مراحل تطور الفلسفة

مراحل تطور الفلسفة

متى ظهرت الفلسفة؟

ظهرت الفلسفة لأوَّل مرة في الحضارة اليونانيَّة القديمة، في القرن السادس قبل الميلاد، وكان مبدأ الفلسفة لديهم يرتكز على السبب الأوَّل للظواهر الطبيعيَّة الموجودة حولهم، وكانوا يُدركون أنَّ للعالَم خالق صنَعه، ولكن كان في نظرهم أنَّ الآلهة هي من صنعت ذلك العالَم، إلى أن طوَّر طاليس الملطي في عام 585 قبل الميلاد هذه الأفكار، وتبنَّى فكرة أنَّ الماء هو السبب الأوَّل في وجود الكون، وبعد ذلك تواصلت التَّكهُنات الفلسفيَّة الإغريقيَّة وتطوَّرت، ومع انتشارها أصبحت الفلسفة اليونانيَّة الأساس الثقافي الفلسفي للغرب حتى عصرنا الحديث[١].


مراحل تطور الفلسفة

تعود كلمة الفلسفة إلى كلمة يونانيَّة مكوَّنة من جزئين فيلو (الحب) وصوفيا (الحكمة)، والتي تعني حرفيًّا حب الحكمة، وعلى نطاق أوسع شموليَّة تعني دراسة الأمور الأساسيَّة الأكثر ارتباطًا بالوجود البشري بعمق، ففي الماضي البعيد بدأ الإنسان يتسائل عن سبب وجوده، وكيف سيتمكَّن من فهم ما حوله، ويمكن إطلاق مصطلح الفلسفة على نظام فكري علماني، أو ديني رسمي، أو مبدأ شخصي، أو إجماع على موقف وسلوك معيَّنين، ولكن الهدف المشترك في جميع الحالات هو الإجابة على مثل هذه الأسئلة الوجوديَّة، أمَّا عن مراحل تطور الفلسفة منذ القِدَم في جميع الحضارات، فهي كما يأتي[٢][٣]:


الفلسفة اليونانيَّة

عندما بدأ طاليس الملطي في القرن السادس قبل الميلاد يتسائل عن أساس الكون، لاقت استفساراته استهجانًا من مجتمعه، واعتُبرت تساؤلاته حالة شاذَّة، إذ كانوا يعتقدون أنَّ المعتقدات الدينيَّة في ذلك العصر قد أجابت عن هذه التساؤلات إجاباتٍ لا شكَّ ولا نقاش فيها، واعتبر الدين اليوناني القديم أنَّ الآلهة هي من خلقت الكون والبشر، وهذه كانت معتقدات الدِّيانات الأخرى في معظم العالم في ذلك الوقت، والتشكيك في هذا الأمر لم يكن موضع ترحيب أو موافقة، لذلك لم يُنكِر طاليس وجود الآلهة تمامًا، تجنُبًا للمشاكل مع السلطات الدينيَّة.


وأنشأ طاليس مدرسة ميليسيان، والتي تُعدُّ أوَّل مدرسة فلسفيَّة غربيَّة، وتوالت بعدها المدارس الفلسفيَّة اليونانيَّة، فأنشأ أناكسيماندر مدرسته في 546 قبل الميلاد، وأنكسيمانس في نفس العام، والذي أنكر ادِّعاء طاليس بأنَّ الماء هو السبب الأوَّل في وجود الكون، ثمَّ تواصل تطور الفكر الفلسفي بعد ذلك حتى وصل إلى أوج ازدهاره من خلال أعمال أفلاطون ثمَّ أرسطو، وبعد ذلك طوَّر المفكِّرون مفاهيم الفلسفة كثيرًا، ومن أبرزهم أفلوطين الذي ساهم في تأسيس الفلسفة في الغرب.


الفلسفة في مصر القديمة

تطوَّر الفكر الفلسفي فيمصر القديمة إستجابةً للمعتقد الديني حول حياة النَّعيم بعد الموت والذي كان يُعرف باسم حقل القصب، والذي كان يُعتقد فيه أنَّ أرواح الموتى الصالحين ستعيش إلى الأبد في حياة مشابهةً تمامًا لحياة المرء الأولى على الأرض، ومن هذا المنطلق بدأت الفلسفة المصريَّة بالتَّساؤل والبحث عن أسلوب الحياة الذي يجب أن يسير عليه المرء ليضمن الوصول إلى هذه الجنَّة، وتوضّح الرسوم التي نُقشت على القبور قبل 4000 عام من الميلاد تطور الفلسفة المصريَّة، ومن ضمن هذه الرسوم معلومات عن سبب وجود الإنسان، وكيف يمكنه أن يكون شخصًا صالحًا ليصل إلى الجنَّة.

