدٌ قضى ليله في اللهو والسهر والتقليب في القنوات الفضائية مع عبدٍ قلبه حي قضى ليله في دعاء ربه، والبكاء من خشيته، ومن فَضلِها أيضًا أن الله فَضَّلها على صلاة النهار، قال صلى الله عليه وسلم: (وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ الليلِ) [الإلزامات والتتبع| خلاصة حكم المحدث: لا يضره إرسال شعبة لأن أبا عوانة ثقة فزيادته مقبولة] والمقصود بصلاة النهار هي الصلاة النافلة وليست المفروضة؛ وجاء هذا التفضيل لعدة أسباب، فهي أقرب للإخلاص فعند إحياء العبد ليله يكون ذلك بينه وبين ربه فلا أحد يعرف بذلك حتى أهل بيته، وأقرب للخشوع والتدبُر والتأمل بكلام الله عند تلاوته، وأكثر مشقة؛ لأن العبد ينهض من نومه وفراشه الدافئ ويتغلب على شيطانه ليحيي ليله وبذلك تعب ومعاناة، ومن فضائل قيام الليل أنها شرف للمؤمن على عكس ما يعتقد البعض أن شرفه ماله وحسبه ونسبه، فمن أحياها أعلى الله شأنه ورفع قدرهُ ومَكَانَتُهُ، ومن الفضل العائد على العبد إذا قام ليله إدراكه للثلث الأخير من الليل هذا الوقت الذي ينزل به رب العالمين إلى السماء الدنيا وهو وقت استجابة للدعاء[١]. [٢].


خطبة عن قيام الليل

إن الحمد لله، نستغفره، ونستعين به، ونعوذ به سيئات أعمالنا، ومن شرور أنفسنا، ونحمده كثيرًا، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وصلاةً على عبده الذي اصطفى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون إن قيام الليل صفة من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]، وهو سبب من أسباب نجاة المسلم من عذاب النار لما وَرَدَ في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (كانَ الرَّجُلُ في حَيَاةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَمَنَّيْتُ أنْ أرَى رُؤْيَا، فأقُصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، وكُنْتُ أنَامُ في المَسْجِدِ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي، فَذَهَبَا بي إلى النَّارِ، فَإِذَا هي مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وإذَا لَهَا قَرْنَانِ وإذَا فِيهَا أُنَاسٌ قدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أقُولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ النَّارِ، قالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا علَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، وقيام الليل أيها الأخوة سبب من أسباب راحة المسلم وسعادته في الحياةِ الدنيا، وسبب من أسباب ارتقاء المسلم لأعلى الجنان، وقيام الليل يرفع صاحبه إلى منزلة الشاكرين لله جل جلاله وهذا ما جاء في الحديث الشريف الذي يصف حال النبي في اجتهاده بقيام الليل: (إنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فيُقَالُ له فيَقولُ: أَفلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث : صحيح]، ومن أسرار قيام الليل أيضًا أن من أحياها بعشر آيات لم يَكتِبهُ الله من الغافلين، ومن أحياها بمائة آية كُتِبَ من القانتين، ومن أحياها بألف آية كُتِبَ من المُقنطِرِين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وادعوه أن يجعلنا من القائمين القانتين، الشاكرين الذاكرين، اللهم ارحمنا واصرف عنا عذاب جهنم، اللهم ثبت قلوبنا على حُبِكَ وطاعتك واجعلنا من أهل الإحسان، اللهم اجعلنا ممن يَستمعون القول فَيَتَبِعُون أحسنه[٣].


كيف يمكن التحضير لإلقاء الخطبة؟

إن الخطبة مسؤولية وأمانة عُظمى تُلقى على كاهل صاحبها فهي منبر لإظهار الحق، وإحياء سنن النبي عليه الصلاة والسلام، وإبطال البدع المنتشرة، وفي المقابل إن أسِيئ استعمالها حدث عكس ذلك فينتشر الباطل، وتكثر البدع، وتموت السّنة؛ لذلك توجب على الخطيب أن يتقي الله ويحسن إلقاء خطبته، ويعلم أن هناك أصنافًا من النّاس تستمع إلى ما يقوله في خطبته ومنهم من يأخذون كلامه ويعملون به بغض النظر عن مدى صحته، لذلك لَزِمَ عليه التحضير الجيد من قبل لخطبته؛ لِيَحصُر أفكاره ويُلم بموضوع الخطبة، ويزيد الثقة بنفسه، وثقة المستمعين بِهِ، وفيما يلي سنقدم طرق نافعة ومختصرة تُفيد بالتحضير للخطبة[٤]:

  • اختيار موضوع خطبة مناسب ويُفيد شريحة واسعة من المسلمين.
  • الحرص على الرجوع للموسوعات العلمية، ومراكز المعلومات، والتي تُوفر محتواها إلكترونيًا، وذلك بهدف جمع معلومات علمية صحيحة ومميزة.
  • الاستعداد البدني والنفسي، وتفريغ الذهن من الهموم الدنيوية، وحصر تفكيره وتركيزه على الخطبة التي سيلقيها، ويستمع إليها فئة كبيرة.
  • توثيق جميع المعلومات الواردة في الخطبة، والحرص على نسب كل معلومة إلى مصدرها أو قائلها.
  • جمع الآيات المُتعلقة بموضوع الخطبة، والرجوع إلى التفاسير المُعتمدة من أهل السنة لتفسيرها مثل تفسير ابن كثير والطبري.
  • جمع الأحاديث المُتعلقة بموضوع الخطبة، وتخريجها تخريجًا مختصرًا، ومعرفة ما هو صحيح وما هو ضعيف منها، فلا يُلقى على مسامع المسلمين إلا الأحاديث الصحيحة المقبولة.
  • الرجوع للقواميس العربية؛ ليكون نص الخطبة صحيحًا لغويًا مثل المعجم الوسيط، ولسان العرب.
  • جمع القصص الهادفة التي تخص الموضوع وتزيده وضوحًا، وتضمينها في الخطبة.
  • جمع المواقف العملية والأمثلة التي تُترجم الموضوع ترجمة حية؛ وذلك لاقتران العلم والعمل اللذان لا ينفصلان في الدين.


من حياتكِ لكِ

حث الله عباده على المداومة على قيام الليل وقد وردت في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي امتدحت أهلها، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17-18]، وعن وقتها فيبدأ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ويكون الوقت بينهما محل تهجد بالليل، وأفضل وقت لها هو الثلث الأخير من الليل، لكن إن أوتر المسلم في أول الليل أو وسطه أو آخره فله ذلك، وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا كله، وإن كنتِ تتساءلين عن عدد ركعاتها؟ فهي صلاة لا حصر لعدد ركعاتها، لكن الأفضل الاقتداء بفعل النبي عليه الصلاة والسلام إذ كان يوتر أحد عشرة أو ثلاث عشرة ركعة يسلم في كل ركعتين ويوتر بركعة واحدة، ولكن إذا أوتر المسلم بثلاثين ركعة أو أربعين أو زاد عن ذلك ثم أوتر بركعة فهذا جائز أيضًا، قال صلى الله عليه وسلم: (قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ: صلاةُ اللَّيلِ مثنى مثنى، والوترُ رَكعةٌ قبلَ الصُّبح) [صحيح ابن ماجه| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، ويمكنكِ أداؤها جهرية أو سرية، فكلتاهما جائز وأنتِ تختارين ما هو الأخشع لقلبكِ منهما، ولا مانع من أن تُصليها في جماعة في بعض الأحيان لكن لا تتخذينها عادة دائمة.

يعد السهر أكبر مُعيق للمسلم عن إحياء قيام الليل، لذا ننصحكِ بالابتعاد عن السهر الذي ما هو إلا مضيعة للوقت في الغيبة والنميمة، أو الانشغال بالأمور الدنيوية، فإن ذهبتِ للفراش ستغرقين بالنوم ولن تتمكني من النهوض للعبادة، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، فينبغي عليكِ النوم مُبكرًا لتتمكني من إحياء هذه السّنة العظيمة أو أن تصلي من الليل ما تيسر قبل ذهابكِ للنوم[٥].


المراجع

  1. "هل هناك فرق بين التهجد وقيام الليل "، islamqa، 28_1_2010، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
  2. خالد الحسينان، "فَضْلُ قِيامِ الليْلِ"، saaid، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
  3. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني (10_10_2019)، "خطبة قصيرة عن قيام الليل"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
  4. أ.رضا جمال (23_5_2010)، "طريقة مختصرة في تحضير الخطبة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.
  5. "قيام الليل .. صفته ووقته وفضله "، binbaz، اطّلع عليه بتاريخ 14_6_2020. بتصرّف.

فيديو ذو صلة :