محتويات
الغاية من خلق الإنسان
إنّ الله تعالى لم يخلق الإنسان والسّموات والأرض عبثًا، وقد بيّن ذلك في قوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[سورة المؤمنون:115، 116]، إذ كرّم الله تعالى الإنسان فلم يخلقه ليأكل ويشرب ويتناسل كالبهائم بل فضّل الله تعالى الإنسان على باقي المخلوقات، إلّا أنّ أكثر الناس كفروا وجحدوا الغاية من خلقهم وتمتعوا بشهوات الدنيا وابتعدوا عن الله لتُصبح حياتهم كحياة البهائم، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [سورة محمد: 12][١].
تكريم الله للإنسان
خلق الله الإنسان بأحسن صورة كما في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [سورة التين: 4] وجعل روحه تتحلّى بالصّفات الحسنة والأخلاق الطاهرة، وأكرمه بالعقل المُدرك، ويُعد الإنسان من أكرم المخلوقات الموجودة في العالم، فالله تعالى خلقه وفضّله بالنطق والعقل والصورة الحسنة على سائر خلقه، كما في قوله تعالى: {وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا} [سورة الإسراء: 70]، كما فضّل الله تعالى الإنسان على الكثير من المخلوقات ورزقه من الطيبات وسخّر له البحر والبر، وجعل الله تعالى الإنسان خليفةً في الأرض، وسنتناول في هذا المقال مظاهر تكريم الله تعالى للإنسان[٢][٣].
مظاهر تكريم الله للإنسان
بيّن أهل العلم قديمًا وحديثًا مظاهر تكريم الإنسان، ومن أهم المظاهر ما يلي:
- أكرم الله تعالى الإنسان وشرفه بأن خلقه وأوجده من العدم، إذ كلّفه بمهمة استخلاف الأرض بالإيمان والتوحيد، كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ وَكانَ عَرشُهُ عَلَى الماءِ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَلَئِن قُلتَ إِنَّكُم مَبعوثونَ مِن بَعدِ المَوتِ لَيَقولَنَّ الَّذينَ كَفَروا إِن هـذا إِلّا سِحرٌ مُبينٌا} [سورة هود: 7][٤].
- أكرم الله تعالى الإنسان بأن سخّر الكون له وجعله سيد المخلوقات في هذه الأرض وحمّله الأمانة كما في قوله تعالى: {بِالبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ} [سورة النحل: 44][٤].
- أكرم الله تعالى الإنسان بالفطرة والهداية إلى الإسلام، إذ إن الفطرة تولد معه منذ خلقه وتدفعه إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده، فقد أودع الله تعالى في تكوينه وركّب فيه إحساسًا روحيًّا يقوده للصراط المُستقيم أي لتوحيد الله تعالى وعبادته، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ علَى الفِطْرَةِ، وَأَبَوَاهُ بَعْدُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، فإنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، فَمُسْلِمٌ كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ في حِضْنَيْهِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا) [المصدر: صحيح مسلم | خلاصة حكم المحدث: صحيح][٤].
- أكرم الله تعالى الإنسان بأن خلقه وجمله في أحسن صورة، إذ لا يوجد أي جنس من المخلوقات أحسنُ من صورة الإنسان، كما قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [سورة التين: 4][٥].
- أكرم الله تعالى الإنسان بأن منحه العقل، إذ إن العقل له القدرة على التدبر والإدراك وتصريف الحياة، كما أن العقل مناط التكليف وأساسه، وبمعنى أن لا تكاليف يخاطبه بها الشرع إن لم يكن الإنسان صاحب عقل سليم، ولمّا رفع الله تعالى التكليف رفع معه المساءلة والحساب عنه، ولم يجعل الله تعالى العقل في الإنسان جمالًا وترفًا بل جعله منشأ التفكير ومن خلاله يستشرف الإنسان الدلالات في خطاب الشرّع، وأن صاحب العقل يعرف كيف يؤدي الأمانة ويُحافظ عليها لأنه أفضل مخلوق بين المخلوقات كما في قوله تعالى: {وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا} [سورة الإسراء: 70][٦].