وقد توصَّلت الفلسفة المصريَّّة إلى مفهوم أطلقت عليه اسم (الانسجام والتوازن)، وهو مبدأ مركزي يمكن من خلال اتِّباعه أن يتمكَّن المرء من أن يعيش حياة أفضل، ويضمن أيضًا وصوله إلى الجنَّة بعد موته، وفي نفس الوقت وفَّرت الفلسفة المصريَّة إجابات عن الروح البشريَّة، ومفهوم الخلود، والتَّناسخ والعلاقة مع الإله.


الفلسفة في بلاد ما بين النهرين

في بلاد ما بين النَّهرين كان الناس يعتقدون أنَّ علاقتهم مع الآلهة التي خلقتهم علاقة شكر وامتنان، وهذا ما كان يدفعهم لعبادتهم واتِّباع السلوك السليم من أجل إرضائهم وتقديسهم، ولكن بمرور الوقت بدأ التشكيك في هذه الحقيقة، ممَّا مهَّد الطريق إلى ظهور الأفكار البحثيَّة الفلسفيَّة، وقد اتَّضح هذا التشكيك تمامًا في قصيدة ملحمة جلمامش، والتي تعبِّر عن فقدان ملك الأورك جلجامش لصديقه الميت إنكيدو، وكيف أنَّ الملك بدأ في البحث عن وسيلة للهروب من الأجل المحتوم، وقد فُسِّرت قصة جلجامش على أنَّها تمثِّل بدء التطوّر الفلسفي في حضارة ما بين النَّهرين، ولم يوجد دليل على أنَّ جلجامش كان يشكِّك في علاقته مع الآلهة حتى وفاة صديقه إنكيدو، التي بدأ بعدها بالبحث عن إجابات لم تقدِّمها له معتقداته الدينيَّة.


الفلسفة في الهند

تطوَّرت الفلسفة في الهند ردًّا على الكتاب المقدَّس للدِّيانة الهندوسيَّة، والمعروف باسم (الفيدا)، والذي يُعدُّ أقدم كتاب مكتوب في حوالي 800-500 قبل الميلاد، ويوضِّح الكتاب حقيقة خلق الكون، وكلمات ورسائل حرفيَّة من الإله، وفي حوالي العام 600 قبل الميلاد، نشأت حركة إصلاح ديني واجتماعي في الهند، وأدَّى ظهورها إلى تطوّر أفكار فلسفيَّة أخرى أنكرت أفكار الهندوسيَّة الدينيَّة، ممَّا أدَّى إلى ظهور بعض المدارس الفلسفيَّة مثل اليانيَّة (الجاينيَّة)، والبوذيَّة اللَّتين أصبحتا في وقتٍ لاحق ديانات ولديهما أتباعهما.


الفلسفة في إيران

بدأت الفلسفة الفارسيَّة قبل 1500 قبل الميلاد، ويتِّضح ذلك من خلال الأفستا وهو الكتاب المقدَِّس للديانة الزرادشتيَّة، والذي يتضمَّن مفاهيم من الدين الإيراني القديم متعدِّد الآلهة، وقد تطوَّرت الفلسفة الدينيَّة وظهر دينًا جديدًا يتبنَّى فكرة وجود إله واحد فقط للكون وهو أهورا مازدا، والذي يوجد له عدو لدود خارق يُسمَّى أنجرا ماينيو (أهرمان)،


وهوالذي كان يعتبره النَّاس رمز الشر والظلام، ولكن بعد أن استوعب النَّاس أنَّ حقيقة أهورا مازدا هو كائن مخلوق، وأنَّ أهرمان ليس لديه قدرة على صنع الشر، بدأت تظهر أفكار فلسفيَّة نتج عنها في وقت لاحق ظهور مدرسة الزورفانيَّة الفلسفيَّة، في أواخر الأمبراطوريَّة الأخمينيَّة في الفترة ما بين 550-330 قبل الميلاد، والتي زعمت أنَّ إله الزمن اللّانهائي هو من خلق أهرمان وأهورا مازدا، ثمَّ حُبس هذين الأخوين في صراع أبدي، ولم يكن أمام البشر إلّا الانصياع إلى هذه الحقيقة، بينما يجب أن يمارسالإنسان حياته بإرادة حرَّة، دون ربط نفسه بقضية الخير والشر.


الفلسفة في الصين

نشأت الفلسفة الصينيَّة في فترة الرَّبيع والخريف وفترة الممالك المتحاربة، في هذا الوقت كانت تعيشالصين في فوضى عارمة، بسبب تراجع قوة وشعبيَّة أسرة زو الحاكمة، وقد تطوَّرت الأفكار الفلسفيَّة استجابةً لهذه الظروف المضطربة، وكانت أول الخطوات الفلسفيَّة هي النصوص الكونفوشيوسيَّة التي ألّفها الحكيم كونفوشيوس في الفترة ما بين 551-479 قبل الميلاد، وهي تعاليم دينيَّة كانت الأصل في ظهور مدارس فكريَّة فلسفيَّة أخرى من بينها المدرسة الطاويَّة والقانونيَّة، وبالرغم من اختلاف المدارس الفلسفيَّة عن بعضها كثيرًا، إلّا أنَّها جميعها كانت تسعى لفرض النِّظام في زمن الفوضى، إذ قامت الفلسفة الصينيَّة في البداية استجابةً للفوضى الاجتماعيَّة، وبسبب إخفاق المعتقد الديني في تقديم تفسير إلهي لما يحدث ولطمأنة النَّاس بطريقة دينيَّة مقنعة.


الفلسفة في الحضارة الإسلامية

اتّبعت الفلسفة الإسلامية الفلسفة اليونانية في العديد من النواحي، ما عدا الناحية الدينية؛ إذ سعت الفلسفةالإسلامية طوال تاريخها إلى فهم جوهر حقائق خلق الكون من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا لا يعني أنّ الفلسفة توجّهًا غير مناسبًا للمسلمين كونهم يملكون دليلًا بالفعل يوجّههم للأعمال الصحيحة والمعرفة الموثوقة وهو القرآن الكريم، بل أنّ للفلسفة في الإسلام تاريخًا حافلًا بالتطور والإنجاز[٤].


والأمثلة كثيرة على علماء مسلمين برعوا في الفلسفة ومنهم أبو بكر الرازي(925 م-854 م)، الطبيب والكيميائي والفيلسوف المشهور، والذي كان أوّل شخص يكتشف أنّ الجدري والحصبة مرضان منفصلان، كما طوّر نظريةً ميتافيزيقيّةً مبنيّةً على نظرية أفلاطون، والذي أشار فيها الرازي أنّ اساس الكون هو الله، ثمّ تأتي بعده أربع عناصر أخرى أساسية وهي الزمان والمكان والروح والمادة، كما ألّف الرازي أول كتاب في طب الأطفال، ومن الفلاسفة المسلمين الآخرين الفيلسوف الإيراني شهاب الدين السهروردي (1191 م-1154 م) الذي أسّس مدرسة ميتافيزيقية إسلامية، ترتكز كثيرًا على أفكار أفلاطون، ثمّ ألّف في وقتٍ لاحق عشرات الكتب عن الفلسفة وعلاقتها بالإسلام[٥].


فروع في الفلسفة

تُقسَّم الفلسفة إلى العديد من المدارس المختلفة، إلّا أنَّ فروع الفلسفة في الدراسة موحَّدة في الشرق والغرب، وهي كما يأتي[٢]:

  • الميتافيزيقيا أو دراسة الوجود، وسمِّي بهذ الاسم نظرًا لتبنِّيأرسطو هذا الموضوع، والذي كان يقصد فيه دراسة الفلسفة والدين فقط، وتوضيح جوهر الأشياء وما وراء الكون.
  • نظرية المعرفة، وفيها ما معنى المعرفة بالضبط، وكيفية تقديم تعريف صحيح لها، وكيف تمكَّن الإنسان من إيصال المعنى الذي يريده لمن أمامه، وغيرها من الأسئلة المعرفيَّة، التي لم يتطرَّق لها العلماء القدماء الذين عاشوا قبل سقراط وأفلاطون.


  • نظرية الأخلاق، وتركِّز هذه النظريَّة التي شاعت من قبل وجود أرسطو على أخلاق الإنسان، وكيف سيعيش ويتَّخذ قراراته ويتصرَّف على أساس أخلاقي، وتهدف هذه النظريَّة الفلسفيَّة إلى محاولة إيجاد أفضل طريقة لعيش الإنسان، من أجل تحقيق المصلحة الشخصيَّة والعامَّة في نفس الوقت.
  • نظرية السياسة، وتقدِّم هذه النظريَّة الفلسفيَّة أسئلة حول واجب أصحاب السلطة نحو وطنهم، وكيف يمكنهم أن يكونوا مواطنين صالحين يخدمون مجتمعهم، وكيفية العيش مع جيرانهم ومن حولهم بطريقة أفضل.
  • نظرية الجمال، تهتم هذه النظريَّة الفلسفيَّة بدراسة الجمال والفن والثقافة والطبيعة، وتسعى لإيجاد إجابة عن سؤال "ما الدي يجعل الأشياء ذات معنى جميل؟"، وتعالج هذه النظريَّة مسائل تتعلَّق بالحكم على الجمال، وكيفية إحساس الإنسان بجمال ما حوله[٦].
  1. Joshua J. Mark (13/10/2020), "Greek Philosophy", ancient, Retrieved 23/2/2021. Edited.
  2. ^ أ ب Joshua J. Mark (16/10/2020), "Philosophy", ancient, Retrieved 24/2/2021. Edited.
  3. "Philosophy of Science History", explorable, Retrieved 24/2/2021. Edited.
  4. Leaman, Oliver, "Islam, concept of philosophy in", rep.routledge, Retrieved 3/3/2021. Edited.
  5. SCOTTY HENDRICKS (15/11/2016), "10 Golden Age Philosophers, and Why You Should Know Them", bigthink, Retrieved 3/3/2021. Edited.
  6. "What is Philosophy?", philosophy, Retrieved 25/2/2021. Edited.

فيديو ذو صلة :