- أكرم الله تعالى الإنسان بأن أسكنه فسيح جناته[٣].
- أكرم الله تعالى الإنسان بأن أسجد له الملائكة وأن خلقه بيده ونُفخ فيه من روحه[٣].
تكريم الإنسان لنفسه
يجب على الإنسان أن يحرص على العيش كريمًا، وأن يحفظ كرامته لأنّ الله تعالى لم يرضَ لنا المهانة، وتوجد عدة أمور يجب على الإنسان القيام بها من أجل حفظ كرامة نفسه ومنها ما يلي[٣]:
- أن يُكرم الإنسان عقله من خلال العلم والتأمل والتدبر والتفكر والابتعاد عن الأوهام.
- أن يُكرم الإنسان قلبه بحب الله تعالى والإيمان به والتوكل عليه، ويجب على الإنسان أن يُنقي قلبه من الأمراض مثل: الكراهية والحسد والحقد.
- أن يُكرم الإنسان روحه بمكارم الأخلاق وذكر الله تعالى، وأن يسمو بنفسه عن الدناءة والغفلات.
- أن يُكرم الإنسان جوارحه بعمل الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والشهوات، وأن يختار الإنسان أفضل الأقوال والأفعال.
- أن يُكرم الإنسان نفسه بالعزة والترفع عن سؤال الناس، والإيمان بأن الرزق بيد الله تعالى، وأن من يرزق الطير في السماء والسمك في الماء والنمل في الجحور لن ينسى أن يرزق عبده.
واجب الإنسان اتجاه الله سبحانه وتعالى
ثمة واجبات عديدة على الإنسان تجاه ما أمره الله به، ومنها[٧]:
- يجب على الإنسان تعلم المأمور به من الله تعالى ومعرفته والعلم به، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ) [المصدر: صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- يجب على الإنسان محبة ما أمرنا الله به لأنّ الله تعالى لا يأمر إلّا بالخير ولا ينهى إلّا عن المنكر والشر والبلاء، كما يجب على الإنسان أن يحذر من أن يكون في قلبه شيء من البغض لأوامر الله تعالى كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد: 9].
- يجب على الإنسان أن يعزم على فعل ما أمرنا به الله تعالى وأن تكون العزيمة من القلب.
- يجب على الإنسان أن يؤدي ما أمره الله تعالى برغبه طائعة لأن من واجب العبد على ربه أن يطيعه في أوامره.
- يجب على الإنسان أن يكون عمله خالصًا لله تعالى وصوابًا لسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ الله تعالى لا يقبل العمل إلا إذ كان خالصًا له.
- يجب على الإنسان أن يحذر من الأعمال المبطلة والمُفسدة والمحبطة مثل: النفاق والسمعة والرياء وإرادة الدنيا بالعمل.
- يجب على الإنسان أن يُجاهد نفسه على الثبات على أوامر الله تعالى، كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران: 8].
المراجع
- ↑ "الحكمة مِن خَلْق البشر"، islamqa، 2005-9-3، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ↑ "ولقد كرمنا بني آدم.."، islamweb، 2011-11-22، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "ولقد كرمنا بني آدم"، islamweb، 2018-2-27، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "التكريم الإلهي للإنسان من الخَلق إلى الإسلام"، alukah، 2012-6-4، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ↑ "ما أكرمَ الإنسانَ عندَ اللهِ"، alukah، 2016-10-29، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ↑ "تكريم الله للإنسان بالعقل"، alukah، 2015-7-11، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.
- ↑ "واجب المسلم نحو أوامر الله"، alukah، 2010-6-9، اطّلع عليه بتاريخ 2019-12-29. بتصرّف.